المطران عطا الله حنا لـ"العين": إجراءات الاحتلال تُخفّض أعداد زوار بيت لحم
قضيتنا واحدة ولا نعاني من الطائفية والقدس بوصلتنا
في حوار حول بيت لحم والمقدسات الدينية في المدن الفلسطينية، مطران الروم الأرثوذكس يكشف لـ"العين" عن الوضع على الأرض في الأراضي المحتلة
أكد المطران عطا الله حنا -رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس- أن أعداد الحجيج المسيحيين من العالم إلى القدس وبيت لحم يشهد انخفاضًا ملحوظًا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة في فترة أعياد الميلاد؛ بسبب الأحداث وعراقيل الاحتلال.
وشدد -في مقابلة خاصة مع بوابة "العين"- على أن الفلسطينيين على الرغم من أن الصورة قاتمة ومؤلمة وحزينة بسبب ما نشهده في منطقتنا العربية من أحزان وعنف وإرهاب لن يفقدوا الأمل، وستبقى البوصلة فلسطين والقدس.
وقال: نواجه العنصرية بتأكيدنا أننا أبناء الحرية والحياة وأبناء فلسطين، شاء من شاء وأبى من أبى، في استحضار ذكي لمقولة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
انخفاض ملحوظ في أعداد الحجيج
وقال حنا: "واضح أنه بسبب الأحداث والظروف الراهنة لن يكون العدد كما في سنوات سابقة".
وبسؤاله عن حجم الانخفاض، أشار إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة حول الموضوع، لكنه أكد "ما نعرفه ونستشعر به أن هناك عددًا أقل من الحجاج الذين سيأتون هذا العام".
وعادة يحج إلى كنيسة المهد في بيت لحم، والقيامة في القدس، الآلاف من المسيحيين في العالم، لإحياء أعياد الميلاد في مهد المسيح عليه السلام.
وشدد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، على أنه رغم كل المضايقات من الاحتلال الإسرائيلي، والظروف الراهنة إلا أن هناك أعدادًا وصلت وستصل.
وقال: "نحن في كنيستنا نرحب بكل الحجاج ونستقبلهم.. هم ضيوفنا وهم يأتون إلينا من كل أنحاء العالم، لكي يكونوا إلى جانبنا، ولكي يعبروا عن تضامنهم مع شعبنا الفلسطيني ومع المسلمين والمسيحين".
وتابع: "نرحب بزيارتهم، ونتمنى لهم في أثناء إقاماتهم في القدس وبيت لحم أن يأخذوا البركة والرسالة؛ لأن فلسطين هي رسالة السلام والمحبة والتضامن.. نتمنى لهم أن يكون حجيجهم مباركًا، وأن يعودوا إلى بلادهم حاملين معهم محبة الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية".
بأي حال عدت يا عيد؟
ويستشعر المطران حنا حجم الأحزان والمأساة التي تمر على الفلسطينيين في ظل سقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى خلال الأسابيع القليلة الماضية، لافتًا إلى وجود غصة ألم ترافق هذا العيد.
وبصموت مسكون بالألم، تساءل: "بأي حال عدت يا عيد؟"، مستدركًا أن عيد الميلاد "يرتبط بهذه الأرض المقدسة، فالمحتفى بميلاده -عيسى عليه السلام- ولد في فلسطين وعاش في فلسطين وقدم كل ما قدمه في فلسطين".
وأضاف "يحل العيد هذا العام وفي القلبة غصة على شهدائنا وشهداء شعبنا المظلوم وفي ظل كل هذه الممارسات العنصرية ضد شعبنا".
واستشهد 131 فلسطينيًّا، بينهم 26 طفلاً، و6 نساء، منذ ادلاع الانتفاضة الحالية مطلع أكتوبر الماضي، احتجاجًا على الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى ومحاولات تقسيمه بين المسلمين واليهود.
هذه ثوابتنا
وحرص المطران حنا، المعروف بمواقفه الوطنية في وجه الممارسات الإسرائيلية، على التأكيد في حضرة العيد على التمسك بالانتماء لفلسطين وحق الدفاع عنها، قائلاً: "في هذا العيد كما كل مناسبة، نؤكد أننا فلسطينيون، ننتمي إلى هذا الشعب الفلسطيني المناضل، ولن نتخلى عن انتمائنا لهذه الأرض المقدسة، وحقنا في الدفاع عن مقدساتها، وإسلامها، وتراثها الروحي والوطني".
وأضاف "في أعيادنا نؤكد تمسكنا بالقدس ودفاعنا عن مقدساتنا ورفضنا للعنصرية بكافة أشكالها وألوانها، وندعو أبناءنا في القدس أن يكونوا دائمًا نموذجًا متميزًا في الوحدة الوطنية" .
إلغاء المظاهر الاحتفالية
وعن قرار إلغاء الزينات والمظاهر الاحتفالية بالعيد، أوضح أن "هذه الأرض المقدسة التي تشخص إليها أنظار الملايين في العالم، قررت أن تقتصر الاحتفالات على الشعائر الدينية، وتقليص مظاهر الزينة، مراعاة لما يجري من أحداث دامية، وكموقف من عدوان الاحتلال الغاشم".
وشدد على أن "عيد الميلاد هو عيد يحمل الأمل ويحمل قيم السلام والمحبة بين الناس، وهذه القيم موجودة".
ومع كل الألم والواقع الصهب، قال: "نحن في فلسطين كما في كل الأعياد نعبر أننا لا نفقد الأمل، على الرغم من أن الصورة قاتمة ومؤلمة وحزينة بسبب ما نشهده في منطقتنا العربية من أحزان وعنف وإرهاب.. لن نفقد الأمل.. وستبقى بوصلتنا فلسطين وقضيتنا فلسطين والقدس".
مضايقات الاحتلال
وعن طبيعة المضايقات التي يفرضها الاحتلال، خاصة في فترة الأعياد، أكد المطران حنا، أن المضايقات يتعرض لها كل الشعب الفلسطيني، مشددًا على أنه "لا يوجد مضايقات خاصة بالمسيحيين وأخرى بالمسلمين، فالاحتلال ينتهك حقوق الجميع، وكما يُستهدَف المسلمون في أعيادهم ويُضيَّق عليهم، ويعرقل وصولهم للأماكن المقدس، كذلك الحال بالنسبة للمسيحين".
وأكد أن هناك إجراءات احتلالية تمنع المسيحيين من الوصول إلى مقدساتهم، لافتًا إلى الدور السلبي لما وصفها بـ"الأسوار العنصرية والحواجز العسكرية التي تفصل الناس عن بعضها البعض".
وتنتشر في الضفة الغربية 400 حاجز، فضلاً عن عشرات الحواجز الطيارة، التي تعرقل حركة المرور والتنقل بين المدن والبلدات الفلسطينية، فيما تشهد مدينة القدس، إجراءات مشددة إضافية.
وقال المطران حنا: "دائما نشدد في العيد، وغيره، نطالب بإنهاء الاحتلال، وإزالة كل هذه المظاهر العنصرية والحواجز العسكرية والأسوار المقيتة التي أزيلت في بعض الأماكن بالعالم، لكن في فلسطين تبنى أسوار العنصرية والفصل العنصري بين الإنسان وأخيه الإنسان".
قضيتنا واحدة
وأكد اتفاق مسلمي ومسيحي فلسطينيين على هدف واحد متعلق بإنهاء الاحتلال، قائلاً: "نحن في فلسطين شعب واحد ندافع عن قضية واحدة، وعندما يعتدى على الأقصى يعتدى على القيامة، وعندما يعتدى على القيامة يعتدى على الأقصى".
وأضاف "نحن فيما يتعلق بالقضية الفلسطيني والنضال الوطني التحرري لسنا طوائف ولكن طائفة واحدها اسمها الشعب العربي الفلسطيني الذي يتعرض لكل هذه الممارسات والسياسات الظالمة من الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل هناك صمود ودفاع عن المقدسات واستبسال دفاعًا عن القدس ووجهها العربي الإسلامي الروحي".
وقال: "ستبقى مدينة القدس رمزًا من رموز الوحدة الوطنية والإخاء الديني الإسلامي والمسيحي، وستبقى كنائسنا ومساجدنا شاهدة على حضورنا المشترك وانتمائنا الصادق لهذه الأرض المقدسة"..
وأضاف "لن نستسلم لسياسات الاحتلال ومرتزقته وعملائه وخدامه الذين يسعون لتفريقنا وإبعادنا عن بعضنا البعض.. وسنبقى أخوة في وطن واحد وأعيادنا هي مناسبات للتلاقي والتعبير عن محبتنا وأخوتنا لبعضنا البعض" .
وعبر عن ثقته بصمود وبطولة الشعب الفلسطيني، قائلاً: "صحيح أن الاحتلال غاشم وعنصري ودموي، لكن في المقابل لدينا شعب بطل يقاوم ويناضل، ويتصدى أبناؤنا للاحتلال بصدورهم العارية وهم يستحقون منا كل الثناء والتحية فهم يقفون في الصفوف الأمامية دفاعا عن القدس".
أبناء الحرية والحياة
وبشأن تزايد وتيرة الاقتحامات والاعتقالات الإسرائيلية في بيت لحم، غداة الأعياد، أكد المطران حنا، أن الاعتقالات مستمرة ومتواصلة لا تتوقف لا في العيد ولا غير العيد.
ورأى أن الاحتلال "لا يهدف إلى تنغيص فرحتنا بالعيد، فقط، بل هدفه أن ينغص علينا الحياة كلها، لا يريدنا أن نعيش بحرية ولا أن نعيش بكرامة، كما هي باقي شعوب العالم".
ولكنه شدد على أن الشعب الفلسطيني مناضل ومثقف وراق ويعيش الحياة، مضيفًا "بالأعياد تتعانق القلوب والعقول ويلتقي الأخوة معًا وسويًّا ليس فقط لكي يتبادلوا التهاني وإنما لكي يؤكدوا وحدة المصير والهدف والعمل المشترك من أجل فلسطين؛ التي هي وطن لجميع أبنائها وقضيتها هي قضية شعب يتوق إلى الحرية والكرامة والاستقلال".
وختم بقوله: "نواجه العنصرية بتأكيدنا أننا أبناء الحرية والحياة وأبناء فلسطين.. شاء من شاء وأبى من أبى"، في استحضار ذكي لمقولة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.