مصر وإيران.. علاقة متوترة وتمثيل دبلوماسي هزيل منذ 35 عاماً
تشهد العلاقة بين القاهرة وطهران توترا متصاعدا منذ ما يقارب الـ 35 عاماً، ويتوقع خبراء أنها لن تتحسن بعد الأزمة السعودية الإيرانية.
تشهد العلاقات المصرية الإيرانية ومنذ 35 عاماً حالة من التوتر والفتور بين الجانبين لعدة أسباب تتعلق بالانحيازات السياسية لكلا الطرفين، ومحاولة إيران المستديمة ضرب الاستقرار في بعض الدول العربية بدعم جماعات مسلحة، ولعب دور إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر تقابله مصر وتتعامل معه بحذر وإدانة بالغة.
كانت هذه العلاقات على وفاق خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، لكنها انهارت بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه في 11 شباط /فبراير 1979، وبخاصة بعد استقبال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات له، كما أن توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في أيلول / سبتمبر1979 في وقت نصبت فيه إيران نفسها مدافعا عن حقوق الدولة الفلسطينية أدت إلى انهيار العلاقات بشكل تام .
لكن هذين السببين لم يكونا الأخيرين وراء انهيار العلاقات بين القاهرة وطهران، حيث جاء دعم مصر للعراق في حربها مع إيران إبان عهد الرئيس السابق صدام حسين، والاحتلال الإيراني دون وجه حق لجزر عربية في أراضٍ عربية خالصة، ودعم التجمعات الشيعية الموجودة في دول عربية كالسعودية والبحرين والكويت، والجماعات المسلحة كالحوثيين في اليمن ونظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله اللبناني، جاء كل هذا كأسباب أخرى وراء فتور العلاقات وتوترها.
وكان الحكم على خلية حزب الله اللبناني في نيسان / أبريل 2009 أثار غضبة القاهرة، وقامت وزارة الخارجية باستدعاء رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة آنذاك حسين رجبي، وأبلغته رسالة احتجاج قوية على تصريحات عدد من المسؤولين الإيرانيين حول تعليقهم على إدانة " خلية حزب الله" التي اتهمت بارتكاب أعمال تهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن في مصر .
كما تقدر القاهرة الأمن القومي لدول الخليج الذى يعد أمنا عربيا لها كذلك، وتسعى لعرقلة أي تمدد شيعي في المنطقة، وتحاول كبح جماح الأطماع الإيرانية والتركية من بسط نفوذهما في المنطقة العربية، وهى أسباب أخرى .
وداخليا، هناك وجهات نظر مصرية ترى تورط إيران في دعم الجماعات الجهادية في مصر، كجماعة "الجهاد الإسلامي" وبخاصة في التسعينيات، كما كان إطلاق إيران اسم "خالد الإسلامبولي" والذي خطط لعملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على ثلاثة شوارع فيها أمر زاد من التوتر وعدم الالتقاء.
تحسن طفيف
شهدت العلاقات بين البلدين تحسنا طفيفا وبخاصة عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في مصر والإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى رحبت به إيران واعتبرت أنها "صحوة إسلامية".
وأعقب ذلك إعلان وزير الخارجية المصري نبيل العربي آنذاك أن مصر بصدد فتح صفحة جديدة مع جميع الدول بما فيها إيران، ثم سافر وفد دبلوماسي شعبي مصري لإيران بغرض التمهيد لعودة العلاقات، وإبداء طهران مرونة في ذلك، وسادت أجواء متفائلة بين الطرفين.
لكن عادت هذه العلاقات إلى انتكاستها الأولى بعد تبادل اتهامات دبلوماسية بالتجسس على مصر.
تقارب إيران والإخوان
لكن كان الصعود السياسي لجماعة الإخوان الإرهابية في مصر عقب هذه الثورة، وبالرغم من الاختلافات المذهبية والعقائدية بين الجماعة والإيرانيين، مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين، ولاحت في الأفق بوادر انفراجه ولأول مرة منذ هذه السنوات الطوال .
وبالرغم من تداول سياسيين ونشطاء مقطع فيديو للرئيس المعزول محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، قبل توليه الرئاسة تعهد فيه بعدم لقاء السفير الإيراني لدى القاهرة إلا أنه زار العاصمة الإيرانية .
ومثّلت زيارته إلى طهران في آب/أغسطس 2012، لحضور قمة "دول عدم الانحياز" المرة الأولى لرئيس مصري يزور إيران منذ 34 عاماً، وهو ما أعقبه رد من قبل الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في شباط / فبراير 2013 حيث زار القاهرة للمشاركة في القمة الإسلامية.
وأثارت زيارة "نجاد" هي الأخرى جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية المصرية، وحاول نحو 4 أشخاص قيل إنهم ينتمون للسلفية المصرية وبعضم سوريون الاعتداء بالحذاء على الرئيس الإيراني أثناء خطبته في الجامع الأزهر .
لكن مؤسسة الأزهر الشريف وشيخها أحمد الطيب طالبا في بيان لهما عقب لقائه بـ"احترام البحرين كدولة عربية"، وإعطاء أهل السنة خاصة في إقليم "الأهواز" الإيراني حقوقهم كاملة كمواطنين، فضلاً عن "وقف نزيف الدم في سوريا وعدم دعم نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، كما طالباه بـ"استصدار فتاوى من المراجع الدينية الشيعية تجرم وتحرم سب زوجة الرسول محمد عائشة وصحابته حتى يمكن لمسيرة التفاهم بين الطرفين أن تنطلق".
وعلى إثر تلك الزيارات والانفراج في العلاقات رفع كلا البلدين التمثيل الدبلوماسي بينهما، لكن بقى على مستوى "القائم بأعمال" وليس مستوى السفراء.
إيران والسيسى
عقب الإطاحة بجماعة الإخوان من الحكم إثر احتجاجات شعبية ساندها الجيش المصري في تموز / يوليو 2013 عادت إيران للتدخل في الشأن المصري وانتقدت هذه الخطوة، ما أثار غضبة القاهرة.
لكن طهران راوغت وتراجعت حيث رحبت رسميا بنجاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الانتخابات، وهنأت الخارجية الإيرانية القاهرة بنتيجة الانتخابات، وهو ما دفع القاهرة إلى دعوة الرئيس الإيراني "حسن روحاني" لزيارتها لحضور مراسم تنصيب الرئيس المصري.
لكن هذه العلاقة لم تدم طويلاً، حيث شهدت أيضاً اتهامات مستترة حول الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد ودعم الانقلابين الحوثيون في اليمن، وكان لدخول مصر في التحالف العربي في اليمن ودعمه أثر في إبعاد التقارب بين البلدين.
الأزمة السعودية الإيرانية
بعد ساعات من إعلان المملكة العربية السعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، إثر قيام متظاهرين إيرانيين بحرق سفارتها في طهران وقنصليتها في "المشهد" أعلنت مصر رسميًّا وشعبيًّا على مدار اليومين الماضيين إدانة ذلك الحادث، وطالبت طهران باحترام حرمة مقرات البعثات الدبلوماسية طبقا للاتفاقيات الدولية.
ويتداول البعض حالياً تكهنات بأن مصر ستقدم على خطوة قطع العلاقات تضامنا مع حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، بينما استبعد البعض أن تقدم مصر على تلك الخطوة، ولكن وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي يستبعد إقدام مصر على هذه الخطوة، مشيرا إلى أن العلاقات بين مصر وإيران ليست على مستوى السفراء، بل على مستوى القائم بالأعمال منذ سنوات.
وتابع العرابي في تصريحات صحفية اليوم الاثنين: "بعد ثورة 25 يناير حاولت مصر تحسين العلاقات ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، لكنها حرصت على غضب دول الخليج، فأبقت على العلاقة الدبلوماسية كما هي".
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق أحمد القويسني: إن مصر تضامنت مع السعودية في الأزمة، وخرجت ببيان يدين الاعتداء على سفارتها بطهران.
وأضاف أن التمثيل الدبلوماسي المصري مع إيران ليس على مستوى السفراء، إنما على مستوى رئيس بعثة رعاية مصالح، وهو يعني أن التمثيل ليس قويا، ومصر تدعم المملكة العربية في مواقفها بالتأكيد، وتؤيدها فيما أقدمت عليها، كما أدانت ما تعرضت له سفارتها وقنصليتها".
وكانت ردود أفعال مصرية (رسمية وشعبية وإعلامية ) توالت على إضرام النيران في السفارة السعودية بطهران.
وأدنت وزارة الخارجية المصرية الحادث وطالبت طهران باحترام حرمة البعثات الدبلوماسية وتأمين العاملين فيها طبقا للاتفاقات الدولية.
وعلى المستوى الشعبي دشن مصريون هاشتاق "مصر تدعم السعودية"، وإعلاميا وحزبيا توالت الإدانات لحرق السفارة السعودية .