ومن جهة أخرى هناك معطيات تفرضها طبيعة العالم الجديد، ولا توجد أجندة موحدة للتعامل مع تلك المعطيات، مثل أن معظم السكان من جيل الشباب
كل اجتماع يعقد لدول مجلس التعاون نسمع في اليوم التالي لانعقاد القمة الخليجية نتائج مبهرة توصل إليها القادة، وتوصيات رائعة تكلف بها اللجان المختصة بغرض المتابعة والتنفيذ، وبعد أكثر من ربع قرن لا نزال نتحدث عن تكامل ووحدة خليجية حقيقة، ونتمنى ونحلم وكأننا لم نخطط بما فيه الكفاية طوال السنين التي مضت، ونعيد الكرة ونشكل عشرات اللجان ومئات المقترحات تطرح وتناقش، ولكن ما يطبق منها الشيء اليسير جداً، وتبقى باقي التوصيات مكانك سر، لا تراوح غرف الاجتماعات وأوراق عمل لجان تعمل على الوصول لنتائج ملموسة، وتقف دائماً أمام عائق تحديات القوانين المحلية والدساتير والبرلمانات أو المجالس الوطنية المحلية والأجندات والمصالح الخاصة بكل دولة .
وفي كل سنة نقول هذه هي السنة التي سيتحقق فيها الحلم نظراً لواقع التحديات والعمل والتنسيق الخليجي المشترك الكبير لتحقيق الحلم المشروع، ولكن بعيداً عن العاطفة هو مشروع بعيد المنال، ولا يبدو واقعياً من الناحية العملية والممارسة اليومية في دول مجلس التعاون، حيث تعد قضية وضع أسس حوكمة نظام الاتحاد الخليجي من الناحية السياسية، ومهددات الأمن الفكري وملف المواطنة في مواجهة الطائفية والقبلية وغياب البنية التحتية لبناء الدولة المدنية في بعض الدول مسائل معقدة للغاية، ومعاضل كبرى ليس لها حل في المنظور القريب .
وقد سعدنا بنتائج القمة الخليجية الأخيرة في الرياض وخاصة قرارات التكامل الجمركي، وتسريع التكامل الدفاعي، وتطوير الاستراتيجية الأمنية، والتعامل بحزم مع الإرهاب، وتشكيل جبهة موحدة نحو قضايا النزاعات في اليمن وسوريا من الناحية الدبلوماسية، أو المواقف العامة على أقل تقدير وتأييد جهود توحيد مختلف أطياف المعارضة السورية المدعومة من معظم دول الخليج، وتشكيل لجنة مختصين ومفكرين لاقتراح مرئيات للمواطنة الاقتصادية الكاملة، واعتماد القانون الموحد لحماية المستهلك بدول المجلس كقانون إلزامي والقواعد الموحدة للاستحواذ في الأسواق المالية بدول المجلس والعمل بها بصفة استرشاديه، لحين الانتهاء من إعداد منظومة القواعد والمبادئ الموحدة لتكامل الأسواق المالية بشكل كامل، كما اعتمد دليل إجراءات المخزون الاستراتيجي للأدوية والأمصال والمستلزمات الطبية، وهناك قضايا أخرى العمل جاري عليها كمقترح السوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي، وغيرها من القضايا المحورية، بجانب أمر مهم جداً وهو مشروع إنشاء القيادة العسكرية الموحدة، والذي قطعت في إجراءاته خطوات جبارة بجانب القضايا الدائمة مثل القضية الفلسطينية، ورفض التدخل في الشؤون الخليجية من دول الجوار .
وبعد التطرق لنتائج القمة سنعود ونضع أقدامنا على الأرض لنتكلم عن الواقع، وهو يشير أن دول مجلس التعاون غير متفقة ككل على القضايا المهمة التي تتعلق بمصير دول مجلس التعاون من الناحية الأمنية والاقتصادية كمشكلة سوريا واليمن، أو التعامل مع ملف أسعار النفط والخلافات الحدودية التي لا تناقش ولا تثار، ولكن لا يعني أنها غير حاضرة في ذهن كل دولة متضررة من سياسات شقيقتها الحدودية التي ارتأت الحكمة في وقت معين عدم خوض صراع من أجلها وتقديم منطق العقلانية الدبلوماسية وحسن الجوار وتقديم تنازلات أصبحت شعوب تلك الدول تطالب بها حكوماتها من باب المصلحة الوطنية وإرجاع الحقوق لأهلها.
ومن جهة أخرى هناك معطيات تفرضها طبيعة العالم الجديد، ولا توجد أجندة موحدة للتعامل مع تلك المعطيات، مثل أن معظم السكان من جيل الشباب، ولهم مطالب متزايدة في ما يخص الحريات وأنماط الحياة التي يعيشونها، ونظرتهم للحياة بصورة عامة ولمفاهيم تعتبر مقدسة للأجيال التي تكبرهم، وبالنسبة لهم مسائل سطحية غير جوهرية، وهو تحدي سيفرض نفسه على دول الخليج خلال السنوات القادمة، كما أن التزامات الإنفاق تتزايد بشكل حاد وبالمقابل الإيرادات في ما يخص إنتاج النفط وأسعاره في هبوط دائم، وقد يصل سعر البرميل لـ 30 أو حتى 20 دولار في سنة 2016، وستجبر بعض الدول إلى الاقتراض المكثف لتمويل الإنفاق الاجتماعي بكل مكوناته، وبعض الدول التي تعتمد بشكل مزمن على ارتفاع أسعار النفط تحتاج حتماً أن يصل سعر البرميل إلى $ 97 فقط لموازنة ميزانيتها والبعد عن مغامرة إدمان اللجوء لصناديق الثروة السيادية لتغطية انخفاض الأسعار، حيث إن انخفاض الأسعار ليس لها بعد اقتصادي بل سياسي بحت كما يعتقد البعض، وهو أكبر خدمة ممكن أن تقدم لقارة أوربا لإنقاذ اقتصادها وضربة موجعة لإيران وروسيا وفنزويلا ووغيرها من الدول التي تنافس بعض دول الخليج في حصتها في السوق.
فالخطر من مسألة حرب النفط العالمية الثانية يرتبط بالغضب الشعبي الذي لا بد، وأن يظهر في السنوات القادمة في الدول ذات الإمكانيات النفطية المحدودة، مما سيجبرها أن تتجه خلاف اتجاه شقيقاتها في دول المجلس في صراع بقاء مفتوح سيضر حتماً بالمنطقة، وهو مزيج من النمو السكاني والموارد المتناقصة سيضع الضغط على صفقة اقتصادية ضمنية بين الحكومات والمجتمعات وتغيرات جذرية في إدارة بعض الدول التي لم تجري إصلاحات حقيقة في إسعاد شعبها، وستتأثر الدول المستقرة والمزدهرة في المنطقة من جراء ذلك الحراك الحتمي، كما يدرك كبار الاستراتيجيين في مجال الطاقة أن السياسة والطاقة وجهان لعملة واحدة، فلا تنمية بدون نمو تصاعدي وموارد اقتصادية متوازنة، وحرب أسعار النفط قد تجعلنا نعقد صفقات لمصلحتنا مع دول مثل روسيا والصين، ولكن لا يخفى على الجميع كيف بدأت روسيا تتصرف لإعادة خارطة الصراع على الطاقة والصين ستليها بسلاح إغراق الأسواق اقتصادياً، ولن تسكت إيران في المنطقة وستكون تركيا خيار ليس فيه خيار لمجلس التعاون والخطورة مع تركيا أنها مع الجميع، وأين ما تقع المصلحة التركية تعقد تركيا صفقة بين ليلة وضحاها لقلب الموازين لمن يضمن مصلحتها القومية.
ومن جهة أخرى ستواجه دول الخليج تحديات التأثيرات المناخية وفي العشرين سنة القادمة ستواجه دول مجلس التعاون تحديات مناخية لم تمر بها منذ قرون، وستحتاج لميزانيات مهولة للتعامل مع ذلك الخطر والتهديد الطبيعي، ومها تقدمت المحادثات على صفقة بين الحكومات في العالم للتقليل والحد من انبعاثات الغازات السامة والانبعاث الحراري، فإن هناك خلل لا يمكن إصلاحه، فنحن لهونا مع الطبيعة بصورة ساذجة، ولا بد وأن ندفع الثمن بصورة أو بأخرى، فالتحدي الحقيقي لدول مجلس التعاون هو وضع استراتيجية محكمة لمواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية، وإعادة النظر في سياستها النفطية، ويجب أن تتحالف مع مصالحها وليس مع الغير، وتفكر في البناء والاكتفاء الذاتي في الموارد الغذائية، ويستغرب البعض كيف تستثمر دول الخليج في كل بقاع الأرض، ولا تستثمر في بعض الدول الخليجية التي تملك في بعض مناطقها تربة زراعية وموارد مائية جوفية ووديان مؤهلة بأن تكون سلة الغذاء الخليجية لعهود طويلة، فالتعاون بين دول مجلس إذا ما تم بصورة تكاملية، وتم ضم اليمن بصورة تدريجية سيجعلها تملك جميع الموارد الأساسية التي يحتاجها داخل حدوده، والأمر في يد الإدارة السياسية لوضع مصلحة الشعب الخليجي أولاً وأخيراً بعيداً عن الفكر الفردي، وأسطورة الزعامة والقائد المظفر للمنطقة، فالمنطقة بحاجة لفريق عمل مظفر وأدوات إدارة المعرفة ونظم تعد الأحدث لإدارة الموارد البشرية، وهي العلة الحقيقة لدول المنطقة، فالخليج بإمكانه أن يقود الشرق الأوسط ككل وليس الوطن العربي فقط ولكن.... .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة