اشتدت حدة الهجوم على 25 يناير، حتى أولئك الذين كانوا يشتمون على استحياء، رفعوا برقع الحياء، وانهالوا بأقذع الكلمات
اشتدت حدة الهجوم على 25 يناير، حتى أولئك الذين كانوا يشتمون على استحياء، رفعوا برقع الحياء ، وانهالوا بأقذع الكلمات على التاريخ نفسه وعلى من شاركوا فيه وما ترتب عليه ، وتدنى الخطاب إلى درجة لا أظن أنه وصل إليها قبل ذلك، ولايزال فى تدهوره بشكل يهدد استقرار الوطن خاصة بعد أن أفتى البعض بضرورة أن يقوم مجلس النواب الجديد بحذف الإشارة التى وردت فى الدستور عن تلك الثورة !!
حسناً أود فى البداية أن أوضح أننى تناولت هذا الموضوع من زوايا مختلفة فى عدة مقالات سابقة نشرتها فى صحف مختلفة ومن ذلك مثلاً المقال الذى نشرته مبكراً فى الأهرام بتاريخ 14 سبتمبر 2013 والذى تحدثت فيه عن «البوربون» الذين عادوا دون أن ينسوا أو يتعلموا شيئاً .. وقلت فيه منبهاً : «نشهد الآن ظهورا مكثفا لبعض رموز فترة مبارك, بل إن بعض المتمترسين فى أقبية الإدارة العليا والذين تحوصلوا خلال العامين المنصرمين, قد بدأوا يطلون برءوسهم ويقذفون بسمومهم تجاه ثورة 25 يناير, وهم يمالئون المؤسسة العسكرية بشكل واضح.. من المفهوم ان بعض مستفيدى نظام مبارك شاركوا فى الموجة الجديدة للثورة, ولكن ينبغى ألا يعنى ذلك أى عودة للنظام القديم, حيث يجب العمل على تغيير جلد المجتمع, واذا ظن أولئك امكانية إعادة عقارب الساعة للوراء, فلا أظن ان مصيرهم سيكون افضل من أسرة البوربون..» وأشرت فى نفس المقال إلى بعض الإجراءات العاجلة مؤكداً أن : «ما أخشاه هو أن اختلاط الأوراق سوف يفتح ثغرة ينفذ منها البوربون الجدد, فما زلنا نلاحظ حكومة باهتة لم تبد أى ملامح تعكس ثوريتها business as usual, حيث يبدو إن الطبيعة البيروقراطية والرؤى المسبقة تحكم سلوكها حتى الآن.. فالسياسة الاقتصادية لاتزال هى نفس السياسة السابقة كامتداد لسياسات مبارك ومرسى (الرأسمالية المتوحشة), دون أن تدرك أن أحد أعمدة الثورة الرئيسية هى العدالة الاجتماعية».
مثال آخر لمقالاتى فى نفس الموضوع نشرته فى صحيفة الإهرام الغراء يوم 23 أغسطس 2014 تحت عنوان : «إذا كان تلك مؤامرة فأن هذا إنقلاب»، وقلت فيه: «باختصار.. إذا كانت ثورة 25 يناير مؤامرة، فإن 30 يونيو لايمكن أن يكون إلا انقلاباً، وإذا كان مبارك بريئاً، فإن الشعب المصرى - كله - بالضرورة مذنب!!..»، وحذرت من : «أن التسلسل المنطقى لنظرية المؤامرة، وصمت القوات المسلحة وأجهزة الأمن المختلفة وسماحها بنجاح المؤامرة، يعنى - بتطبيق نفس النظرية - أن تلك الأجهزة شاركت فى المؤامرة الأولى ، ثم واصلت المؤامرة إلى مداها بالسيطرة الفعلية على مفاصل الدولة، بعد أن سمحت بإشاعة جو من الفوضى وانعدام الأمن حتى يسهل تسويق فكرة «الثوار المتآمرين»، وتشويه سمعة «الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية» باعتبارها أدوات التآمر على الدولة المصرية !! ..»، واختتمت ذلك المقال بالفقرة التالية: «لقد كنت واحداً من الملايين التى خرجت فى 30 يونيو 2013، وأتاح لى موقعى أن أمارس واجبى فى الدفاع عن تلك الموجة الثورية فى مواجهة المجتمع الدولى، بل إننى وقفت أمام مسئولى الخارجية اليابانية فى طوكيو قبل شهر من تلك الثورة كى أهاجم حكم الإخوان وأؤكد ان شعب مصر سوف يزيحهم فى نهاية الشهر، ولذلك لا أتشكك لحظة واحدة فى أن 30 يونيو كانت امتداداً طبيعياً لثورة الشعب المصرى فى 25 يناير، فإذا تصور أحد أنه بالإمكان حذف ثورة يناير التى ترتبط بثورة 30 يونيو ارتباط الأصل بالفرع، فإن سقوط الأصل يعنى سقوط الفرع، ولا أظن أن أحداً يتمنى ذلك!!..»
رغم ذلك فإنه يخطئ من يظن أن هناك من يتعبد فى هيكل (25 يناير) أو أى تاريخ آخر.. ولا يقدح فى ذلك أن ثورة 25 يناير حققت بالفعل بعض أهدافها ، ومنها مثلاً وجود المشير عبد الفتاح السيسى فى الاتحادية الآن ، فلولا 25 يناير لكنا لا نزال تحت رئاسة مبارك أو نجله ، ولظل السيد المشير طنطاوى حتى الآن وزيراً للدفاع ، ولظل مجلس شعب 2010 معنا حتى الآن، وعلى رأسه الدكتور فتحى سرور ومعه قائد الفريق المهندس أحمد عز، وبالطبع معهم ممثلون للإخوان المسلمين يعقدون الصفقات ويلعبون بمصير الوطن كما اعتادوا .
لو كانت ثورة 25 يناير تحمل نفس المشاعر الحاقدة التى برزت الآن فى بعض وسائل الإعلام، لكان كل هؤلاء الفاسدين فى السجون الآن بدلاً من تصدرهم كل الفضائيات ساخرين وشاتمين لشعب مصر الذى خرج فى تلك الثورة العظيمة، فتلك الثورة التى لملمت جروحها وحملت شهداءها كانت ثورة نبيلة لا تتصارع على سلطة وأذهلت العالم حين شاهد ثوارها ينظفون ميدان التحرير قبل أن يغادروه، لذلك فهى أسمى كثيراً من كل هؤلاء الذين يتطاولون عليها الآن ..
أن جزءاً كبيراً من ثوار 25 يناير والذين كانوا أيضاً رأس الحربة فى موجة 30 يونيو التصحيحية، بدأوا يشعرون بالندم لمشاركتهم فى تلك الموجة، بل إن أغلبهم الآن يشعرون أنهم كانوا ضحية عملية خداع محكمة أستخدمتهم ثم رمت ببعضهم فى السجون، وتركتهم فريسة لأشباح عصر مبارك التى عادت لتنتقم من الشعب المصرى لأنه ثار على الفساد.
ما رأيكم لو نهدم الصنمين معاً، 25 يناير و30 يونيو ، وندخل عجلة الزمن الشهيرة وندعو السيد مبارك للعودة لاستكمال فترته الدستورية التى انتزعت منه. باختصار دعونا نهد اللعبة ونعود إلى يوم 24 يناير 2010 كى نلعب من أول وجديد... ما رأيكم دام فضلكم يا أشباح كهوف الماضى التى خرجت مرة أخرى كى تسمم حياة المصريين بادعاءاتها؟؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة