مكاتب الزواج في لبنان.. شرعية مفتقَدة واتهامات بالاحتيال والتغرير بالفتيات
بعضها يفرض "نظام الاشتراك" لمدة سنة مقابل 200 دولار للفتاة، و300 دولار للشاب، بينما تحدد مكاتب أخرى 200 دولار كرسوم تقديم طلب للزواج.
في لبنان، يمكنك أن تلمس انتشار مكاتب الزواج عبر مراجعة إعلانات الصحف، أو الصفحات الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي. ويستخدم الجميع نفس العبارات تقريبا: "الزواج سنّة الحياة، والوحدة قاتلة، مهما كان عمرك أو وضعك الاجتماعي، نحن نؤمّن لك الشريك المناسب مع السرية التامة". وفي إطار آخر نجد إعلانًا ينص على الآتي: "اتصلي واحصلي على عشاء فاخر".
ولكن ماذا يحدث بين جدران هذه المكاتب على أرض الواقع؟
انتظرت السيدة "ر.س" بفارغ الصبر صدور قرار بالشكوى التي قدمتها لوزارة العمل في لبنان ضد "م.ض"، الذي تعمل لديه كسكرتيرة في مكتبه في منطقة أنطلياس، التي تعد من قرى قضاء المتن في محافظة جبل لبنان.
ذكرت في شكواها أن هذا المكتب يتولى إجراءات الحصول على تأشيرات دخول إلى مختلف دول العالم، كما يوفر العريس أو العروس لكل من يرغب، لافتة إلى امتناعه عن دفع مستحقاتها منذ أشهر.
وتقول: حينما كان يتقدم أحدهم بطلب فيزا أو وظيفة أو حتى طلب زواج كان يحصل على المال وبعدها لا يرد على الهاتف على الإطلاق. وأضافت: "كان يدور داخل هذا المكتب أشياء غريبة للغاية.. لقد حاول الاعتداء على ابنة شقيقة أحد القضاة وحضر والدها وكسّر له المكتب".
وتزامنت دعوتها مع شكوى قدمتها "ر.ب" إلى وزارة العمل ضد صاحب المكتب نفسه، حيث كانت تعمل لديه في مجال التنظيفات وحاول الاعتداء عليها.
مكاتب سرية
يقع مكتب السيدة "د.ش" في منطقة الأشرفية بعد أن حولت منزلها في الطابق العلوي إلى مكتب "سرّي" للزواج، بدافع التهرب من الضرائب وربما لأسباب أخرى، لذلك تحرص على إرسال شخص ما لملاقاة الزبائن على مفترق الطريق المؤدي إلى المكتب، كي لا تثير الجدل من حولها ويحضر أشخاص ليسألوا الجيران عن مكتبها، على الرغم من أنها زيّنت مدخل منزلها بشرائط ملونة لعروس وعريس.
وعن السبب الذي دفعها إلى فتح المكتب في شقتها تقول: "كي لا أثير الشكوك من حولي، فأنا أعمل بطريقة شرعية، ومسجلة في المالية". وأكدت أن الزواج سيكون سريًّا، وبالإمكان أن يبدل صاحب الطلب في خياراته ويتعرف على 20 عروسًا أو عريسًا.
ولكن في الحقيقة تبين أنها غير مسجلة في السجل التجاري على الإطلاق، ولا تدفع الضريبة المستحقة عليها في وزارة المالية، حتى إنه "حينما حضر الموظف في المالية، أخفت الملفات الموجودة لديها، وأزالت الصور والشرائط الملونة عن الباب"، حسب ما يقوله أحد الجيران.
تملك ملفات خاصة بعشرات السيدات، ومعلومات حول كل واحدة منهن، مع صورة لكامل الجسد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشباب. أما بالنسبة إلى رسوم تقديم طلب الزواج فتبلغ 200 دولار أمريكي، وبعد الزواج تحصل على 500 دولار أخرى من الزوجين. الطريف أنه لم يثبت نجاحها في تزويج أي اثنين، علمًا بأنها خصصت تسعيرة خاصة للخليجيين تبلغ 500 دولار أمريكي لتقديم الطلب فقط.
ويقول عبد الله (48 عامًا)، وهو سعودي الجنسية: "أخذت مني 500 دولار كرسم لتقديم الطلب، ولكنها كانت تقدم لي فتيات دون المستوى، ويبدو أنهن منحرفات، حتى أن إحداهن تعمل في مجال التدليك في المنازل".
أما "حسين.ب" (32 عامًا)، لبناني يعمل في السعودية، متزوج ولديه 3 أولاد، فأصر على أن يكون الزواج سريًّا للغاية، حتى إنه سيرسل شخصًا ليأخذ له العروس فيتم الزواج في الخارج دون أن يطلب يد العروس من أهلها أو حتى يراها أو حتى ينظم حفل زواج. ويقول: "تعرفت على تلك السيدة من إعلان في إحدى الصحف الإعلانية، فاتصلت بها وأرسلت إليها المال دون أن أراها".
ويقول أحد جيرانها، وهو مختار في المنطقة، نافيًا منحه أي تراخيص لمكاتب زواج: "حضر الأمن العام عدة مرات، وسأل عنها، ولكن لم تثبت إدانتها حتى هذه الفترة، فالملفات الموجودة عندها ربما تكون لإبعاد الشبهات عنها. وفي إحدى المرات شككتُ في طبيعة عملها، فطلبتْ مني أن أزورها في منزلها فشاهدت الملفات الشخصية لشبان وشابات.. لا أعلم، فهي مطلقة، ومصاحبة، ومتزوجة، واللي بدك إياه..".
السجل التجاري هو الآخر أكد عدم وجود مكاتب زواج مسجلة لديه، وتبين أن دائرة المخاتير والبلديات في وزارة بعبدا لا تمنح الترخيص بفتح هذه المكاتب أيضا، ولا وزارة الاقتصاد والتجارة، أو وزارة العمل، التي أكدت أن هذه المكاتب غير شرعية.
صاحبة أحد المكاتب قالت إنها تعمل بطريقة شرعية بعد أن سجلها المحامي تحت خانة أخرى في قصر عدل بعبدا، وتقول: "نتبع النظام الأوروبي ولا نزوّج سوى الثنائي الذي يليق الطرف الأول فيه للطرف الآخر من حيث الشكل، والعلم، والمستوى العائلي والمادي، فيتعرف الطرفان على بعضهما من خلال جلسة على فنجان قهوة". وتضيف: "كلفة الاشتراك للفتاة لمدة سنة 200 دولار، و300 دولار للشاب. أما في حال كان الشاب مغتربًا فتكون التسعيرة أكثر طبعًا". وردًّا على سؤال حول شرعية المكتب تقول: "في لبنان لا يوجد قانون يتعلق بالترخيص لهذه المكاتب، لكن محامي المكتب سجّله تحت خانة أخرى، بعد أن توقف العمل بهذا القانون منذ عام 1948 في الأحوال الشخصية". ورفضت مواصلة الحديث قائلة: "أنا مشغولة جدًّا، ولا أريد أن أدخل في متاهات!".
العنوسة والإنترنت
تشير دراسة صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان إلى أن متوسط سن الزواج لدى الذكور 32 سنة، مقابل 28 سنة للإناث. ويرى 35% من الشباب أن العمر الأمثل لزواج الفتاة يتراوح بين 20 و24 عامًا، في حين أن 21% منهم يرون أن العمر الأمثل لزواج الفتاة يتراوح بين 25 و29 عامًا.
وتقول الدكتورة بشرى قبيسي، الأستاذة في علم الاجتماع، إن الظروف الأمنية والاقتصادية المضطربة في لبنان، جعلت هجرة الشباب تزداد إلى جانب الفرز والحصر في التنقلات والمعايشة لكل الفئات الاجتماعية جعل الفتاة تعيش في جو محصور، من هنا فإن إمكانية التعرف أصبحت محصورة وجعلت عدد الفتيات أكبر من عدد الشبان في ظل تزايد الهجرة، والوسيلة تكمن في مكاتب الزواج التي فُتحت بسبب دراسة معينة للمجتمع اللبناني وليس عن عبث.. وعلى هذا الأساس اعتبروها نوعًا من التجارة وليست لدواعٍ إنسانية بل مادية.
وعن اعتماد بعض المكاتب أساليب الترغيب لأهداف غير شرعية وغير أخلاقية، تقول قبيسي إن الخطورة في مكاتب الزواج هي أنهم يضعون فخًّا للفتاة التي لم ولن تفكر يومًا في الانحراف، لذلك يتم استدراجها باسم الزواج والعلاقات الشرعية والأحلام التي تبنيها الفتيات فتسقط الفتاة وتتعرض للابتزاز.
ويقول المحامي ريتشارد حلو، ردًّا على كيفية معاقبة أصحاب هذه المكاتب، وما إذا كان هناك نص قانوني يدينهم: "لا يوجد نص قانوني في هذا الإطار، لكن يمكن معاقبتهم إذا لم يدفعوا الضرائب المتوجبة عليهم، أو إذا ثبت قيامهم بعملية احتيال أو نصب وغيره".
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز