«غرابة في عقلي» أحدث روايات أورهان باموق بالعربية
فاجأت "دار الشروق" قراء أورهان باموق في العالم العربي بإصدار الترجمة العربية لأحدث رواياته «غرابة في عقلي» الصادرة بالتركية في 2014.
لم تكن الدراما التركية وحدها هي التي غزت السوق المصرية والعربية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة وربما قبلها بقليل، فالأدب التركي وفي القلب منه "الرواية" حقق طفرة ملحوظة من حيث التوزيع والانتشار وحجم المقروئية في السوق المصرية، وخاصة في أوساط الشباب في الفترة ذاتها وعلى نطاق واسع.. أشهر الروائيين الأتراك أورهان باموق لم يعرفه القارئ المصري والعربي على نطاق واسع إلا عقب حصوله على جائزة نوبل عام 2006م، ومن قبله كانت أسماء ناظم حكمت، عزيز نيسين، ويشار كمال، هي الأبرز والأكثر معرفة في أوساط المتخصصين.
دار الشروق المصرية، فاجأت قراء أورهان باموق في مصر والعالم العربي، بإصدارها الترجمة العربية الكاملة لأحدث رواياته «غرابة في عقلي» الصادرة بالتركية في 2014، وكذلك إعادة إصدار طبعات جديدة منقحة من رواياته المشهورة السابقة، ومنها «اسمي أحمر»، «البيت الصامت»، و«إسطنبول الذكريات والمدينة».. وتستعد حاليا لإصدار باقي ما ترجمه من عبد القادر عبد اللي رواياته وأعماله.
في روايته الجديدة «غرابة في عقلي» التي ترجمها إلى العربية عبد القادر عبد اللي، ينحرف الكاتب البالغ من العمر ثلاثة وستين عاما انحرافة جريئة إلى أرض لم يطرقها كثيرا... إذ يختار هذه المرة أن يكون بطله بائع طعام سريحا يصل إلى اسطنبول للتو قادما من قريته، وإذا بمنظور الرواية لاسطنبول ومناظرها وأصواتها وأحيائها ومسافاتها سريعة التبدل والتغير هو بلا مواربة منظور الطبقة العاملة، غير أن الرواية تستطيع أن تكون خفيفة الروح شأن شخصيتها الرئيسية، وفي هذا إعجازها وغموضها، للقراء في تركيا وخارجها على السواء.
في العقود الأربعة ما بين 1969 و2012، عمل «مولود» في عدد من الوظائف المتنوعة بشوارع إسطنبول؛ من بيع الزبادي والأرز المطهو إلى حراسة موقف سيارات، يراقب مولود الناس بمختلف أشكالهم وشخصياتهم وهم يمرون في الشوارع، ويشهد تدمير وإعادة بناء المدينة، ويرى المهاجرين من الأناضول وهم يصنعون الثروات، وفي الوقت ذاته يشهد كل لحظات التحول المهمة في تاريخ المدينة؛ من صراعات سياسية وانقلابات عسكرية تشكِّل البلد، يتساءل مولود دائمًا عما يميزه عن الآخرين، عن مصدر الغرابة التي تعشش في عقله، ولكنه لا يتوقف عن بيع البوظة في ليالي الشتاء ويحاول أن يفهم من هي حبيبته.
ماذا يهم أكثر في الحب: ما نتمنى، أم ما يخبئه لنا القدر؟ هل تفرض علينا اختياراتنا السعادة، أم التعاسة، أم أن كل هذہ الأشياء تحددها قوى أكبر منا؟ تحاول رواية «غرابة في عقلي» الإجابة عن هذہ الأسئلة وهي ترسم التوتر بين حياة الحضر وحياة الأسرة، وغضب النساء وعجزهن داخل بيوتهن.
أما الكتاب الأول الذي أعادت الشروق إصداره فهو روايته ذائعة الصيت «اسمي أحمر»، وهي أشهر روايات باموق وأبعدها تأثيرا وانتشارا على الإطلاق، صدرت في الشهر الأخير من عام 1998 وتعتبر من أهم الروايات التي صدرت في العقد الأخير من القرن الماضي، ورفعت عدد اللغات التي ترجم إليها باموق إلى تسع عشرة لغة، كما احتلت المركز الأول في عدد مبيع نسخها إثر صدورها مدة طويلة، بلغ عدد النسخ المباعة من هذه الرواية في التركية مائتي ألف نسخة.
في هذه الرواية (تقع في 622 صفحة من القطع المتوسط) يذهب الكاتب إلى الرواية التاريخية متناولاً موضوعاً مثيراً هو (الفن التشكيلي الإسلامي) إذ يستمد عنوانها من اللون الأحمر الأكثر استخداماً في الرسم الإسلامي، ويأخذ باموق قارئه إلى عالم سحري؛ مليء بحكاياتٍ صغيرةٍ منبثقة من حكاياتٍ أكبر، تتصل ببعضها بتفاصيلَ مسرودةٍ بدقة شديدة عن النقش الإسلامي وتاريخه وحياة النـقَّاشين والخلافات التي دارت بينهم وبين الأرضروميين وقتئذ؛ وحِرفة تذهيب الكتب قديمًا؛ التي ظهرت في كتب السلاطين وحكايات تركية قديم، تدور أحداث الرواية حول لغز مقتل النقَّاش "ظريف"، ويتعدد الرواة في سرد تفاصيل مختلفة عن جريمة القتل؛ وأولهم ظريف أفندي وهو جثةٌ ميتةٌ تحكي لنا كيف انتقلت روحها من عالم الأحياء إلى عالم أكثر رحابة، وفي فصولٍ أخرى يسرد الكلب بعض القصص، والشيطان أيضًا يتحدث؛ ذلك أن في عُرْف باموق الخيالي؛ الجماد والأرواح يتناوبون سرد الأقاصيص.
الكتاب الثاني، الذي صدرت طبعة جديدة منه عن دار الشروق، كتاب «إسطنبول المدينة والذكريات»، الذي عدّ واحدا من أجمل وأهم كتب السيرة في السنوات الأخيرة؛ إذ بقدر ما هو جزء من سيرة شخصية، هو سيرة مدينة تجمع بين أوروبا الممثِّلة للغرب وآسيا الممثِّلة للشرق، في هذا الكتاب الساحر يقدم أورهان باموق التاريخ الثري لهذه المدينة، مستعينًا بذكرياته وبذكريات هؤلاء الذين سبقوه؛ فكتبوا ورسموا وصوَّروا وأرَّخوا لمراحل حياة إسطنبول، البحث الذي أجراه باموق ليكتب هذا الكتاب الدقيق والمفصَّل، فيقدِّم لنا بانوراما شاملة تمتزج فيها الاقتباسات من المراجع مع سرد المؤلف السَّلِس.
في تصويره للمدينة يحكي باموق قصة حياته وتاريخ أسرته، بأسلوب غني بالشجن، يضفر باموق تاريخه الشخصي مع انطباعاته عن المدينة وتراثها، ويُهدينا عملًا مفعمًا بحبه لإسطنبول، والذي أصبح من أهم أعمال باموق وأرقى ما كُتب عن هذه المدينة.
«البيت الصامت» هو الكتاب الثالث الذي أعادت دار الشروق إصداره في طبعة جديدة لباموق ومن ترجمة عبد القادر عبد اللي، في بيت قديم بقرية على أطراف إسطنبول، تنتظر الأرملة العجوز فاطمة الزيارة العائلية لأحفادها. لقد عاشت فاطمة في هذه القرية لعقود طويلة منذ أن جاءت مع زوجها الطبيب الشاب ليساعد الصيادين الفقراء، لكنها الآن طريحة الفراش، يخدمها القزم المخلص رجب، وهو ابن غير شرعي لزوجها الراحل، ولكن انضمام حسن؛ ابن شقيق رجب، إلى التيار القومي الصاعد في تركيا في ذلك الوقت، سيجذب هذه الأسرة نحو صراع تركيا مع الحداثة... رواية مؤثرة عن أسرة تركية تجتمع في ظل الانقلاب العسكري الوشيك الذي حدث في تركيا في عام 1980.
aXA6IDMuMTM3LjIxOS42OCA= جزيرة ام اند امز