في "سوق الحِرف" ببيروت.. تراث المهن اليدوية يصمد أمام الحداثة
بحنينٍ إلى الصنعة اليدوية في مهن توارثها الأبناء عن الآباء، تشهد بيروت لحظات تستحضر الأصالة والتراث من خلال مبادرة "سوق الحرف".
بحنين إلى الموهبة الفطرية والصنعة اليدوية وجمال السبْك في مهن توارثها الأبناء عن الآباء منذ قديم الزمن، تشهد العاصمة اللبنانية حتى نهاية الأسبوع الجاري لحظات تستحضر الأصالة والتراث من خلال مبادرة "سوق الحِرف" وهي تعيد إحياء بعض المهن الحرفية التي كانت تحتضنها بيروت في القرن الماضي.
ويجتمع 30 حرفيًّا في منطقة الصيفي بوسط العاصمة ليصنعوا ابتكاراتهم مباشرة أمام الزوّار وليحثّوا البعض على إضافة لمساتهم الشخصية على تصاميمهم الخاصة بمساعدة الحرفيين بهدف خلق أجواء ترتكز على التفاعل. ويمكن أن يصنع الزائر مراكب خشبية كما باستطاعته انتقاء بعض الأقمشة بغية تحويلها لأشكال حرفية وفنية يزيّن من خلالها منزله أو مكتبه. ويُمضي الأولاد الوقت في الرسم والعمل على ابتكاراتهم الشخصية بإشراف من الحرفيين.
يتضمن هذا السوق -الذي من المنتظر أن يتحول الى نشاط منتظم نظرا لإقبال الناس عليه- صناعة آلة العود ومهنة تجارة الأقمشة وحرفة الخزف اليدوي وصناعة الغليون والحفر على الخشب وتصميم مختلف الأدوات الى جانب حرف أخرى. كما يعرض بعض الطهاة المأكولات العضوية والخالية من المواد الحافظة التي تُصنع في المنازل ويقبل عليها الجيل الجديد في لبنان بشكل ملحوظ.
وأشرف على هذه المبادرة الأصدقاء نتالي المير وزياد حلواني ورين محفوظ بعدما ارتأوا منذ فترة قصيرة أنه لا بد من إعادة إحياء الحرف التي كانت في الماضي محور اهتمام الكبار والصغار كما كان لها أيام مجدها الذي راح يخبو مع مرور الزمن. وطوال أشهر راحوا يبحثون في مختلف أنحاء لبنان عن حرفيين ما زالوا حتى الآن -ورغم اقتحام التكنولوجيا للحياة الحديثة- يؤمنون بحرفهم التي ورثوها عن جدودهم وهم متمسكون بعراقتها.
تقول نتالي المير لرويترز "كان هدفنا الابتعاد عن الحرف التي دخلت في الفولكلور اللبناني، وأعني بذلك تلك التي اعتدنا وجودها وصارت أقرب إلى موضة. ومن هنا البحث الطويل عن الحرف غير التقليدية وأذكر منها صناعة الغليون. ومن جهة ثانية خطرت في بالنا فكرة خلق التواصل ما بين الحرفيين والزوار بحيث يشجع الحرفي الزائر على ابتكار منتجاته الخاصة. لا شيء أجمل من إضفاء لمسة شخصية على الابتكارات".
تعلق رين محفوظ "وجدنا سيدة من قرية نائية من شمال لبنان على سبيل المثال ما زالت تصنع الفخار وتعيش من مهنتها. مع الإشارة إلى أن هذه الصناعة تحتاج لكثير من الصبر. وكان لا بد لنا من أن نفكر بأكثر من ذريعة لإقناعها بالمشاركة في السوق وسط العاصمة. فقد اعتادت حياتها القروية البسيطة".
وفي زاوية من السوق تجلس فتاة صغيرة تدعى جوانا غرة (7 أعوام) أرضا وهي ترسم وتلون الأشكال التي ستزين من خلالها غرفتها بحسب ما تقول. وفي هذا المكان يمضي محمد خالد حمرا (70 عاما) ساعات الصباح الأولى في صناعة المراكب الخشبية الصغيرة. يروي لرويترز قائلا "أنا ابن طرابلس. وأقطن الميناء البحري مذ كنت صغيرا. كان عمري 7 أعوام عندما صنعت مركبي الخشبي الأول. جرت العادة أن أشاهد والدي وهو يضع لمساته الأخيرة على ابتكاراته الخشبية، وقد ورثت مهنتي عنه".
ويؤكد هذا الرجل الذي يمضي أيامه في صناعة المراكب "لا أعرف الملل ولا أمضي أوقات الفراغ في احتساء القهوة أو النراجيل في المقاهي كما يفعل كُثر ممن في عمري. أوقات الفراغ هي أوقات صناعة المراكب بالنسبة لي".
أما مايا خطيب (40 عاما) فهي تمضي نهارها في حياكة الكماليات على أنواعها من القبعات إلى القفازات مرورا بالأوشحة الزاهية. وقالت لرويترز إنها كانت لسنوات طويلة تعمل في أحد المصارف الذائعة الصيت في البلد واكتشفت فن الحياكة عن طريق المصادفة، وأضافت "بعدما مللت رتابة العمل في المصرف اخترت الحياكة هواية فإذا بها تتحول نمط حياة بفضل إقبال كثير عليها".
وهي تدعم هذه الهواية بعشرات الكتب التي تختارها من مختلف أنحاء العالم فتضيف إلى ابتكاراتها لمسات مأخوذة من هذا الكتاب وأخرى مستوحاة من ذاك.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjE1MiA=
جزيرة ام اند امز