قلق شعبي وحزبي بمصر إزاء تحويل إثيوبيا مجرى النيل
خبير: الأقمار الصناعية تكشف بدء عملية تخزين المياه منذ يومين

قوبل إقدام إثيوبيا على تحويل مجرى النيل بقلق شعبي وحزبي بمصر، وسط مخاوف من أن يؤثر ذلك على مسار مفاوضات سد النهضة
استقبل المصريون على كافة المستويات الشعبية والحزبية والسياسية استباق إثيوبيا الاجتماعات المقررة اليوم الأحد في الخرطوم بشأن المفاوضات على بناء سد النهضة وتحويل مجرى نهر النيل للمرة الأولى منذ بدء علميات إنشاء السد في عام 2012، بقلق وردود فعل غاضبة.
وكشفت الصور -التي تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية لسد النهضة الاثيوبي منذ يومين- عن بدء عمليات التخزين الجزئي للمياه خلف السد، فيما رفض برلمانيون مصريون خيار المواجهة مع دول حوض النيل.
وتبرر مصر رفضها بناء السد بالاتفاقيات التاريخية التي وقعتها بريطانيا عن مصر عام 1929، ووقّعت عليها مصر عام 1959 بعد جلاء البريطانيين، التي أعطت للقاهرة حق الاعتراض على قيام أي دولة من دول الحوض بإنشاء مشاريع جديدة على النيل وروافده.
لكن الموقف الرسمي المعلن لإثيوبيا هو عدم الاعتراف بهذه الحصة، وأنها لم تقر باتفاقية 1959 بين مصر والسودان، وهو ما يزيد من قلق مصر من مشروع بناء سد النهضة.
وكانت إثيوبيا حولت بصورة مفاجئة في مايو/أيار 2013 مجرى النيل الأزرق أحد روافد نهر النيل للبدء الفعلي في إنشاء سد النهضة للمرة الأولى في تاريخ نهر النيل، وعلقت حكومة الرئيس المعزول محمد مرسى (المنتمي لجماعة الإخوان الإرهابية) آنذاك بأنه "إجراء هندسي لن يؤثر على مرور المياه مرة أخرى للمجرى الرئيسي للنهر".
وقال نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة الدكتور علاء النهري: إن آخر صور تم التقاطاها عبر الأقمار الصناعية لسد النهضة ومنذ أيام قليلة، أكدت بدء عملية التخزين الجزئي للمياه.
وأضاف -في تصريحات صحفية اليوم الأحد- أن "إثيوبيا أنهت إنشاء توربينين (مولدات كهربائية) كاملين، وقامت بتشغيلهما وإطلاق المياه فيهما لتوليد الكهرباء".
وأوضح النهرى أن تشغيل التوربينات الجديدة يعني رفع منسوب المياه فوق 40 مترًا وراء السد وهو ما يعني بدء عملية التخزين الجزئي فعليًّا، لافتًا إلى أن أديس أبابا ستزيد عدد التوربينات التي تعمل بالسد مما سيضطرها لحجز كميات أكبر من المياه.
مخاوف حزبية
وفى أول رد فعل حزبي في مصر طالب حزب الدستور المصري أعضاء مجلس النواب برفض إقرار اتفاقية "إعلان المبادئ" التي تم توقيعها بين الدول الثلاث في مارس/آذار الماضي، مع التصعيد دوليًّا باللجوء إلى التحكيم الدولي وللأمم المتحدة.
وقال القائم بأعمال رئيس حزب الدستور تامر جمعة: إن بناء سد النهضة هو قضية أمن قومي مصري، والمياه هي قضية الحياة، كما أن المساس بها هو مساس بحياة المصريين.
وطالب جمعة -خلال ندوة نظمها الحزب مساء السبت- الحكومة المصرية بتشكيل لجنة من متخصصين في مجالات القانون والري وخبراء في التفاوض الدولي لتولي هذا الملف وعدم الاعتماد على حسن النوايا بين الأطراف المختلفة.
من جهته، اعتبر وزير الدولة للشؤون البرلمانية الأسبق، الدكتور مفيد شهاب، أن توقيع مصر على "وثيقة المبادئ" لا يعني إقرار القاهرة بها، لكنه يعزز موقف مصر من بناء السد بأنها احتفظت بحقها في عدم وقوع ضرر عليها".
وأضاف شهاب -في ندوة عقدها مركز القانون الدولي الحقوقي بالقاهرة، مساء السبت- أن "ارتفاع سد النهضة يصل إلى 145 مترًا، ولا يوجد سد مثيل لذلك في دول العالم".
وأشار إلى أن أديس أبابا قامت بتوسيع السعة التخزينية للسد من 16 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر وهو ما يضر بأمن مصر المائي.
وفد شعبي في الخرطوم
وفي إطار جهود الدبلوماسية الشعبية، يزور وفد شعبي يضم برلمانيين وفنانين مصريين العاصمة السودانية الخرطوم منذ الخميس الماضي، لتقريب وجهات النظر الشعبية والدبلوماسية بين الدول الثلاث.
وقال وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي -الذي يرأس الوفد-: إن الوفد جاء إلى دولة السودان، لتوفير المناخ المناسب للمفاوضات التي تجرى حاليا بين مصر والسودان وإثيوبيا".
وأكد العرابي -خلال كلمته باتحاد الصحفيين السودانيين، أمس السبت- أن خيار المواجهة مع دول حوض النيل "أمر مرفوض".
وأشار إلى أن هناك تصميمًا وإرادة على أن تشهد الفترة المقبلة تعاونًا أكبر مع دول الحوض، خاصة دولة السودان.
غضب شعبي
في السياق نفسه، أحدث قيام الجانب الإثيوبي بتحويل مياه النيل أسفل سد النهضة لأول مرة منذ عمليات البدء في عمليات إنشائه تمهيدًا لتشغيله ردود فعل شعبية واسعة في مصر.
وتلقى الشارع المصري الإجراء الإثيوبي بمزيد من الصدمة والمخاوف والغضب أيضًا على حصة مياه النيل، التي تعد رافدًا أساسيًّا لمياه الشرب والزراعة في القاهرة.
وقال المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، محمد محمود: إن إثيوبيا راوغت بالمفاوضات وأدخلت القاهرة فيها، في وقت كانت تعد فيه العدة لتحويل مجرى مياه النيل.
وأضاف لـ"بوابة العين" أن السد أصبح حقيقة فعلية، وعلى مصر اللجوء إلى التحكيم الدولي والمنظمات الدولية للوصول إلى حل لهذه الأزمة، متوقعًا فشل المفاوضات التي ستعقد اليوم في العاصمة السودانية.
وأبدى أحمد علي عامر -مهندس إلكترونيات- تخوفه من بناء سد النهضة، وقال لـ"بوابة العين": إن النيل بالنسبة إلى المصريين ليس مجرد نهر يمر وسط البلاد، بل هو حياة كاملة وهو أساس مياه الشرب والزراعة، وعلى الحكومة والنظام السياسي ألا يسمحا بأحد العبث بحياة المصريين".
وطالب عامر بإلغاء وثيقة المبادئ التي تم توقيعها في مارس/آذار الماضي بين مصر والسودان وإثيوبيا عن طريق البرلمان الجديد.
لكن وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور حسام مغازي، علق -وفى أول رد فعل له على مرور المياه من بوابات سد النهضة- بأن هذه الخطوة لا تعني بدء التخزين في بحيرة السد.
وقال مغازي -في بيان لوزارة الري الليلة الماضية-: إنه تم عودة المجرى الطبيعي لنهر النيل إلى مجراه الأصلي، الذي كان قد سبق تحويله مؤقتًا في مايو 2013 بموقع سد النهضة الإثيوبي لتعود مياه النهر لمسارها الطبيعي".
وأضاف "أن مجرى النيل الأزرق يمر من خلال الأنفاق السفلية الأربعة للسد لاستكمال رحلة المياه الطبيعية في النيل الأزرق، موضحًا أن ذلك لا يعني من الناحية الفنية تخزين أي كميات مياه أمام السد.
وأوضح مغازي أن الخطوة الإثيوبية ليس لها علاقة بالاجتماع السداسي المقرر عقده اليوم الأحد بحضور وفود الدول الثلاثة بالخرطوم، مشيرًا إلى أن تغيير المجري يسمح بمرور المياه أسفل سد النهضة لأول مرة.
وبدأت أديس أبابا في بناء السد عقب ثورة "25 يناير" في مصر، وتحديدًا في الثاني من إبريل 2011، مستغلة حالة الفراغ المؤسسي التي عاشتها مصر في تلك الفترة.
وكانت الدول الثلاث قد عقدت اجتماعات مغلقة سابقة في وقت سابق من الشهر الجاري شارك فيها وزراء الخارجية والري والمياه في هذه البلدان خلال جولة المفاوضات العاشرة، لكن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور أعلن، آنذاك، انتهاء مفاوضات هذه الجولة دون التوصل إلى أي اتفاق.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU0IA== جزيرة ام اند امز