نشوة الانتحار، هذا المشهد كان مخيماً على أجواء قاعة مجلس النواب في العاصمة اليمنية الأسبوع الماضي
نشوة الانتحار، هذا المشهد كان مخيماً على أجواء قاعة مجلس النواب في العاصمة اليمنية الأسبوع الماضي حيث تخلى الأعضاء الذين حضروا جلسة دون نصاب مسبقاً عن مسؤولياتهم النيابية وتحولوا إلى مطية سياسية للانقلابيين على الشرعية الدستورية ومؤسساتها وعلى العملية السياسية بمرجعيتها المحددة للفترة الانتقالية، ما أدخل البلاد في حروب الدمار الجهنمية.
هل كان هذا سقوط آخر الأوراق؟
الأمر متروك لقادم الأيام، لكن ما بدا يؤكد أكثر من أمر، ومن ذلك أن اليمن أمام تحالف مندفع في الهروب إلى الأمام، والدافع يتمثل في وهم الصعود والخوف من السقوط وهي إشكالية هذا التحالف الذي حوّل اليمن إلى رهينة.
ما الذي قاد إلى حفلة «زار» مجلس النواب؟
هنا تحضر التسوية للأزمة اليمنية وخاصة بعد الانقلاب على الشرعية.
مبدئياً كانت الأمم المتحدة مسؤولة عن بدء الخطوات لتنفيذ قرار مجلس الأمن في شأن إنهاء الانقلاب من خلال انسحاب القوات من المدن وإخلاء المرافق والمؤسسات الحكومية من أيدي الانقلابيين وعودة رئاسة الدولة والحكومة إلى أداء مهامها ومن ثم تجري عملية تسليم الأسلحة للدولة والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي رسمت مساراً لما يمكن وصفه باليمن الجديدة.
لكن البداية مع الأسف دارت بصورة التفافية على هذه القضية وكان غياب دور الأمم المتحدة المفترض أقرب إلى مساهمة فعلية لتمديد عمر الانقلاب، الذي بات منقلباً على الأمم المتحدة ذاتها، وتحويل المشاورات إلى مناورات عبثية.
في المشاورات كما جرت، بذل وفد الحكومة اليمنية جهوداً كبيرة وتحلى بالصبر والمسؤولية بهدف وضع نهاية موفقة لما انزلقت إليه اليمن منذ الانقلاب .في مقابل هذا الموقف كان الطرف الآخر يناور ويوافق ثم يتراجع ويلعب على الأمور المطروحة .
في ختام المشاورات التي احتضنتها العاصمة الكويتية ولدت المفارقة العجيبة.وافق وفد الحكومة على قرار الأمم المتحدة في شأن الخطوات العملية والتوجهات للمضي في إعادة الأمور إلى مجرى العملية السياسية، لكن طرف الانقلاب لم يكتف باللعب على عملية المشاورات، بل أقدم على خطوات ناسفة لكل ما تدعي الأمم المتحدة أنها تعمل من أجل تحقيقه، وجاء هذا بابتداع آليات تحالفية للانقلابيين في شأن قضايا البلاد في إمعان لخرق الدستور وتحد للإرادة الدولية، والأهم تجاهل الأطراف والمصالح الوطنية.
عند هذه النقطة يمكن التوقف أمام المواقف الروسية التي تسارعت كما لو أنها كانت مبيتة وتنتظر اللحظة المناسبة واعتبرها البعض مفاجئة وغريبة.
بداية اعترض الروس على مشروع بيان لمجلس الأمن حول رفض الانقلابيين الموافقة والتوقيع على قرار الأمم المتحدة كحصيلة للمشاورات، وهم اعتبروا خطوة إنشاء الآليات الانقلابية «إيجابية».
الموقف الروسي هذا يصب في اتجاهين:
الأول: أنه يزكي استمرار الانقلابيين في استهداف الشرعية الدستورية وهذا يناقض الشرعية الدولية وإرادة الأغلبية اليمنية ويتناقض في الوقت نفسه مع الموقف الروسي ذاته حول الانقلاب.
الثاني: إن الروس أقدموا على خطوة واضحة وصريحة في لعبة خلط الأوراق التي تجري لا في شأن الأزمة اليمنية وحدها بل وما يجري في بلدان عربية عديدة وأبرزها سوريا، وقد تكون اللعبة هنا تجمع بين ابتزاز دول المنطقة من جهة والدخول في مقايضات مع أطراف منها من جهة ثانية.
السؤال هنا: هل الموقف الروسي يغير من حقيقة أن ما جرى من قبل الانقلابيين غير شرعي؟
إن المسألة هي في لعبة إطالة الأزمة واللعب على شراء الوقت وأول المتلاعبين في ذلك الأمم المتحدة.
قد يكون هنا مناسباً الإشارة إلى ما أعلنه السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشكين يوم 15 الجاري من «أن قضية خطيرة معقدة تتشكل حول الأزمة اليمنية بعد تصعيد الوضع الأمني هناك» داعياً إلى «حل النزاع من خلال المفاوضات فقط» على حد تعبيره.
السؤال الآن: ألم يكن رفض الانقلابيين لقرار الأمم المتحدة وخطواتهم اللاحقة في شأن آلية تحالفهم محور هذا التصعيد؟
ومن ثم: أليس الموقف الروسي بذاته هو تصعيد لتفاقم الأزمة؟
في أي حال الطريق إلى عودة اليمن للعملية السياسية والفترة الانتقالية يمر من إنهاء الانقلاب فماذا على الروس وغيرهم فعله؟
الموقف الروسي يزكي استمرار الانقلابيين في استهداف الشرعية الدستورية ما يناقض الشرعية الدولية وإرادة الأغلبية اليمنية
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة