هل ينجح الفلسطينيون في تقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين لـ"الجنايات الدولية"
خشية من تأثير موازين القوى على حيادية المحكمة
تفجر كل جريمة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين غضب الفلسطينيين من عدم مثول المجرمين الإسرائيليين أمام المحاكم
تفجر كل جريمة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة غضب الفلسطينيين من عدم مثول المجرمين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وإفلاتهم من العقاب على سلسلة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تؤكدها الأدلة المادية المتوفرة لدى مكتب المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية.
إعدام جنود الاحتلال الإسرائيلي المسنة ثروت الشعراوي (73 عامًا) بدم بارد داخل سيارتها شمال مدينة الخليل المحتلة جنوب الضفة الغربية عصر يوم الجمعة الماضي لن تكون جريمة الإعدام الميدانية الأخيرة برأي الفلسطينيين، وذلك لتقاعس المجتمع الدولي ومؤسساته القضائية في تفعيل قضايا جرائم ضد المسؤولين الإسرائيلي عن تلك الجرائم.
ولمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين انضمت دولة فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية بداية شهر يناير من العام الجاري، وبعد أيام قليلة فتحت المدعية العامة للمحكمة الدولية "فاتو بنسودا" دراسة أولية للحالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بناءً على المعلومات المتوفرة لديها.
لكن دراسة الحالة لا ترضي كثير من القانونيين الفلسطينيين المرتبطين بملف محاكمة مجرمي الحرب، ويؤكدون ضرورة تقديم دولة فلسطين (السلطة الفلسطينية) طلب إحالة رسمي للمدعية العامة لمحكمة الجنايات.
البديل الإحالة
عضو اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع محكمة الجنايات الدولية د. محمد النحال، أشار إلى أن المحكمة قد تستمر في إجراء تحقيقها الإجرائي في إطار دراسة الحالة لفترة طويلة قد تمتد إلى سنوات لا شهور، وذلك لطول إجراءات القضاء الجنائي وبطء العمل فيه.
وأضح النحال أن الدراسة التمهيدية للحالة الفلسطينية بدأت من يناير الماضي، لكنها لم تنته حتى تاريخه، مبينًا أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قام بتقديم تقرير عن الحالة الفلسطينية إلى مكتب المدعية العامة يتضمن ثلاث مسائل، هي الحرب على غزة (2014)، وقضية الأسرى والاستيطان، إضافةً إلى قيامه الأسبوع الماضي بتقديم مزيد من الأدلة لمحكمة الجنايات الدولية في بعض الجرائم التي ارتكبت خلال الهبة الشعبية الحالية، خصوصًا الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين.
ونوه بأن تحريك أي قضية على صعيد محكمة الجنايات الدولية يعتمد على ثلاثة مسارات:الأول مجلس الأمن، والثاني الدولة صاحبة الشأن، أما المسار الثالث فيتمثل بالمدعي العام نفسه لعلمه بوجود جرائم، عادًّا قيام الفلسطينيين بتقديم طلب إحالة هو بداية حقيقية للتحقيق في جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وأضاف النحال: "أي تقرير يقدم للمدعية العامة لا يعد طلبًا رسميًّا لمباشرة التحقيق، بل يدخل ضمن المساعدات القانونية التي تقدم لمكتب المدعية العامة ليس أكثر، وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في محكمة الجنايات".
وشدد على وجود دعوات فلسطينية "للإحالة" وعدم الاكتفاء بتقديم الطلبات، وهو الأمر الذي قامت اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية بمناقشته نهاية الأسبوع الماضي، لكنها لم تصل إلى قرار بعد، مشيرًا إلى هناك العديد من الحسابات الدقيقة للدولة تأخذها في عين الاعتبار.
وشكلت اللجنة الوطنية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية بمرسوم رئاسي في فبراير الماضي، من أربعين شخصية قانونية وسياسية ومؤسسات حكومية وحقوقية، برئاسة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات.
دور فعال
ويأخذ د. عصام عابدين رئيس وحدة المناصرة في مؤسسة "الحق" عدم إحالة القضية من قبل دولة فلسطين لمكتب المدعية العامة، بدلاً من استمرارها في دراسة الحالة التي فتحتها بنفسها، بناءً على الطلب الفلسطيني الذي أودع للمحكمة.
وأوضح عابدين أن المدعية العامة في مرحلة جمع المعلومات والأدلة حول وجود جرائم ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يعني إغلاق الحالة إن لم تتوفر لها الأدلة، الأمر الذي يفرض على الجانب الفلسطيني القيام بتقديم طلب إحالة رسمي بناءً على المادة 14 التي تعطي الدولة الحق في تقديم الإحالة.
وبين الخبير القانوني المسؤول عن متابعة ملفات فردية قدمتها مؤسسته لمحكمة الجنايات الدولية، أن تقديم طلب الإحالة يعطي القضية زخمًا وقوة، بخلاف دراسة الحالة التي يمكن للمدعية العامة وقفها إذا لم تتوصل إلى كفاية الأدلة لوصم ما يجري في الأراضي الفلسطينية بأنه جرائم بحق الإنسانية، مشددًا على أن اللجنة الوطنية للمتابعة مع "الجنايات" مطالبة بالقيام بدورها بفعالية أكثر، وقوة أكبر مما عليه الحال في الوقت الراهن.
ويقوم تجمع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، بعيدًا عن اللجنة الوطنية الرسمية، بمتابعة ملفات إدانة مسؤولين إسرائيليين عن جرائم حرب ارتكبوها ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة.
وانتقد "عابدين" منهجية التعاطي من قبل اللجنة الوطنية العليا مع ملف بالغ الدقة والحساسية بحجم المحكمة الجنائية الدولية، ولا توحي بتناغم ووضوح وانسيابية في المعلومات داخل أعضاء اللجنة الوطنية العليا.
وتابع "عمل اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الوطنية لا يزال يفتقر إلى المؤسسة والرؤية الواضحة لمسار ما بعد الانضمام للمحكمة، ويفتقر إلى المهنية والشفافية والتكامل في الأداء".
وأضاف علاوة على ذلك، ما زالت خطوط التواصل مع المواطنين الفلسطينيين مقطوعة بما يحول دون وضعهم في صورة الجهود المبذولة وآخر المستجدات، وبالتالي فإن أداء تلك اللجان يحتاج إلى مراجعة وتقييم جدي بما يحافظ على التأييد والالتفاف الشعبي المتواصل، وهو بالغ الأهمية في هذا المسار، الذي سيكون شاقًّا ومعقدًا ومليء بالعقبات والإشكاليات".
النحال يرفض انتقاد عابدين لسير عمل اللجنة الوطنية واللجان الفرعية المنبثقة عنها، ويقول: إن العمل في بناء ملفات قضائية مدعومة بالأدلة المادية المدينة لمجرمي الاحتلال عملية صعبة وليست بالسهولة التي يتوقعها من هم خارج اللجنة.
وأوضح أن لجنته حددت مسار عملها القانوني، وتعمل بخطوات واضحة، لمراكمة الأدلة ضد المجرمين، وهي تدرك أن هذا العمل يتطلب وقت طويل جدًّا للوصول إلى إدانة مجرمي الحرب الإسرائيليين، مشيراً إلى إصدار مكتب المدعية العامة طلبًا لفتح تحقيق في جرائم جورجيا قبل نحو شهر، بعد دراسة تمهيدية استمرت سبع سنوات.
موازين قوى .. مؤثرة
لا يخشى النحال من سلامة إجراءات التقاضي وقوتها، بقدر ما يخشى مراعاة مكتب المدعية العامة لموازين القوى الدولية، ويشير إلى أن "المدعية العامة تدرك موازين القوى وتعمل في إطارها"، وهو ما يعد مأخذًا على المحكمة الدولية برأيه.
ويضيف "موازين القوى الدولية تسمح لمجرمين بالإفلات من العقاب مهما كانت ملفات جرائمهم دامية وقاسية" لكنه يشدد على أن الفلسطينيين رغم إدراكهم هذه الحسابات السياسية الدولية، لكنهم مجبرون على خوض غمار المعركة القانونية بغض النظر عن نتائجها التي قد تكون في صالح الاحتلال المدعوم من أطراف دولية صاحبة تأثير ونفوذ".
ويقول "عابدين": "بالتأكيد المحكمة الجنائية الدولية أداة هامة في مجال القانون الجنائي الدولي، ولكنها ليست عصا سحرية نلوّح بها في كل مناسبة، علينا أن نفهم هذه المعادلة جيدًّا".
ويوضح أن جهود الفلسطينيين تأتي في إطار استراتيجية شاملة في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وعلى قاعدة التمسك بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني أينما وُجد وفي مقدمتها ممارسة حقه الكامل في تقرير المصير".
وشدد عابدين على أن طريق المحاسبة على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وتحقيق ردع مستقبلي، طريق شاق وطويل، وهو بحاجة إلى صبر لوصول الى نهايته.
خشية من تأثير موازين القوى على حيادية المحكمة
aXA6IDE4LjExNi4xNC40OCA=
جزيرة ام اند امز