بهذه الاستدعاءات النصية، شعرًا ونثرًا، ازدانت جدران مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" في اليوم العالمي للغة العربية
«لغتنا الجميلة» «أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاته» «إن الذي ملأ اللغات محاسنا.. جعل الجمال وسره في الضاد».. بهذه الاستدعاءات النصية، شعرًا ونثرًا، ازدانت جدران مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، أفرادًا وصفحات خاصة في اليوم العالمي للغة العربية الذي جعلته الأمم المتحدة موافقًا لـ18 ديسمبر من كل عام، عقب إقرارها إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعمول بها في أروقتها وتعاملاتها الدولية.
كتابات عديدة ومبادرات امتلأت بها صفحات هذه المواقع، راوحت بين الاكتفاء باستدعاء بعض المأثورات والمقولات التي تمجد اللغة العربية وتتغنى بتاريخها وتراثها، وبين مبادرات تدعو إلى إعادة اكتشاف هذه اللغة، ونشر ثقافة القراءة والكتابة بعربية سليمة، منها مثلا مبادرة "اكتب صح"؛ إذ قام مطلق المبادرة وصاحبها، الكاتب حسام إبراهيم مصطفى بإنشاء "تدوينة" خاصة تحت عنوان "حكايتي مع اللغة العربية"، استكتب فيها 30 كاتبًا وصحفيًّا ومدونًا حرًّا للمشاركة في اليوم العالمي للغة العربية.
«اكتب صح»، مبادرة بدأت على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، منذ نحو العامين، بغرض مساعدة الصحفيين والإعلاميين والطلاب ومحبّي اللغة العربية ومتعلميها، على تلاشي الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية الشائعة، وحظيت بتفاعل كبير وملحوظ، واستخدمت في ذلك عدة وسائل مبتكرة ومتنوعة.
تحولت المبادرة بعد نجاحها الكبير إلى موقع مستقل تقوم رؤيته على "الحفاظ على اللغة العربية ليس ترفًا ولا خيارًا يمكننا أن نُقدم عليه أو لا، وإنما مسألة مصير، والكلمة المكتوبة لها نصيب الأسد في ذلك، وكل منّا من موقعه، وبما آتاه الله من مواهب وإمكانات وأدوات، يمكنه أن يكون شريكًا في الدفاع عنها، وإعادة الرونق والبهاء لها مرة أخرى.
يسعى موقع «اكتب صح» ليأخذ دوره في صفوف المدافعين عن اللغة العربية، وإحيائها، وإعادة تقديمها بشكل عصري، يزيد من الإقبال عليها، ويُعيد توظيفها في الحياة اليومية ببساطة وبلا تعقيد، إضافة لتقوية الاعتماد عليها من قِبل المتحدثين والكاتبين بها، وصولا لإعادتها لمكانتها التي تستحق بين مختلف اللغات.
في السياق، "هاش تاج" بالعشرات أطلقت تحت مسميات مختلفة: "لغتنا العربية"، "لغتنا الجميلة"، "منوعات وطرائف اللغة العربية" وغيرها، الموضوع أغرى كثيرين بكتابة تدوينات وموضوعات طريفة تدور كلها حول اللغة العربية، منها مثلا "صورة معلم اللغة العربية في السينما" كما جسدها نجيب الريحاني في شخصية "الأستاذ حمام"، أو محمد هنيدي في شخصية "رمضان مبروك أبو العلمين" في فيلم حمل الاسم ذاته.
الكتاب والروائيون العرب لم يكونوا بمعزل عن الاحتفاء بلغة الضاد على صفحاتهم الشخصية على "فيس بوك"، الروائي الكويتي طالب رفاعي كتب تدوينة قصيرة "وحدها اللغة العربية ظلت باقية من شعارات القومية العربية، ووحدها تستحق الالتفاف حولها"، لخص بها حال كثير من الأمور المؤسية والمحزنة في عالم عربي، وحدته اللغة وحدها.
الكاتب والروائي اللبناني جبور الدويهي، والروائي الجزائري بشير مفتي، والكاتب والروائي الفلسطيني أنور حامد، مثالا، كلهم نوهوا بالاحتفال وباليوم العالمي للغة العربية، بكتابة تدوينات وتعليقات مختلفة تتصل باللغة العربية، كما تعددت تعليقات الكثيرين من رواد التواصل الاجتماعي تسخر من الساسة والكتاب والقضاة وغيرهم في وسائل الإعلام ممن "يريقون ماء اللغة دون أن يهتز لهم جفن"!
دعوات أخرى ترددت على "فيس بوك" لإحياء تراث الكشف الجمالي عن العربية، وإعادة نشر وإذاعة كل البرامج والمواد البصرية والسمعية التي تحث على التحدث بلغة عربية سليمة؛ مثل برنامج "لغتنا الجميلة" الذي كان يعده ويقدمه الشاعر المصري فاروق شوشة، وهو برنامج ظل يذاع يوميًّا على مدى عقود على إذاعة البرنامج العام في القاهرة، يقدم فيه شوشة تحليلا جماليًّا ورؤية فنية لأحد نصوص اللغة العربية، شعرًا ونثرًا، وكان سببًا في ارتباط أجيال عديدة باللغة العربية والشغف بها.
الاحتفاء جميل، بكل تأكيد، لكن الأهم فيما يبدو هو البحث الحقيقي عن وسائل وآليات جديدة لتعيد الرونق والنضارة إلى لغة عمرها يمتد إلى آلاف السنين، وتراثها يحتل مساحة واسعة من تراث البشرية أجمع، وطاقاتها الجمالية والفنية التي تجسد أرفع القيم الإنسانية أوصلت ابنًا من أبنائها إلى الحصول على نوبل في الآداب عام 1988.