بعد تعيين كوهين رئيسًا للموساد.. اليمين الديني يسيطر على أمن إسرائيل
خبيران فلسطينيان: المتطرفون يسيطرون على مناصب أمنية وعسكرية وسياسية
بتعيين يوسي كوهين رئيسًا للموساد يكون اليمين الديني المتطرف قد أحكم سيطرته على 3 من أهم المؤسسات الأمنية الإسرائيلية.
لم يكن تعيين ثلاثة من أبرز قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خطوةً تحكمها الاعتبارات الأمنية والسياسية فقط، بقدر ما كانت تعبيرًا عن التطرف الأيديولوجي الآخذ في الانتشار رأسيًّا بعد الانتشار أفقيًّا في الدولة العبرية خلال السنوات الأخيرة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، عن اختيار يوسي كوهين رئيسًا لجهاز الأمن الخارجي "الموساد"، ليكتمل بذلك ثالوث التطرف اليميني المتغلغل في رأس المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مع رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" يورام كوهين، والمفتش العام للشرطة الإسرائيلية روني الشيخ، وثلاثتهم من التيارات الصهيونية المتطرفة، ليبقى رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت "وحيدًا" من التيار العلماني وحده في القيادة الرباعية الأمنية.
ويتجلى التطرف الصهيوني في العقد الأخير في جملة القرارات الموجهة ضد الفلسطينيين، والتي يعزوها الخبراء إلى سيطرة عناصر التطرف على مفاصل مهمة في المستويات الأمنية والعسكرية، فضلًا عن السياسية.
عوامل التطرف
ويعزو الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور فايز أبو شمالة، ازدياد وتيرة تطرف الإسرائيليين، إلى عوامل داخلية وخارجية.
وقال أبو شمالة لـ"بوابة العين" إن العوامل الداخلية تتمثل في تضخم القيمة المعنوية لليهودي، وبروز أحزاب دينية، وتنامي التنظيمات السياسية المتطرفة مثل "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا"، وتكاثر مجموعات العمل مثل "فتية التلال" و"جباية الثمن".. هؤلاء لا يرون في العربي الفلسطيني إلا غاصبا ومحتلا للكيان اليهودي.
وأضاف أن العوامل الخارجية تتمثل في "الصراع مع العرب والفلسطينيين على أرض إسرائيل كما يدّعون، إذ شكّلت الانتصارات العسكرية على الجيوش العربية، محفزًا لليمين للادعاء بأن دينه على حق، وأن مواقفه السياسية المتطرفة التي تستمد وجودها من الدين هي الأصل في تعزيز وجود الدولة".
ويتفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مأمون أبو عامر في جزء من الأسباب التي ساقها أبو شمالة لأسباب التطرف؛ مرجعًا ذلك إلى عدة عوامل منها "طبيعة المجتمع الإسرائيلي والتراث الثقافي الديني المتمثل في كراهية الآخر، والاستعلاء عليه".
وقال أبو عامر لـ"بوابة العين" إن "هناك عوامل موضوعية مثل باقي المجتمعات الإنسانية تتأثر بالبيئة المحيطة خصوصا الشعور بفائض القوة الذي يعطي الأشخاص والجماعات روح التشدد، والاستخفاف بالآخر".
أبو عامر أشار إلى عامل آخر وهو "التعبئة الدينية المتشددة داخل المؤسسات التعليمية سواء في المدارس الحكومية أو المدارس الدينية الخاصة"، إضافةً إلى الرعاية المتميزة التي يتلقاها المتدينون في المجتمع الإسرائيلي.
تقدم اليمين على حساب العلمانيين
وعلى الرغم من الرعاية الإسرائيلية الرسمية للتيارات الصهيونية (الدينية والعلمانية)، فإن حضورهم في الحياة السياسية كان محدودًا، حتى السنوات الأخيرة التي شهدت فيها الأحزاب المنتمية إلى التيارات العلمانية واليسارية تراجعًا واضحًا على صعيد الحضور الشعبي، وما ينتج عنه من حضور في التشكيل البرلماني والحكومي.
وقال أبو شمالة لـ"بوابة العين" إن الأحزاب الدينية تتقدم بقوة على حساب الأحزاب العلمانية.. وهذا واضح في نتائج الانتخابات.
ويضيف: "فاز حزب الليكود اليميني عام 1976 بتشكيل الحكومة بمفرده لأول مرة في تاريخ إسرائيل، وبعد توقيع اتفاق السلام مع مصر، عزز من وجوده في السلطة".
واعتبر أبو عامر، أن التيار الصهيوني المتطرف يتقدم في إسرائيل على حساب القوى اليسارية والليبرالية، حتى على حساب القوى الدينية الحريدية.
أبو عامر قال إن "القوى الصهيونية المتشددة تلعب دورًا مهمًّا في إنتاج سياسة متشددة لإسرائيل، حيث شكّلت تحركاتهم في مطلع السبعينيات قوة دفع أساسية في طرح موضوع الاستيطان على الحياة السياسية الإسرائيلية، وأصبحت المستوطنات التي أسسها هؤلاء المتطرفون ورقة أساسية في الصراع العربي الإسرائيلي".
وشرح أبو شمالة دور الأحزاب اليمينية المتطرفة في صناعة القرار، قائلا إن "وجود الأحزاب اليمينية في الحكومة يعني رسم سياسة الدولة وفق الرؤية اليمينية.. ويكفي على ذلك شاهدًا، قرار إخراج الحركة الإسلامية عن القانون في إسرائيل".
هوية إسرائيل
لكن هل يغيّر الوجود في سدة الحكم وموقع صناعة القوانين، هوية إسرائيل التي حرص مؤسسوها على صبغها بالعلمانية؟
أبو شمالة قال إن الحضور الواضح لليمين الصهيوني يُحدث تغييرًا واضحًا في الهوية، مضيفا أنه "صار الحديث الآن عن إسرائيل اليهودية، ففي الوقت الذي رفض مؤسسوها وصفها سنة 1948 بالدولة اليهودية، لأسباب دولية وإقليمية، نراهم اليوم يحرّضون على تسميتها بدولة اليهود الديمقراطية".
وأشار أبو شمالة إلى سيطرة المسحة الدينية على الدولة العبرية، وقال إن "الإسرائيليين العلمانيين ينزوون في منطقة تل أبيب، بينما يتسع التطرف الديني، ليسيطر على كل أحشاء الدولة".
لكن أبو عامر يرى أن نسبة اليمين المتطرف ليست واسعة، بقدر ما لتأثيرهم من قوة وقدرة على فرض الأجندة الكبيرة، خصوصا على الأجهزة الأمنية والجيش.
المواجهة الفلسطينية
وأعرب أبو عامر عن اعتقاده أن التطرف الإسرائيلي يتطلب موقفًا فلسطينيًّا قويًّا ومتماسكًا لردع الانفلات الصهيوني، وقال إن "مقاومة هذا التيار يتطلب بناء جبهة مقاومة لا يغيب عنها مخاطبة الإسرائيليين بعقلانية لقطع الطريق على التحريض المتصاعد ضد العرب".
وشدد على أن "استهداف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية يؤثر على مناعة هذه القوة المتطرفة الآخذة في التصاعد".. وقال: "هذه خاصرة رخوة إذا ما ضربتها بقوة فإنها سرعان ما تفرّ من المكان كله باحثةً عن الأمن".
واتفق معه أبو شمالة الذي دعا إلى موقف فلسطيني يتصدى للمرحلة المقبلة التي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم إن لم يتنبهوا ويتحدّوا من أجل التصدي لها.
وقال: "كلما شعر اليهودي بأن أمنه مزعزع، ومستقبله غامض، فإنه لا يرى له مكانًا هنا"، وأضاف أن "حياة اليهودي مقدسة أكثر من الأرض المقدسة التي يدّعونها، لذلك يجب أن يخاف اليهودي على حياته وماله وبيته وأسرته، دون ذلك، فهو يوغل في التطرف حتى إنه لا يرى على وجه الأرض من هو جدير بالحياة غيره".