أثناء كتابة المقالة كنت استمع إلى الزميلة الناشطة المتألقة الدكتورة هتون الفاسي، وهي تتحدث إلى إذاعة «مونت كارلو» عن الانتخابات
< بقدر سعادتي بالقرارات التاريخية التي توجت بالسماح للمرأة السعودية بالانتخاب والترشح، فإن هذه السعادة بلغت أوجها بفوز السيدات في دوائر عدة، ومن دون محاولة ادعاء أو تجمل، فإن المرأة السعودية أثبتت إن إمكاناتها تتفوق على الرجل متى ما أعطيت الفرصة نفسها.
من أسباب هذه القناعة هي: أن المرأة مارست تجربتين لا واحدة، أولاهما: العمل عموماً: فضلاً على أن عملها تاريخياً ربة بيت مسؤولة ومنظمة حتى بوجود الخادمات، كما أن كثيراً من الأمور التي لا تستطيع صنعها بحكم القوانين والأعراف، جعلتها تكتسب خبرة يفتقدها الرجل، الذي تعود أكثر على الاعتماد على المرأة، إلا في ما يتعلق بشؤون خارج المنزل.
على أن هذه الانتخابات إنجاز للوطن، وللمرأة بشكل خاص، يجب ألا تنسينا واقعة التباين بين حقوق مبدئية لم تنلها بعد، وأخرى انخرطت بها وهي كانت بعيدة المنال، حتى عن الرجل. ومن الواضح أن الانتخابات ما زالت بعيدة عن هاجس المؤامرة التي تنتاب بعض الفئات المتشددة، حتى لو كانت فهم انتهزوها فرصة لانتخاب التيارات الموالية لهم، وهذا من حقهم الديموقراطي.
أثناء كتابة المقالة كنت استمع إلى الزميلة الناشطة المتألقة الدكتورة هتون الفاسي، وهي تتحدث إلى إذاعة «مونت كارلو» عن الانتخابات، وشرحت باختصار بعض المعاناة التي تلاقيها المرأة في سبيلها لتنتخب، ومنها: أن هنالك عدالة في منحها حق الانتخاب منتخبة أو مرشحة، إلا أن العدالة تتقلص لصالح الرجل في سبيل تنفيذ العملية برمتها.
وكان من الجميل أن تفوز مبادرة «بلدي» النسائية في السعودية، التي ترأسها هتون الفاسي نفسها بجائزة الاتحاد الأوروبي شايو (المخصصة لدعم حقوق الإنسان في الخليج العربي)، إذ قالت لجنة التحكيم أن اختيار «بلدي» جاء نظراً لدورها في تمكين المرأة السعودية من الوصول إلى المجالس البلدية منذ تأسيسها عام 2010، من خلال مطالبتها بتسجيل المرأة ناخبة ومرشحة في الانتخابات البلدية التي تدخلها المرأة للمرة الأولى هذا العام.
وتقدم جائزة «شايو» سنوياً من المفوضية الأوروبية في العاصمة السعودية الرياض، وهي المفوضية المسؤولة عن العلاقات مع السعودية، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان، وقطر، إذ يجتمع عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي في الخليج؛ لاختيار من يرونه مناسباً من الأفراد ومنظمات المجتمع المدني، لعملهم، أو حملاتهم، أو مشاريعهم، التي تدعم رفع الوعي بحقوق الإنسان وحمايته في دول مجلس التعاون الخليجي.
مبادرة «بلدي» هي مبادرة نسائية طوعية، تسعى المبادرة إلى تحقيق مشاركة المرأة في الشأن العام وصنع القرار الوطني، وتأسست عام 2010 كحملة، و2011 مبادرة، وتوسعت مع الوقت لتشمل المبادرة 16 مدينة، وهي مكة، المدينة، جدة، الرياض، الشرقية، الأحساء، القصيم، جازان، نجران، الباحة، أبها، تبوك، القريات، سكاكا، ينبع، حائل.
هذا يذكرنا بمثلنا الشعبي القديم: (سمننا في دقيقنا)، فها هي المرأة السعودية تكافح وكافحت لإنشاء المبادرة النسائية أولاً، ثم نجاحها في تحقيق مشاركة المرأة في الشأن العام، ومنها الانتخابات.
الملاحظ حقيقة هو هذا الحماس المنقطع النظير، وهذا الجهد الذي تبذله النساء، مما يجعلنا -شئنا أو أبينا- نشعر بالغرور الخفي، كيف أن نساء بلدي قد تجاوزن خبرة بلدان أكثر منها عراقة في الانتخابات.
على أي حال، لا أقولها بخساً لغيرها، إلا أن السعوديات يتحلين بشيء آخر، هو: عمق الوعي والثقافة التي نالوها بسبب تركيزهم على القراءة والتعليم؛ لأن لا فرص لديهن للخروج والتنقل، لظروفهن الداخلية، وشروط المحرم، وعدم قيادة السيارة.
قد يرى بعضهم أن الخطوة صغيرة والمشاركة قليلة، وبنظري أن الرمزية في الحدث عظيمة وعميقة، فتحية لهن، وتحية لكل من دعم وأسهم.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة