المواجهة النووية بين روسيا وأمريكا.. ترامب يستعير قاموس أزمة 1962

تصاعدت حدة التوتر النووي بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مستوى لم يشهده العالم منذ عقود، بعد تبادل تصريحات حادة بين الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، ما أعاد للأذهان أجواء أخطر لحظات الحرب الباردة.
الأزمة تفجرت حين حذّر ميدفيديف من أن العقوبات الأمريكية الجديدة المحتملة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا تمثل "خطوة نحو الحرب" مع قوة نووية كبرى، ملمحًا إلى خيار الرد النووي، بحسب مجلة ناشيونال إنترست.
وللتأكيد على تهديده، لجأ إلى لغة غامضة تجمع بين صور الخيال والرعب وإرث الأنظمة النووية السوفياتية، داعيا ترامب لمشاهدة فيلم الرعب الكلاسيكي ليلة الموتى الأحياء (1968) وتذكّر نظام "اليد الميتة" — آلية قادرة على إطلاق ضربة نووية تلقائيا في حال تدمير القيادة الروسية.
ترامب رد بلهجة غير مسبوقة عبر منصة "تروث سوشيال"، واصفا تصريحات ميدفيديف بـ"الاستفزازية للغاية" و"الحمقاء والمُلهبة". وأصدر أمراً عملياتياً ملموساً: "لقد أمرتُ بتمركز غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة". وختم برسالة تحذيرية لبوتين وميدفيديف: "الكلمات مهمة جداً، وغالباً ما تؤدي إلى عواقب غير مقصودة. آمل ألا تكون هذه إحدى تلك الحالات".
صدى تاريخي مقلق
يُعد إعلان ترامب هذا أول كشف علني من رئيس أمريكي – حالي أو سابق – عن إعادة تموضع القوات النووية تجاه خصم منذ خطاب الرئيس جون كينيدي التاريخي في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1962، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية.
آنذاك، كشف كينيدي عن اكتشاف الصواريخ السوفياتية في كوبا ورفع حالة التأهب النووي الأمريكي إلى "DEFCON 3"، في مواجهة مباشرة مع موسكو كادت تدفع العالم لحرب نووية.
بين الاستعراض والاستراتيجية
سارع منتقدو ترامب إلى وصف خطوته بـ"الاستعراض"، مشيرين إلى أن الغواصات النووية الأمريكية الاستراتيجية (حاملات الصواريخ الباليستية) قادرة على ضرب روسيا من مواقعها الاعتيادية، وأن تهديده غامض.
لكن محللين استراتيجيين يرون أن الإعلان قد يحمل طبقة أعمق من "الغموض المتعمد"، فـ"إعادة التموضع" قد تشير إلى تحريك الغواصات الهجومية (حاملة الصواريخ التقليدية) لتهديد الغواصات الروسية مباشرة، أو لتموضعها في نقاط تسمح بضربات خاطفة كتلك التي دمرت منشآت إيران النووية.
ترامب: قلق نووي متجذر
على الرغم من الجدل السياسي المحيط بترامب، يظهر مسار تصريحاته اهتمامًا استثنائيًا بالخطر النووي، متأثرًا — بحسب مقربين — بعمه جون ترامب، أستاذ الهندسة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، الذي ناقش معه هذه المخاطر منذ شبابه.
وقد ظل ترامب يربط الحرب في أوكرانيا بإمكانية الانزلاق إلى مواجهة نووية، محذرا في 2023، بالقول: "إذا قرر بوتين استخدام سلاحه النووي، فهذه هي النهاية".
وفي مناظرة سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأ حديثه عن أوكرانيا بالتركيز على "أن بوتين يمتلك أسلحة نووية... وفي النهاية قد يستخدمها". وحتى عندما سأله إيلون ماسك عن التهديد الأكبر للبشرية، أجاب ترامب بمصطلحه المثير: "الاحتباس النووي"، وليس الاحتباس الحراري.
رؤية مستقبلية: دروس من الحرب الباردة
ويبدو أن ترامب يستلهم دروس أزمة الصواريخ الكوبية ونهج كينيدي في تجنب الكارثة عبر المواجهة الحازمة مع ضمان مساحة للتراجع.
وتشير التصريحات إلى أنه قد يطرح رؤية مستقبلية تجمع بين سياسة "الانفراج التي اتبعها نيكسون وكيسنجر مع الاتحاد السوفياتي، وفلسفة كينيدي في بناء "عالم آمن للتنوع" بعد الأزمة الكوبية، حيث يكون الهدف الأسمى منع الصراع النووي رغم الخلافات الإيديولوجية.