تدوير الكتب.. مبادرات من غزة لوصل ود مقطوع مع القراءة
على الرصيف الملاصق للجامعة الإسلامية في غزة، وقف محمد أبو سعد، بجوار بسطة متواضعة للكتب المستعملة، متعددة المجالات والاهتمامات.
على الرصيف الملاصق للجامعة الإسلامية بغزة، وقف محمد أبو سعد، بجوار بسطة متواضعة للكتب المستعملة، متعددة المجالات والاهتمامات، تستقطب جمهورًا لا يتوقف على الطلبة نظرا إلى أسعارها المنخفضة بالنظر إلى أسعار الكتب الجديدة.
بسطة الكتب هذه واحدة من ضمن عدة بسطات مشابهة تنتشر في المنطقة، ضمن مبادرات عدة تأخذ الطابع الفردي مدفوعة بتحقيق عائد ربحي وكذلك تفعيل علاقة الود مع المطالعة ومصادر المعرفة والثقافة.
يقول صاحب البسطة، محمد أبو سعد (42 عامًا) لبوابة "العين": "أعمل منذ 18 عامًا في بيع الكتب المستعملة، وبالنسبة إليّ الأمر له بعدان: الأول حبي للكتب والمطالعة ورغبتي في شيوعها خصوصا في الأوساط الشبابية؛ بعد انخفاض مستويات القراءة في المجتمعات العربية، والثاني متعلق بتوفير مصدر دخل لي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها".
حي الأزبكية
فكرة البسطة التقطها أبو سعد خلال زيارة سابقة قبل سنوات لمصر تضمنت زيارة سوق الكتب الشهيرة في حي "الأزبكية" في القاهرة، حيث اقتنى حينها مجموعة متنوعة من الكتب بأسعار زهيدة مقارنة بأسعارها في المكتبات، ويومها لاحظ مستويات الإقبال الكبيرة من الجمهور عليها.
ويضيف: "تجوالي في مصر، ورؤيتي أكشاك الكتب، شد انتباهي كثيرا، فعملت على تنفيذ الفكرة في القطاع، لما شعرت به من أهمية القراءة والكتاب في تثقيف الشباب وتوعيتهم، فهي السبيل للخروج بهم إلى العالم والطريق للارتقاء بتفكيرهم".
بسطة أبو سعد متنوعة، تشمل الكتاب الجامعي وكتبًا متنوعة في الأدب والتاريخ والفلسفة والدين والتربية والتنمية، ولا تخلو من الموسوعات والدوريات والكتب ذات الطبعات القديمة، يبيعها ولكن بأسعار زهيدة تمكّن القراء من اقتنائها.
ويشير إلى أن الكثير من الباحثين وطلاب العلم يتوافدون ليس فقط على بسطته المتواضعة، بل إلى منزله للحصول على مراجع الكتب التي تفيدهم في أبحاثهم ودراساتهم حيث إن أغلب الكتب القديمة لا تتوفر في كل المكتبات وإن توفرت تكون بسعر باهظ الثمن، لافتا إلى أنه يشتري الكتب من المواطنين، وكذلك يشتري كتبًا بين الحين والآخر من مصر ومن بعض المكتبات ودور النشر العربية.
ويقترح محمد قيام الحكومة وبالأخص وزارة الثقافة، بإعداد تجمع لأصحاب بسطات الكتب القديمة لتسهل وصول الناس إليهم؛ لما في ذلك من غرس لثقافة القراءة في نفوس الأجيال عوضًا عن الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي وإهدار الوقت عليهم، حسب رأيه.
فوائد متعددة
وقطع الشاب عائد حماد، وهو طالب ماجستير في التربية، حديثنا مع أبو سعد، بسؤاله عن عناوين معينة، فوعده بالبحث عنها وتزويده بها في أقرب فرصة، فاغتنمنا الفرصة للوقوف على انطباعاته عن هذه المبادرة.
وعبّر حماد في حديثه لبوابة "العين" عن إعجابه وتقديره لهذه الفكرة؛ لأنها تحقق أكثر من هدف، موضحًا: "هي مميزة كونها تعمل على التوفير المادي، وأيضا لتوفيرها بعض المجلات القديمة التي لا تتوافر في المكتبات العامة، فضلا عن كونها تحقق عائدًا ماديًّا لصاحبها، وتتيح له استمرار المطالعة في أوقات عدم وجود زائن".
وأضاف: "الكتب هي صانعة الأجيال وأفضل إرث لهم لتثقيفهم وتطويرهم، لذلك كان من الجيد وجود تلك البسطات لتسهل تداول الكتب للجميع، وتعميم الفائدة على أكبر قدر من طلاب العلم".
معًا للتغيير
مبادرة أخرى، لتعزيز حبل الود مع المطالعة، وإشاعتها، كانت رائدتها هذه المرة الشابة العشرينية وعد أبو زاهر، التي تقوم بتدوير ما لديها من كتب بطريقتها الخاصة.
وتوضح تجربتها: "قررت أنا وصديقاتي من هواة القراءة والمطالعة، إهداء ما لدينا من كتب بعد الانتهاء من قراءتها لأشخاص آخرين، بشرط أن يقوموا بإهدائها لغيرهم بعد الانتهاء منها وهكذا، حتى تعم الفائدة ويتشجع الجميع على القراءة؛ لما شعرنا به من انخفاض حجم القراءة والمطالعة".
وأشارت إلى أنهم اتفقوا على وضع مجموعة أوراق فارغة، في بداية كل كتاب يتم تداوله، لكي يتمكن كل شخص من كتابة رسالة إهداء للشخص الذي يريد منحه إياه، بحيث تبقى كسلسلة لا تنتهي لغذاء الروح.
وتتابع :"إن المبادرة البسيطة التي ابتدأناها كوسيلة للتغيير، وطريقة لإعادة حبل الود بين الشباب والقراءة، لاقت ترحيبًا كبيرًا، بين الأصدقاء والمشاركين فيها".
نافذة الشباب على العالم
ويري أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية في غزة الدكتور صلاح الناقة، أن مبادرة تدوير الكتب ظاهرة إيجابية تنم عن الرغبة الكبيرة لدى الشباب في التغيير للأفضل والرقيّ بالمجتمع.
وقال الناقة لبوابة "العين"، إن أهمية هذه المبادرة تأتي كمحاولة من الشباب إلى الانطلاق لتطوير تفكيرهم، وخلق شباب واعٍ فكريًّا وثقافيًّا قادرًا على مجابهة كل الظروف التي تواجهه من خلال تعميم فائدة القراءة للجميع.
ويضيف الناقة: "فكرة بسطة الكتب مجدية، وفكرة إهداء كتاب جيدة". مقترحًا هو الآخر فكرة إضافية تتمثل في أن يُهدي كل شخص الكتب التي لا يحتاج إليها ويضعها في مكتبات غزة العامة؛ لتعميم الفائدة على الجميع وجعلها على إطار أوسع، فالأوضاع الاقتصادية قد لا تسمح للشخص باقتناء الكتب ذات السعر الغالي، فمبادرة التدوير تسهّل عليه عملية الحصول على الكتاب الذي يريد، وتحصيل العلم والمعرفة منه".
الكتب ثروة عظيمة، وهي الآثار الأكثر بقاءً على مدار الزمن، لا يدرك قيمتها إلا من هو بحاجة ماسّة إليها، لذلك اجمع ما تملك من كتب لا تستعملها وتخلّص منها بطريقة راقية، تبرّع بها، أهدها، بِعْها، ضعْ بعضًا منها في أماكن الانتظار، نظِّم معرضًا لها واجعل الفائدة تعم الجميع، هذه وصايا ومبادرات يحرص كثير من الشباب على تطبيقها في خطوة تعكس أملا في إعادة الود المقطوع مع المطالعة.
aXA6IDMuMTQxLjQyLjQxIA== جزيرة ام اند امز