موسم الأعمال الجديد.. فرنسا بين إشارات انتعاش اقتصادي وعواصف سياسية وتجارية

مع بداية موسم الأعمال الجديد في فرنسا، تعيش الشركات الفرنسية حالة من الحذر والقلق، رغم أن الوضع الاقتصادي العام يبدو أكثر صلابة مما كان عليه قبل أشهر.
فتراجع معدلات التضخم، وانخفاض أسعار النفط، وعودة النشاط الصناعي إلى مساره الصاعد، كلها عوامل توحي بانتعاش مرتقب.
ومع ذلك، لا يخفي أرباب العمل خشيتهم من 3 تهديدات رئيسية: الأزمة السياسية الداخلية، الغموض المرتبط بخطط إزالة الكربون، وعدم وضوح مستقبل التجارة عبر الأطلسي.
مؤشرات اقتصادية مطمئنة
وقالت صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية، إنه وفقاً لآخر المعطيات، تراجعت معدلات التضخم في فرنسا إلى ما دون عتبة 2%، ما وفر متنفساً للأسر والشركات على حد سواء"، كما أن أسعار النفط شهدت انخفاضاً ملموساً، وهو ما خفّض من تكاليف الإنتاج والنقل.
وفي الوقت ذاته، فاجأت الصناعة الفرنسية المراقبين بانتعاشها التدريجي، في إشارة إلى مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات المتتالية التي شهدتها السنوات الأخيرة، من جائحة كوفيد-19 إلى أزمة الطاقة العالمية، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
هذه المؤشرات الإيجابية تعطي الانطباع بأن فرنسا تدخل مرحلة جديدة أكثر استقراراً اقتصادياً، لكنها ليست كافية لطمأنة مجتمع الأعمال.
الأزمة السياسية الداخلية
وأشارت "ليزيكو" إلى أنه "على الصعيد السياسي، يبقى المشهد الداخلي الفرنسي عاملاً مثيراً للقلق، فالنقاشات الحادة حول الموازنة، بقيادة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، تثير شكوكاً حول قدرة الحكومة على تمرير إصلاحاتها بسلاسة".
كما أن الأزمات السياسية المتلاحقة تهدد بثني الاقتصاد عن مساره الإيجابي، خصوصاً مع تعقّد الحوار بين الحكومة والمعارضة، وغياب توافق واضح حول السياسات الاقتصادية المقبلة.
ويري كثير من رجال الأعمال أن غياب الاستقرار السياسي يساوي غياب الرؤية الاقتصادية، وهو ما يدفع الشركات إلى اعتماد سياسة "الانتظار والترقب" بدلاً من الاستثمار الجريء.
غموض قواعد إزالة الكربون
ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإنه :"إلى جانب ذلك، يشكل الانتقال البيئي نحو اقتصاد منخفض الكربون صداعاً مزمناً للشركات الفرنسية"، موضحة أنه علي الرغم من التوجه الأوروبي الواضح نحو فرض سياسات صارمة لخفض الانبعاثات، لا تزال القواعد التنفيذية غير واضحة بشكل كامل، ما يجعل من الصعب على المؤسسات وضع خطط استثمارية دقيقة.
وأوضحت "ليزيكو" أن شركات الطاقة والصناعة الثقيلة، على وجه الخصوص، تعاني من غياب الرؤية حول الدعم الحكومي، وحجم الاستثمارات المطلوبة، وآجال التنفيذ. هذا الغموض يهدد بزيادة التكاليف وإبطاء القدرة التنافسية لفرنسا في مواجهة شركائها الأوروبيين والدوليين.
التجارة عبر الأطلسي تحت المجهر
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنه على المستوى الدولي، تلقي التوترات التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة بظلالها على فرنسا. فالتوجهات غير المتوقعة لإدارة دونالد ترامب، تثير قلقاً كبيراً لدى المصدرين الفرنسيين.
ولفتت الصحيفة إلى أن قواعد التجارة عبر الأطلسي لم تستقر بعد، خصوصاً مع النزاعات المتكررة حول السياسات الحمائية والدعم الصناعي، ما يخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات الفرنسية التي تعتمد على الأسواق الأمريكية، موضحة أن هذه الضبابية تجعل من التخطيط طويل الأمد أكثر تعقيداً، وتفرض على المؤسسات استراتيجية دفاعية بدل الانفتاح على فرص جديدة.
رغم هذه التحديات، يظهر خطاب قادة الشركات الفرنسية مزيجاً من الحذر والمرونة. إذ قال أحد مديري الشركات المتوسطة (ETI) إن الوضع يتطلب "القدرة على التكيف والقتالية"، مؤكداً أن الوقت ليس للاستسلام بل لإيجاد حلول مبتكرة تسمح بالصمود أمام العواصف.