الاحتلال يستهدف الصحفيين الفلسطينيين لحجب الحقيقة عن العالم
100 منهم أصيبوا منذ اندلاع الانتفاضة
السبب الوحيد لاستهداف قوات الاحتلال للصحفيين هو "حجب الحقيقة" عما يجري من انتهاكات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل"
اتخذ المصور الفلسطيني إبراهيم أبو ريدة موقعه في منطقة تبعد قليلاً عن المواجهات التي اندلعت بين عشرات الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، ظانًّا أن تلك المسافة بينه وبين المواجهات ستسمح له بالتصوير وهو في مأمن من الاصابة، قبل أن تباغته رصاصة في صدره، في الثلاثين من شهر أكتوبر الماضي شرق خان يونس جنوب قطاع غزة.
وفي اليوم ذاته لم يكن الصحفي ضياء حوشية أحسن حالاً من زميله إبراهيم، إذ اتخذ ومجموعة من الصحفيين مكاناً هادئاً في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، ما ظنوه إجراء احتياطيا يحول دون إصابتهم على أيدي جنود الاحتلال، فإذا بضابط إسرائيلي وسط مجموعة من جنوده يتقدم صوبهم ويرش وجوهم بغاز الفلفل من مسافة صفر.
يجْزِم أبو ريدة مصور وكالة "إيلياء" أن جنود الاحتلال تعمّدوا إطلاق الرصاص نحوه، وإيقاع الإصابة فيه، بعدما لاحظوه يوثق بالصور مشاهد المواجهات، وما ينتج عنها من إصابات في صفوف الفلسطينيين "إذ لم يكن هناك أي خطر شديد من الفتية والشبان على جنود الاحتلال يستدعي إطلاق الرصاص الحي" بشكل مباشر عليهم، علاوة على الصحفيين.
ويستخدم الفلسطينيون منذ هبّتهم بداية شهر أكتوبر الماضي، الحجارة والزجاجات الفارغة في مواجهتهم المستمرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلية التي تقابلهم باستخدام الرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع، ما أدى إلى استشهاد (80) فلسطينياً، وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين، من بينهم نحو مائة صحفي أصيبوا إصابات متفاوتة، حسب إحصائية نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
استهداف متعمد
يؤكد حوشية مراسل قناة "الغد العربي" في الضفة الغربية، أن استهدافه مع مجموعة من الصحفيين من ضابط إسرائيلي معروف بموقفه العدائي للصحفيين، متعمد، إذ "كل الدلائل تشير إلى هدوء المنطقة التي نراقب منها المواجهات بين جنود الاحتلال والشبان في البيرة".
ويتابع "لم يكن بالقرب من تجمع الصحفيين يومذاك أي مواجهة.. بالعكس المواجهات كانت في المنطقة المقابلة للصحفيين".
ويعزو حوشية أسباب استهدافه يومها إلى "وجود تعليمات لقوات الاحتلال باستهداف الصحفيين الفلسطينيين لمنعهم من توثيق جرائم الاحتلال وفضح صورتهم أمام العالم"، وهو ما يعتقده أبو ريدة "المنطقة التي أُصبت فيها كانت خالية تماماً من أي مواجهة"، لكن الهدف من التعرض لهم "منع نقل الحقيقة للعالم.. الحقيقة التي تبرهن بالدليل القاطع أن فتيانا وشبانا صغارا يواجهون بصدورهم العارية وحجارتهم جنودا مدججين بالأسلحة.
حجب الحقيقة
ويرى مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية موسى الريماوي، أن السبب الوحيد لاستهداف قوات الاحتلال للصحفيين هو "حجب الحقيقة" عما يجري من انتهاكات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل"، ويضيف الريماوي "يعتقد الاحتلال أن التغطية الإعلامية ستضرّ بصورته في العالم".
ويدلل الريماوي على تعمد قوات الاحتلال استهداف الصحفيين خلال الهبّة الشعبية الحالية، بحجم الإصابات الكبير في غضون شهر واحد (100) إصابة، مقارنة بتوثيق مركزه (350) اعتداءً ضد الصحفيين الفلسطينيين منذ بداية السنة الحالية، بمعدل يصل إلى (38) اعتداء ضد الصحفيين في كل شهر.
اعتداءات ممنهجة
ويصف نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، شهر أكتوبر بأنه "شهر الصحفيين الدامي نظراً لحجم الاعتداءات التي طالتهم"، ويضيف "هو أكثر شهر شهد اعتداءات ضد الصحفيين طوال السنة".
ويؤكد الأسطل أن قوات الاحتلال تتعمد استهداف الصحفيين الفلسطينيين وغيرهم من الصحفيين الأجانب، إذا ما وثّقوا أي مشهد يمكن أن يدينهم في مؤسسات القضاء الوطنية أو الدولية، فضلاً عن فضحهم على الملأ.
وتذهب المنظمات الحقوقية، إلى أن قوات الاحتلال تتعمد في الكثير من الحالات استهداف الصحفيين، فيما بدا محاولة لحجب الحقيقة.
ويقول نائب مدير وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ياسر عبد الغفور إن "قوات الاحتلال مستمرة في نهج استهداف الصحفيين، عند كل تصعيد أو عدوان تمارسه"، لافتاً إلى أن غالبية الاعتداءات ضد الصحفيين، بدا أن هناك حالة تعمد من قوات الاحتلال من أجل إرهاب الصحفيين ومنعهم من تغطية الاعتداءات التي تمرسها قوات الاحتلال.
ويشير عبد الغفور "إلى السجل الأسود الحافل لقوات الاحتلال في اقتراف الجرائم ضد الصحفيين، واستهدافهم على وجه الخصوص، في محاولة لحجب الحقيقة، والتغطية على استخدامها المفرط للقوة وانتهاكاتها الجسيمة لمواثيق حقوق الإنسان".
ووقعت الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين في غمرة إحياء الصحفيين حول العالم "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم"، الذي يصادف الثاني من شهر نوفمبر من كل عام.
ملاحقة المعتدين
يشير الصحفيان أبو ريدة وحوشية إلى اتخاذهما وكل الصحفيين العاملين كل إجراءات السلامة المعروفة دولياً، من ارتداء دروع مميزة للصحفيين، وعدم اقترابهم من مناطق المواجهات الساخنة، وهو ما يؤكده الأسطل بقوله "النقابة تعقد باستمرار الدورات وورش العمل حول إجراءات الأمن والسلامة للصحفيين، وتصدر بيانات باستمرار لتذكير الصحفيين باتخاذ أقصى إجراءات الأمن والسلامة".
لكن الريماوي يشدد على أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بصرف النظر عن اتخاذهم الإجراءات المتعارف عليها دولياً أم لم يتخذوها، "هو عنده مهمة تؤكد ضرورة منع نقل جرائمه للعالم كي لا يلطخ صورته وكي يدمر أدلة الإدانة".
لم يقف حوشية مكتوف الأيدي أمام الاعتداء المتعمد عليه، وتوجه لمنظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية لمقاضاة الضابط الإسرائيلي وجنوده في محاكم الاحتلال رغم اعتقاده بافتقارها للعدالة والنزاهة "لكن هذا تأكيد على حقنا في ضرورة ملاحقة ضباط الاحتلال وجنوده كي لا يشعروا بأننا نتركهم يقتلون ويجرحون فينا دون ملاحقة".
ويؤكد الريماوي "أن المحاكم الإسرائيلية لا يمكن أن تقتنع بالأدلة التي تدين الضباط والجنود بل تعمل على إيجاد المبررات لتبرئتهم من الإدانة"، لذلك لا يعمد مركزه إلى رفع القضايا ضد الجنود والضباط في تلك المحاكم.
ويتفق الأسطل مع الريماوي، ويضيف أن نقابته أعدت ملفاً كاملاً عن الاعتداءات التي طالت الصحفيين في الهبة الشعبية الحالية وفي الحرب العدوانية على قطاع غزة عام 2014، وسترفعه عبر الاتحاد الدولي للصحفيين إلى محكمة الجنايات الدولية.
وقتل 17 صحفياً من بين 2217 فلسطينياً استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة الذي بدأ في 8 يوليو/تموز 2014، واستمر 51 يوماً.
وسيصل وفد من الاتحاد الدولي للصحفيين إلى الأراضي الفلسطينية في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر الجاري، وقبله بيوم سيصل وفد الاتحاد العام للصحفيين العرب، لتقصي الحقائق حول جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين، حسب نائب نقيب الصحفيين.
وأوضح الأسطل أن نقابته ستسلم وفد الاتحاد الدولي للصحفيين ملف الاعتداءات لإيداعه محكمة الجنايات الدولية، للبدء في اتخاذ إجراءات حقيقية لملاحقة ضباط الاحتلال وجنوده.