أكبر مشروع لوجستي أخضر في وادي الرون.. فرنسا ترسم خريطة التجارة

في خطوة استراتيجية لتعزيز النقل متعدد الوسائط، أطلقت فرنسا مشروعا طموحا لتنشيط حركة البضائع على طول المحور الحيوي ما بين البحر المتوسط ووادي الرون وصولًا إلى ساحل سهون.
يقود هذا التوجه تحالف Rhône Modal Shift بقيادة شركة Rhenus الألمانية، في شراكة مع غرف التجارة المحلية، حيث يسعى المشروع إلى تقليص الاعتماد على النقل البري عبر تعزيز الكفاءة اللوجستية والتوجه نحو بيئة أكثر صداقة للبيئة.
ويهدف القرار، الذي جاء بعد منافسة مفتوحة، إلى إحياء النقل النهري والسكك الحديدية في واحد من أهم شرايين التجارة بين البحر المتوسط ووسط أوروبا. لكن خلف الأرقام والاتفاقيات، تتكشف ملامح سباق محموم بين الفاعلين الكبار للسيطرة على مستقبل اللوجستيك في وادي الرون، بحسب صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية.
هذا التحالف يجمع بين القطاعين العام والخاص، حيث تمتلك شركة Rhenus نحو 51% من الحصص، فيما تتوزع بقية النسب بين غرف التجارة المحلية. وتكمن أهمية هذه الخطوة في أنها تترجم رؤية أوروبية واسعة لتشجيع النقل المستدام عبر الممر المعروف بـ"المتوسط–الرون–السهون"، الذي يربط مرسيليا وفوس بليون وما بعدها نحو الشمال الأوروبي.
الأهداف المعلنة للمشروع طموحة للغاية، إذ يسعى إلى مضاعفة حجم البضائع المنقولة نهريًا وسككيًا في غضون بضع سنوات.
ففي عام 2024، بلغ حجم الشحنات عبر ميناء Vienne-Sud حوالي 115 ألف طن نهريًا و137 ألف طن سككيًا، بينما سجل ميناء Portes-lès-Valence 80 ألف طن عبر النهر و171 ألف طن عبر السكك. التحالف الجديد يطمح إلى رفع هذه الأرقام بشكل كبير، بحيث تسهم الموانئ في إزاحة ما يقرب من 120 ألف شاحنة من طرق وادي الرون سنويًا، وهو مكسب بيئي واقتصادي في آن واحد.
الاستثمارات المرصودة ضخمة، إذ يتوقع إنفاق نحو 80 مليون يورو لتطوير البنى التحتية في موانئ فالنس، فيين، ليون وأرل. وقد خصصت الدولة 10 ملايين يورو لدعم المشروع، فيما ساهمت CNR بـ14 مليون يورو. وتشمل هذه الاستثمارات تحديث الأرصفة، تحسين أنظمة التخزين والمناولة، وتطوير الربط بين الموانئ والسكك الحديدية.
هذا التحول لا يقتصر على تحسين الكفاءة اللوجستية فحسب، بل يعكس أيضًا إرادة سياسية لتقليل الاعتماد على النقل البري الذي يستهلك موارد ضخمة ويتسبب في انبعاثات كربونية عالية. تعزيز النقل النهري والسكك الحديدية يعني تقليل الانبعاثات، خفض التكاليف على المدى الطويل، وتحسين تنافسية الشركات الفرنسية في السوق الأوروبية.
ومع ذلك، يظل المشروع أمام تحديات مهمة، أبرزها الحاجة إلى ضمان استمرارية التمويل، التنسيق بين مختلف البنى التحتية، والحفاظ على جاذبية هذا النمط من النقل مقارنة بالشاحنات التي ما زالت تتمتع بمرونة عالية. كذلك، فإن نجاح المشروع يتوقف على مدى تعاون السلطات المحلية والإقليمية مع المستثمرين الأجانب مثل Rhenus، والتوازن بين السيادة الاقتصادية والانفتاح على الشراكات الأوروبية.
في المحصلة، يمثل مشروع Rhône Modal Shift محاولة جريئة لإعادة رسم خريطة النقل في فرنسا. وإذا ما نجح في تحقيق أهدافه، فقد يتحول إلى نموذج يحتذى به في أوروبا، حيث تسعى الدول إلى التوفيق بين متطلبات النمو الاقتصادي والالتزامات البيئية الملحة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA= جزيرة ام اند امز