في 2015.. عشر روايات تحت دائرة الضوء
هنا قائمة بعشرة أعمال روائية، صدرت في 2015، كان لها حضور لافت، إما حظيت باهتمام نقدي مركّز، وإما حققت رواجًا جماهيريًّا ملحوظًا
طوفان من الروايات والكتب يخرج يوميًّا من المطابع ويوزّع على المكتبات. على مدار العام صدرت مئات العناوين خصوصًا في الكتابة الإبداعية؛ الرواية والقصة والقصيرة وبدرجة أقل الشعر والمسرح، وإن كانت الرواية تكاد تلتهم المشهد بغزارة مَن يُصدرون أعمالهم الأولى فيها تحت أي مسمى، وبأي مستوى، أو كتّاب الرواية المحترفين في كل أنحاء العالم العربي.. لا تتوقف الأعمال المترجَمة شرقًا وغربًا، فمقروئية الرواية مذهلة وغير مسبوقة في العالم العربي، والإقبال عليها قراءةً وكتابةً لا يتوقف، ويبدو أنه لن يهدأ لفترة طويلة. جاذبية الدوائر المحيطة بالرواية، شهرة وجوائز وتحققات أخرى (ليست متعلقة بالضرورة بالجودة الفنية وحدها أو القيمة!)، تغري قطاعات واسعة من القراء لتجعلهم كتّابًا محتملين.. هنا قائمة بعشرة أعمال روائية، عربية ومترجمة، صدرت في 2015، كان لها حضور لافت، إما حظيت باهتمام نقدي مركز، وإما حققت رواجًا جماهيريًّا ملحوظًا، وبعضها كان مميزًا بموضوعه وشكله.
«كتيبة سوداء».. للمصري محمد المنسي قنديل
«كتيبة سوداء» الصادرة عن دار الشروق، عمل مهم وكبير، عميق وذكي ومركب، يستوحي التاريخ ليقول أشياء عن الإنسان في كل زمان ومكان. الرواية تقص حكاية الأورطة المصرية السودانية التي أُرسلت إلى المكسيك لتشارك في حرب لا تعرفها في عصر الخديو سعيد (منتصف القرن التاسع عشر)، وقصة صراع إمبراطوريات أوروبا للسيطرة على العالم الجديد، تصنع جدلا لا ينتهي يستحق التأمل. رسم بارع للشخصيات، وحكايات حب تتجاوز الزمان والمكان والدين واللون، الرواية وعلى عكس ما يبدو للوهلة الأولى ليست عن الشخصيات ولا الأحداث التاريخية ولا الصراع ولا الحبكة ولا الوصف، ولكنها بالأساس عن الأفكار الكبرى والأسئلة الشائكة التي صُنعت من أجلها كل هذه الأشياء في بناء متناسق.
«فئران أمي حصة».. للكويتي سعود السنعوسي
الرواية الثالثة في مسيرة الروائي الكويتي الشاب، الذي حصدت روايته «ساق البامبو» الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013)، وصارت من أكثر الروايات العربية مبيعًا ورواجًا وتُرجمت إلى اللغة الإنجليزية. «فئران أمي حصة» التي صدرت عن "الدار العربية للعلوم- ناشرون، ومنشورات الاختلاف"، رواية ضخمة ولافتة، لا تقل أهمية عن «ساق البامبو» المتوّجة بـ"البوكر"، بل لعل "فئران أمي حصة" وحكاياتها ورموزها أكثر اتساعًا وكثافةً وعمقًا، رواية داخل رواية، وعمل مركب يمزج الماضي بالحاضر بالمستقبل القريب. «فئران أمى حصة» ليست رواية عن فتنة الشيعة والسنة في الكويت فحسب، ولكنها رواية عما فعلته وستفعله بنا فكرة ووهم محو الآخر، حكاية عن النار التي زعمنا أنها غير موجودة، عن عالمنا العربي كله الذي تهشم البيض في حظيرته، فاقتحمته الفئران، حاملة معها الطاعون.
واجهت الرواية صعوبات في بلد كاتبها، وحتى الآن لا يزال توزيعها محاطًا بقيود وموانع في الكويت.
«حكايات الحُسن والحزن».. للمصري أحمد شوقي علي
تأتي رواية الكاتب والروائي المصري الشاب أحمد شوقي علي الأولى والمدهشة «حكايات الحُسن والحزن»، الصادرة عن دار الآداب بيروت، لتمجد الحكاية وتتعبد في محراب الخيال الإنساني الغض، حيث محاولة لخلق سردية "بديلة" في مواجهة (هل نقول تجاوز؟) سرديات القصص المقدس عن بدء الخليقة، الانفصال عن الأصل الإلهي، النزول إلى الأرض، انبثاق الخير والشر.
«حكايات الحسن والحزن» رواية مدهشة، كتبت بلغة طازجة جميلة، تحمل فرادتها وتميزها، تعالج أسئلة إنسانية ووجودية مؤرقة دون أن تتخلى عن متعة الفن وبهجة الحكي ومغامرة التجريب، المجد للموهبة وللإبداع والخيال المتمرد.
«معبد أنامل الحرير».. للمصري إبراهيم فرغلي
مثلما كانت روايته المهمة «أبناء الجبلاوي» قصيدة حب عن حرية الفكر والفن والفنان، وأنشودة هجاء ضد الظلامية وضيق الأفق، فإن رواية إبراهيم فرغلي «معبد أنامل الحرير» الصادرة عن "منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف"، تقدم تنويعة أخرى مركبة عن نفس الفكرة، ولكنها تقطع شوطًا لافتًا في تحية الفنان والكاتب، بأن تجعل لما كتب قوة وقدرة خلق وحياة أبدية. في هذه الرواية المهمة نقرأ عن صاحب الكتابة ولا نسمعه أبدًا، تنوب عنه بجدارة روايته التي تتخلق مثل جنين مشاكس، سرعان ما يمتلك هوية وإرادة وحلمًا يبحث عن مبدعه، ثم يمتلك القدرة على أن يكمل الحكاية.
«الأحلام الأخيرة».. نجيب محفوظ
رغم ما صاحبها من ضجة أثيرت حول نسبتها إلى محفوظ، فإن هذا الكتاب يعد كنزًا أدبيًّا ظهر إلى النور بعد تسع سنوات من غياب صاحب "نوبل". تعود قصة هذه الأحلام الجديدة إلى إعلان مفاجئ من ابنتَي صاحب الثلاثية (أم كلثوم وفاطمة) بأنهما عثرتا ضمن أوراق أبيهما على نصوص من «أحلام فترة النقاهة» لم تُنشر من قبل. قامت ابنتا محفوظ بالتوجه بهذه الأوراق إلى ناشر أعمال أبيهما، إبراهيم المعلم، وبقراءة هذه الأوراق وفحصها تبين أنها مجموعة من «أحلام فترة النقاهة» التي كتبها محفوظ عقب حادثة الاعتداء الإجرامي عليه في أكتوبر 1994. ويروي المعلم، رئيس مجلس إدارة الشروق، في مقدمته للكتاب أنه زيادة في التحوط ولمزيد من التيقن من نسبة هذه النصوص إلى محفوظ وأنها مطابقة لأسلوبه ومطابقة أيضًا لذات الطريقة التي أملى بها محفوظ أحلامه السابقة على مساعده "الحاج صبري"، بحث عنه وتواصل معه وتأكد منه أن هذه الأوراق قد أملاها محفوظ بنفسه عليه وبذات النهج الذي كان يملي عليه أحلامه كلها. أيضا عرض المعلم هذه الأوراق على صديق محفوظ وطبيبه المعالج الدكتور يحيى الرخاوي، والذي كان قد قدم دراسة مطولة عن "أحلام فترة النقاهة"، للتأكد من ماهية النصوص والتثبت من كونها "أحلامًا" جديدة لم يسبق نشرها من قبل.
«ربيع البربر».. للسويسري يوناس لوشر
من أفضل الروايات المترجمة التي ظهرت في العام 2015 هذه الرواية القصيرة (نوفيلا) الصادرة عن "دار العربى للنشر والتوزيع" بعنوان «ربيع البربر» للكاتب السويسري يوناس لوشر، وقامت بالترجمة عن الألمانية د.علا عادل. أحداث الرواية تدور في تونس حيث يقوم مجموعة من الأثرياء الإنجليز بحضور حفل زواج صديق لهم، وهناك يعرفون خبرًا اقتصاديًّا يغيّر حياتهم، ويسلبهم أموالهم، فتتغير تصرفاتهم، ويرتدّون إلى تصرفات بربرية عجيبة. ويشهد على المهزلة مليونير سويسري يراقب الأحداث بحياد بارد دون أن يشارك أو يتدخل. عمل مهم وممتع يدين الرأسمالية المتوحشة، كتبه لوشر في ثلاث سنوات بروح تجمع بين التراجيديا والسخرية.. «ربيع البربر» هي الرواية الأولى لصاحبها ذي التسعة والثلاثين ربيعًا، يكتب بالألمانية ويقيم في مدينة ميونخ منذ خمسة عشر عامًا وإن كان يحمل الجنسية السويسرية، انتهى من كتابتها عام 2012، وصدرت في 2013، ومن حينها حققت الرواية نجاحات غير متوقعة، وصارت على قوائم الروايات الأكثر مبيعًا في مكتبات أوروبا كلها، بل تمت ترجمتها لما يزيد على 14 لغة خلال هذه الفترة القصيرة.
«الموت عمل شاق».. للسوري خالد خليفة
قبل أن ينصرم العام، صدرت عن "دار نوفل" و"دار العين" في القاهرة رواية السوري خالد خليفة «الموت عمل شاق»، بعد روايتيه «مديح الكراهية» و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» اللتين وضعتاه في بؤرة المشهد الروائي العربي. يواصل خليفة مشروعه السردي، يحفر بإزميل الفن تراجيديا الوجع السوري. من قلب الأحزان السورية تنبت أوراق الرواية التي تلملم التفاصيل الصغيرة وتعيد ترتيبها وتركيبها في بناء محكم متماسك. للمأساة وجوه عديدة، وما أكثر الحكايات والمآسي. التذكر بوابة للخلاص، ودفن أحد الآباء يتحول إلى رحلة عذاب للأبناء، تتلاقى الحكايات وتتقاطع المصائر، ويبقى للفن عذوبته وجماله رغم المرجعية الجارحة في قلب الإنسانية الصلد.
«ناقة الله».. لليبي إبراهيم الكوني
وما زال الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني، قادرًا على إثارة بواعث الدهشة والعجب من مقدرته الإبداعية الفذّة، ومنجم الطاقة السردية الذي لا ينضب، يفاجأ الكوني قرّاءه ومحبيه في 2015، بروايته الجديدة «ناقة الله» الصادرة عن "دار السؤال البيروتية". ربما يصح أن نعتبر هذه الرواية عنوانًا بارزًا في مسيرته الأدبية، وترجمة بليغة لعالمه الخاص، الذي يصنع من الصحراء مشروعًا للحكي، ظاهره البساطة وباطنه التساؤلات والأفكار الكبرى، حيث الإنسان في مواجهة نفسه وواقعه وأحلامه وهواجسه وقدره وقدرته، وحيث تمتزج الأساطير بالوقائع، وحيث البشر والجان والحيوان في سفينة نوح وسط أمواج عاتية، وحيث لا توجد لوحات في الحياة لا تحمل توقيع وبصمة القدر.
أحداث الرواية تدور في ستينيات القرن الماضي، حين تم تقسيم الصحراء الكبرى بين الدول، وسجن وتهجير أعداد كبيرة من الطوارق من أوطانهم الأصلية، وبدء محنة الاغتراب والتيه عن الوطن. وكما في روايته «التبر» التي بطلها جمل (حققت نجاحًا كبيرًا وتُرجمت إلى عديد من اللغات العالمية) فإن بطل رواية الكُوني «ناقة الله» هي ناقة أيضًا اسمها "تاملّالت"؛ أي الجاموس البري، تتوق حنينًا ووجدًا إلى الوطن، وتصارع كل القيود والعراقيل كي تعود إلى أرضها، دون أن يجد راعيها ومحبها "أسيس" ترياقًا يشفيها من حنينها الموجِع إلى الوطن. وتتصاعد أحداث الرواية كمعزوفة شجية تفيض بالشعر والحنين، وبالأسئلة الروحية والفلسفية الموجعة عن معنى الوطن والحرية والعدالة، كأن الروائي إبراهيم الكُوني أراد لناقته أن تكون مثالاً للناس على حب الأوطان.
«الأسياد».. لحسن كمال
في روايته الثانية، يخطو الروائي المصري حسن كمال خطوات أكبر وأبعد من روايته الأولى «المرحوم». يقدم تجربة روائية أكثر تماسكًا وإحكامًا، ويبدو الفارق بين العملين للعين المدرّبة الخبيرة، بارزًا وواضحًا، إذ ينسج كمال عالما كاملا بفضاءاته الجغرافية والتاريخية والثقافية، ويوظّف الأسطورة والموروث الشعبي توظيفًا خلّاقًا في معالجة موضوعه الروائي، تنهل الرواية من معين ثري لا يلتفت إليه الروائيون والقاصّون كثيرًا، معين الأسطورة الشعبية، وتسعى لتوظيفها في عمل روائي يقتصر عليها، يقع في منطقة الظلال بين الواقع من ناحية، وذلك البناء الأسطوري من ناحية ثانية. التيمة الأساسية الحاضرة بقوة في الرواية هي مواجهة الخرافة التي يسعى إلى بقائها ورسوخها أصحاب المصلحة والمنتفعون من تكريس النظم السلطوية القائمة على تثبيت الأوضاع وتكريس الجهل وتعظيم آليات السيطرة على العقول، ومن ثم اغتيال أي حلم للتغيير، وقمع أي محاولة للتمرد على الأوضاع القائمة.
«عندما بكى نيتشه».. لإرفين يالوم
لا تستحضر رواية «عندما بكى نيتشه» التي كتبها إرفين يالوم، وترجمها خالد الجبيلي، وصدرت عن "منشورات الجمل" في نحو 440 صفحة، أجواء النصف الثاني من القرن التاسع عشر فحسب، ولكنها تتعامل أساسًا مع هذا "العصف الذهني" الضخم الذي كانت تتشكل سحاباته لتمطر عالمًا جديدًا؛ فكرًا وعلمًا وفنًّا خلال النصف الأول من القرن العشرين، ورغم أننا أمام رواية أفكار بامتياز، تتبارز على صفحاتها حجج الفيلسوف فرديريك نيتشه، في مقابل أطروحات عالم الجسد والنفس جوزيف بريوير، فإن العناوين ليست مجردة، ولكنها انعكاس لشخصيات مأزومة من لحم ودم ومشاعر وعواطف. الرواية ليست في جوهرها سوى مزيج فذّ بين أسئلة الفلسفة والطب النفسي معًا، والهدف واحد وهو الغوص في أعماق الإنسان، والوصول إلى آخر تخوم العقل، وأبعد نقطة في عالم اللا شعور.