كيف ناقش الغرب قضية البوركيني؟
حظر ارتداء البوركيني الذي أبطلته محكمة فرنسية أثار جدلًا حول العالم، ما بين مؤيد لقرار الحظر، ومن يرى أنه تدخل مجحف في الحرية الفردية.
"انتهاك واضح وخطير للحريات الأساسية في الحركة والعقيدة والحريات الشخصية".. بموجب هذه الكلمات حسمت المحكمة الإدارية العليا الفرنسية -مؤقتًا- أزمة اندلعت في أنحاء فرنسا خلال الأسابيع الماضية بعد فرض عدة بلدات فرنسية حظرًا على ارتداء ملابس البحر النسائية "البوركيني" على شواطئها.
حظر البوركيني في الدولة الأوروبية لا يمثل الهجوم الأول على ما يمس المسلمين في فرنسا، فبالعودة إلى عام 2010 نجد أن فرنسا أصبحت أول دولة أوروبية يحظر فيها ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة.
هذه الرغبة الفرنسية في السيطرة على ملابس النساء حتى أثناء استمتاعهن بجلوسهن على الشواطئ الفرنسية أثارت جدلًا حول العالم، ما بين مؤيد لقرار الحظر ومن يرى أنه تدخل مجحف في الحرية الفردية.
"أغنيس بوارييه" صحفية سياسية فرنسية ترى أن البوركيني يمثل تحديًا لقيمتين أساسيتين في فرنسا؛ وهما تحرير المرأة والرغبة في الحياة كأمة واحدة.
تقول "بوارييه" في تقرير على "بي بي سي"، إن "البلد التي قدمت البكيني للعالم استكمالًا لتقليد طويل من تأثير ونفوذ المرأة صدمت لرؤية بعض النساء الفرنسيات، يقبلن بما تعتبره سيطرة الدين والرجال عليهن".
كما يمثل البوركيني تحديًا لفكرة الوحدة الوطنية، التي تمثل قلب الخطاب الفرنسي، وينظر للبوركيني كرمز للانعزالية، وبالنسبة للبعض يسمح بتقويض الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها الدولة الفرنسية".
من جانبها، رأت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن البوركيني ليس حكمًا ورد في القرآن بل يعد واحدًا من مظاهر إسلام سياسي ناشط ومدمر.
كما رأت الصحيفة أن غطاء الرأس في المدارس والصلاة في الشوارع وقوائم لحوم الحلال والفصل بين الجنسين في حمامات السباحة والمستشفيات ومدارس تعليم القيادة، إضافة إلى النقاب والبرقع، كلها مظاهر تمثل منذ 30 عامًا خطرًا يهدد بتقويض المجتمع الفرنسي وزعزعة استقراره.
واختتمت الصحيفة بالقول إنه حان الوقت "لكي نغلق الباب في وجوههم".
لكن يبدو أن صحيفة "لوموند" الفرنسية تحمل فكرًا مختلفًا بعض الشيء، فوصفت قرار المحكمة بوقف حظر البوركيني بأنه انتصار لسيادة القانون.
وفي مقالها الافتتاحي قالت الصحيفة، إنه بعد أسابيع من الجدل الذي اقترب بعض الأوقات إلى حد الهستيريا أصدر مجلس الدولة قرارًا لحكمته وحجته القانونية يحل محل قضية البوركيني المشتعلة، مضيفة أن القرار يقدم فرصة طيبة لوضع نهاية لجدال كثيرًا ما تم استغلاله لدوافع انتخابية خفية.
كما أفردت الصحيفة مساحة للكاتب، حميدو آن، الذي عقد مقارنة بين فرنسا والمغرب، ودون الخوض كثيرًا في تفاصيل المقارنة، نجد أن الكاتب تحدث عن ظاهرة مشتركة بين البلدين وهي أن "الرجال يقررون ما ترتديه النساء وما لا ترتدينه".
أشار الكاتب إلى أن هذه الجدالات ليست تافهة؛ فهي تنبع من رغبة لتقييد حريتهن، وأنه على الرغم من التقدم الحقيقي في العقود الحديثة فيما يتعلق بالحقوق المتساوية إلا أن الطريق لا يزال طويلًا.
كما تحدث أيضًا عن أن الوقت الحالي يمثل عودة لسياسات الهوية والإسلاموفوبيا في أوروبا الغارفة في الأزمة الاقتصادية.
فرض حظر النقاب في فرنسا جاء في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي تدخل برأيه مؤخرًا فيما يتعلق بالبوركيني واصفًا إياه بأنه "استفزاز"، وأنه لا ينبغي على فرنسا "سجن النساء وراء قطعة قماش".
ناتالي نوغايريد هي أول امرأة تتولى رئاسة تحرير "لوموند" قبل أن تستقيل عام 2014، لها وجهة نظر أخرى بشأن حظر البوركيني، فهي ترى أن فرضه يحمل كثيرًا من السخافات الواضحة.
وفي مقالها على صحيفة "الجارديان" البرطانية، أشارت نوغايريد إلى أن فرنسا لم تجد حتى الآن وسيلة لضمان معاملة سكانها من المسلمين على قدم المساواة مع باقي المجتمع الفرنسي.
كما طرح الصحفي البريطاني، صني هاندل، تساؤلًا في مقال على صحيفة "إندبندنت" البريطانية، "دافعت فرنسا عن حق شارلي إبدو في الإساءة.. إذن لماذا لا تستطيع سيدة مسلمة ترتدي البوركيني.. الإساءة لنا أيضًا؟".
صحيفة "الجارديان" البرطانية أفردت لمصممة البوركيني، عاهدة زانيتي، مساحة للحديث عن الملابس التي أثارت هذا الجدل الفرنسي، فتقول زانيتي إنها اخترعت البوركيني لتمنح النساء الحرية وليس لتسلبها منهن.
كما تحدثت الكاتبة المتخصصة في شئون الإسلام والمسلمين في الغرب، راشيل وودلوك، عن أن إجبار الرجال للنساء على خلع ملابسهن لن يبدو شكلًا من أشكال الحرية والمساواة وتشجيع الأخلاق الحميدة، مهما كانت المبررات.
ويشار في هذا السياق إلى أن محاولة فرنسا تضييق الخناق على المسلمين لا تؤتي بثمار إيجابية فيما يتعلق بحماية البلاد من الهجمات الإرهابية، فخلال عامين شيعت البلاد أكثر من 220 ضحية نتاج الإرهاب.
كانت أولى الهجمات الواضحة كانت في يناير/كانون الثاني 2015 عندما قتل 12 شخصًا في الهجوم على مجلة "شارلي إبدو" الساخرة.
وربما يبدو الموقف الرسمي الفرنسي متناقضا، فبينما يُسمح للمجلة بنشر رسومات مسيئة للإسلام تحت غطاء حرية الرأي والتعبير، تُمنع النساء من ارتداء النقاب أو البوركيني في اعتداء صارخ على حرياتهن.
منذ ذلك الحين وتوالت الهجمات الإرهابية على الدولة الأوروبية مخلفة عشرات الضحايا ومئات العائلات الثكلى، وكان آخرها في يوليو/تموز الماضي قُتل 77 شخصًا على الأقل بعد أن دهست شاحنة حشدًا من الأشخاص في مدينة نيس الفرنسية.
في المقابل فإن اهتمام الصحف البريطانية بالقضية يبدو مثيرا، بنظرة سريعة على معدل الهجمات الإرهابية في المملكة المتحدة، فخلال العامين 2015 و2016 لم يُذكر تعرض البلاد لمثل هذه الهجمات القاسية التي تعرضت لها فرنسا، كما أن المملكة المتحدة لم تحظر ارتداء النقاب أو البوركيني حتى الآن.
ولا يبدو أن حكم المحكمة الفرنسية سيكون المحطة الأخيرة في المواجهة بين الدولة وبين المسلمات والإسلام، خاصة مع تعهد عمدة كورسيكا بالإبقاء على الحظر على شواطئ جزيرته.
ربما تحمل الانتخابات الرئاسية في فرنسا المقررة العام المقبل نفعًا للمسلمين أو ضررًا، فقد تستمر السياسة الفرنسية لمواجهة الإرهاب من خلال المزيد من فرض القيود على المسلمين، وقد يظهر مرشح يطرح رؤية أكثر سلمية وانفتاحًا في التعامل مع المسلمين.
الأكيد أن المستقبل لن يُبشر بالخير في حالة فوز ساركوزي مجددًا بالمنصب، فقد أعلن نيته للترشح، متوعدًا في حالة فوزه بمنع كل إشارة دينية في الجامعات الفرنسية، وهذا قد لا يعني سوى المزيد من التقييد على أزياء المسلمات.
aXA6IDMuMTM1LjIxNC4xNzUg جزيرة ام اند امز