الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في ذكرى رحيله الثانية والثلاثين
نسرد لكم مسيرة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمة الله عليه، في ذكرى رحيله الثانية والثلاثين، وأهم الإنجازات العظيمة التي قام بها.
"لقد كان الشيخ راشد مجموعة رجال في رجل واحد يملك إرادة وعزيمة وفكراً، ورؤية وطموحاً، ولقد تعلمت شخصياً منه، ومن خلال مجلسه وتوجيهاته ما لم يكن ليحصل شيء من ذلك لولا قربي منه وحرصه على أن يزرع بين جنبي تلك الميزات والصفات التي كان عليها رحمه الله". بهذه الكلمات تحدث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن والده الراحل.
ويعتبر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – رحمه الله – أول حاكم لإمارة دبي بعد قيام الاتحاد، وقد كان له دور عظيم في قصة اتحاد الإمارات كما أن لإنجازاته العظيمة ورؤيته الثاقبة أثر كبير في إدارة عجلة التنمية في دبي وهذا ما سنسرده اليوم في ذكري إحياء رحيل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في السابع من شهر أكتوبر عام ١٩٩٠.
السيرة الذاتية للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
في ١١ يونيو عام ١٩١٢، ولد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في منطقة الشندغة بإمارة دبي في كنف والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم والمعروف بالتقوي ورجاحة العقل والحكمة، والدته هي الشيخة حصة بنت المر بن حريز الفلاسي المشهورة بـ "أم دبي" والتي نالت مكانة خاصة في قلوب أهل دبي وعرفت بقوة تحملها وطموحها وإرادتها العالية وعدم رد المحتاج، وكان لهذا تأثير واضح في تكوين شخصية ابنها الشيخ راشد.
اسمه بالكامل "راشد بن سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم بن بطي بن سهيل آل مكتوم الفلاس" وقد ولد في نفس العام الذي تولي فيه أبوه الشيخ سعيد آل مكتوم زمام الأمور في دبي. تربي على القيم والأخلاق وارتبط بمجلس أبيه واستفاد بالكثير منه، وتعلم كيفية إدارة المنطقة وكان مطلعاً على كل شيء يحدث داخل المجلس مما جعله قائد عظيم يتولى المسؤولية من بعد والده.
كانت المنطقة آنذاك تفتقر لوجود مدارس تنظيمية، إلا أن هذا الامر لم يكن عائقاً أمام والد الشيخ راشد حيث حرص على تعليم ابنه داخل الكتاتيب وتعلم أصول الفقه الإسلامي واللغة العربية. وفور افتتاح المدرسة الأحمدية بديرة، بدء الشيخ راشد الدراسة النظامية وكان من أوائل الطلبة الملتحقين بها. فبجانب تفقه في العلوم الدينية إلى جانب اللغة العربية، كان من أوائل الطلبة المتفوقة في علوم التاريخ والحساب والجغرافيا. كانت من هواياته الصيد بالصقور وركوب الخيل والرماية، وكان معروف بالمثابرة وحب البحث والاطلاع.
وكانت طفولته وتعليمه بمثابة البذرة الصالحة لمسيرة نجاح دامت اثنين وثلاثون عاماً في حكم إمارة دبي التي شهدت نمواً سريعاً وتطوراً لم يسبق له مثيل في جميع المجالات. هذه المسيرة الحافلة بالعديد من الإنجازات العظيمة والعطاء الشديد كان لها أثر كبير في وضع حجر الأساس لبناء دبي الحديثة.
راشد بن سعيد آل مكتوم حاكماً لدبي
في عام ١٩٣٩ م، عين الشيخ راشد بن سعيد ولياً للعهد حيث عمل على مساندة والده في تسيير شؤون المنطقة واستطاع أن يجد حلول جوهرية في إنقاذ دبي من خطر الازمات الاقتصادية الشديدة التي مرت على المنطقة وكان من أهمها أزمة انهيار تجار اللؤلؤ، وأزمات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في عام ١٩٥٨ م، توفي إلى رحمة الله تعالي الوالد الشيخ سعيد آل مكتوم وانتقلت الولاية إلى ابنه الشيخ راشد الذي واجه مشاكل عديدة في أول فترة ولايته حيث كانت عوائد البترول لا تفي بالتزامات الإمارة، ولهذا عمل بكل مثابرة من أجل تحسين الأسواق وتشجيع الاستثمار الأجنبي ودعم التجار ووضع خطط لآفاق بعيدة ورؤى مستقبلية لمدينة دبي.
إنجازات الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
حرص الشيخ راشد على وضع خطط تطوير وتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والعمران والتجارة بجانب المشاريع الريادية المختلفة التي عملت على نهضة دبي، بالإضافة إلى استغلال كل الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت لصالح أبناء شعبه إيماناً منه بتحقيق الخير والرخاء والاستقرار للمواطنين.
والآن، ماذا عن أهم الاحداث التي مرت بها دبي في عهد الشيخ راشد؟
- في عام ١٩٥٩ م، تم انشاء شركة الكهرباء العامة بدبي ولكن حصلت دبي على أول امداد كهربائي في عام ١٩٦١.
- في عام ١٩٦٠ م، عمل الشيخ راشد على توفير الخدمات الأساسية لسكان دبي حيث أعلن عن رغبته في بناء مطار دبي في القصيص وكان لهذا الإنجاز أثر كبير في جعل دبي مركزاً إقليمياً لحركة الطيران.
- وفي نفس العام، تم انشاء مشروع خور دبي لخطوط الملاحة، كما أنشئت شركة التليفون والبرق واللاسلكي جنباً إلى جنب مع شركة الكهرباء. وتم إنشاء دائرة الأراضي والملاك لضمان تنفيذ المشاريع العملاقة.
- في عام ١٩٦٣ م، تم اصدار مرسوم بتأسيس أول بنك وطني أطلق عليه اسم "بنك دبي الوطني المحدود" برأس مال قدره مليون جنية إسترليني وبهذا وضع حد لاحتكار المصارف الأجنبية على التعاملات المالية والمصرفية.
- في عام ١٩٦٦ م، تم استغلال النفط الموجود في دبي استغلالاً تجارياً وقام على أثره دائرة خاصة بشؤون النفط ودائرة للطيران والقضاء. كما عمل على توسيع خور دبي الذي أصبح الآن واحداً من أفضل الموانئ التجارية والاقتصادية.
- في عام ١٩٧١ م، تم تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة ويعتبر هذا الحدث من أهم وأعظم الإنجازات التاريخية في عهد الشيخ راشد بن سعيد.
- في عام ١٩٧٢ م، افتتح ميناء راشد البحري وهو ميناء ضخم يهدف إلى دعم اقتصاد الامارات خاصة إمارة دبي. وكان الشيخ راشد من أوائل المدعمين للتجارة والخطوط العالمية حتى أصبحت دبي في عهده مركزاً تجارياً يجمع بين الشرق والغرب. وشهد هذا العام طفرة فريدة من نوعها في الطرق والمطارات والموانئ داخل دبي.
- في عام ١٩٧٩ م، شيد برج الشيخ راشد والمعروف حالياً باسم مركز دبي التجاري العالمي والذي يعد من أوائل ناطحات السحاب التي شيدت في دبي. نسب هذا البرج إلى الشيخ راشد تكريماً له على دوره في بناء الامارات وتخليداً لذكراه.
تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة في عام ١٩٧١
في عام ١٩٦٨ م، اجتمع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من خلال عقد اجتماع ثنائي في منطقة سيح السديرة الواقعة بين أبو ظبي ودبي، وأسفر الاجتماع عن إعلان اتحاد يضم امارتي أبو ظبي ودبي كبداية اتحاد مشترك أكبر وأشمل، وكانت هذه الخطوة الاولي لبداية انضمام بقية الإمارات الأخرى. وفي فبراير ١٩٦٨، تم اصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبو ظبي، ولهذا لقب الشيخ راشد بلقب "شريك الاتحاد ورفيق درب زايد".
وفي الثاني من ديسمبر عام ١٩٧١ م، تم اعلان اتحاد الإمارات رسمياً الذي يضم "الامارات السبع" وهي: إمارة أبو ظبي، إمارة دبي، إمارة الشارقة، إمارة عجمان، إمارة أم القيوين، إمارة رأس الخيمة، وإمارة الفجيرة. هذا الاتحاد أثبت قدرته على النجاح والمضي قدماً في النهوض بدولة الإمارات من خلال تحقيق تحولات حضارية وإنجازات عملاقة محلياً ودولياً.
مناصب الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
عمل الشيخ راشد على نهضة دبي وتطويرها حيث لقب بـ "باني دبي ومهندس نهضتها"، وقد شغل المناصب التالية خلال فترة ولايته:
- حاكم إمارة دبي لمدة ٣٢ عاماً حتى وفاته (من ٩ سبتمبر ١٩٨٥ – ٧ أكتوبر ١٩٩٠).
- نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة لمدة ٢٠ عاماً منذ اتحاد الدولة وحتى وفاته (من ٢ ديسمبر ١٩٧١ – ٧ أكتوبر ١٩٩٠).
- رئيس مجلس الوزراء لمدة ١٨ عاماً حتى وفاته (من ١٩٧٢ – ١٩٩٠).
خلال ٣٢ عام، نجح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في تحقيق تاريخ حافلاً بالعطاء والإخلاص في خدمة الوطن والمواطن حيث كانت فترة ولايته مليئة بالإنجازات التي ساهمت في تحويل دبي من مدينة بسيطة إلى مدينة تجارية هامة. ومازالت جهوده وخططه المتميزة تعمل في نجاح المسيرة التنموية في إمارة دبي إلى وقتنا هذا، ولا تزال دروسه في القيادة نبراساً لأبناء الامارات فهي دروس لا تنتهي ولا تنسي.
ملء الدنيا بأعماله العظيمة ورحل مساء الأحد ٧ أكتوبر ١٩٩٠ م الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤١١ هجري عن عمر يناهز ٧٨ عاماً. واليوم وبعد مرور اثنان وثلاثون عاماً على رحيل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مازالت سيرته البيضاء ورؤيته الثاقبة خالدة في ذاكرة الوطن وقلوب المواطنين.
كلمات مؤثرة في ذكرى رحيل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
كانت من أقوي الكلمات المؤثرة التي قيلت في ذكري رحيل الشيخ راشد، هي كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "في مثل هذا اليوم السابع من أكتوبر ١٩٩٠ رحل راشد بن سعيد آل مكتوم.. رحل عن دبي والدها ومهندسها.. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، لم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل.. أصعب رحيل هو رحيل الوالد.. يجعلك يتيماً.. لأنه كان سبباً في وجودك.. في حياتك.. في نجاحك.. سبباً في وجود وطنك".
كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في إحياء ذكري وفاة الشيخ راشد بن سعيد: "الشيخ راشد بن سعيد.. سيرة وطن ومسيرة قائد تخلد في ذاكرة تاريخنا المشرف.. عرفناه قائدا صاحب عزيمة لا تلين، وطموح بلا حدود، ورؤية سابقة لعصرها.. وضع مع الشيخ زايد، رحمه الله، اللبنة الأولي في صرح وحدتنا المباركة، وظل سنده وعضيده حتى لاقي ربه.. رحمهما الله رحمة واسعة".
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA== جزيرة ام اند امز