4 سنوات على إطلاق «مسبار الأمل».. إنجازات غير مسبوقة لخدمة البشرية
في مثل هذا اليوم قبل 4 سنوات، انطلق "مسبار الأمل" الإماراتي، في أول مهمة عربية وإسلامية لاستكشاف الكوكب الأحمر.
انطلق "مسبار الأمل" من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان على متن صاروخ الإطلاق "إتش 2 إيه" في رحلته التاريخية لاستكشاف المريخ، في 20 يوليو/ تموز 2020، ليصبح هذا اليوم محطة مهمة في مسيرة التقدم العلمي والفضائي لدولة الإمارات.
ومع وصول المسبار إلى المريخ في 9 فبراير/شباط2021 ، أضحت الإمارات أول دولة عربية وخامس دولة في العالم تصل بنجاح إلى مدار الكوكب الأحمر، في إنجاز علمي وفضائي تاريخي.
كما أضحى مسبار الأمل مصدر إلهام مئات الملايين من 56 دولة "عربية وإسلامية"، لتكرار هذا الإنجاز، بعد نجاح الإمارات في تسجيل حضور علمي وبحثي عربي مشرّف في مجال استكشاف كوكب المريخ.
تحل اليوم ذكرى مرور 4 أعوام على الإطلاق، مع توالي الإنجازات العلمية التي يحققها المسبار عبر إرساله بيانات ومعلومات قيمة وغير مسبوقة عن الكوكب الأحمر تنفيذاً لمهمته العلمية التي تصب في خدمة البشرية جمعاء.
ضمن أحدث تلك الإنجازات العلمية، أعلن مشروع مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، فبراير/شباط الماضي عن سلسلة من الاستكشافات الجديدة والمتفردة المستمدة من القياسات الأولى للغلاف الجوي للمريخ على مدار عام مريخي كامل.
وبمناسبة تلك الذكرى التاريخية، نستعرض في السطور التالية أبرز مراحل تطور المشروع منذ أن كان فكرة إلى أن أضحى أحد أبرز الإنجازات العلمية في تاريخ الإمارات والعالم العربي والإسلامي.
بداية الفكرة
كان مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" قد بدأ كفكرة طُرحت في الخلوة الحكومية عام 2013 في جزيرة صير بني ياس، ضمن أفكار أخرى للاحتفال بطريقة مميزة باليوم الوطني الخمسين للدولة في العام 2021 (اليوبيل الذهبي لتأسيس الدولة).
وفي 16 يوليو/ تموز 2014، تحول إرسال مسبار لاستكشاف المريخ من فكرة خضعت للدراسة والتخطيط الدقيق إلى مبادرة وطنية استراتيجية تحت اسم مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ. وتم اختيار اسم "مسبار الأمل" ليكون رسالة أمل من دولة الإمارات إلى شباب وشعوب المنطقة والعالم.
وتم تكليف مركز محمد بن راشد للفضاء بإدارة وتنفيذ جميع مراحل المشروع، في حين تولت وكالة الإمارات للفضاء الإشراف العام على المشروع الذي يعد ثمرة تعاون وثيق بين فريق من العلماء والباحثين والمهندسين الإماراتيين وشركاء دوليين للمعرفة من أنحاء العالم لتطوير القدرات اللازمة لتصميم وهندسة مثل هذا النوع الدقيق من المهمات الفضائية.
واستمر العمل في تصميم وتنفيذ وبناء المسبار 6 سنوات، وتم إنجازه في فبراير 2020، وهي نصف المدة المعتادة في مثل هذا النوع من المشاريع والتي تتراوح بين 10 و12 عاماً، وتم ذلك بكفاءة عالية وفي وقت قياسي.
كما تم إنجاز المشروع بنصف التكلفة الاعتيادية للمشاريع العلمية الأخرى إلى كوكب المريخ حيث بلغت التكلفة 200 مليون دولار، وتعتبر من بين الأقل في العالم قياسا بمهمات ومشروعات مماثلة وذلك بفضل جهود الكوادر الهندسية والبحثية والعلمية الوطنية.
أول عد تنازلي بالعربية
وفي أبريل 2020 تمكن فريق المشروع من تخطي التحديات الناجمة عن التفشي العالمي لجائحة كورونا آنذاك، ونجح في نقل المسبار من مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي إلى قاعدة الإطلاق في تناغاشيما باليابان، في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً.
وفي 20 يوليو 2020 جرت عملية الإطلاق بنجاح عند الساعة 01:58 صباحاً بتوقيت الإمارات. ولأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية، وسط متابعة مكثفة من جانب وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية.
وعلى مدار الأشهر السبعة التالية، قطع مسبار الأمل 493 مليون كيلومتر، وخلال هذه الرحلة قام فريق العمل بإجراء عدة عمليات ناجحة لتوجيه مسار المسبار.
إنجاز تاريخي
وفي الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أنجز فريق عمل مسبار الأمل بنجاح مناورة توجيه المسار الثالثة والأخيرة، ليتحدد -على إثرها- بدقة موعد وصول المسبار إلى مدار المريخ يوم 9 فبراير 2021 عند الساعة 7:42 مساء بتوقيت الإمارات.
وفي الموعد المحدد، دخل المسبار بنجاح إلى مدار المريخ لتصبح الإمارات خامس دولة في العالم تحقق هذا الإنجاز التاريخي.
ويحمل المسبار على متنه 3 أجهزة، وهي:
- كاميرا الاستكشاف لالتقاط صور رقمية ملونة عالية الدقة للكوكب ولقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي.
-المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء لقياس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية في الطبقة السفلى للغلاف الجوي.
- المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية لقياس الأوكسجين وأول أكسيد الكربون في الطبقة الحرارية وقياس الهيدروجين والأكسجين في الطبقة العليا للغلاف الجوي.
وتوجت الإمارات بذلك الـ50 عاماً الأولى منذ تأسيسها عام 1971 بحدث تاريخي وعلمي غير مسبوق، ليكون هذا الإنجاز احتفالاً يليق باليوبيل الذهبي لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، ملخصاً قصتها الملهمة، كدولة جعلت ثقافة اللامستحيل فكراً ونهج عمل وترجمةً حيةً على الأرض.
الصورة الأولى
وفي يوم 14 فبراير/ شباط 2021 تم نشر أول صورة التقطها مسبار الأمل لدى وجوده في مدار المريخ للكوكب الأحمر وفقاً للخطط الزمنية الموضوعة، مدشناً بذلك بداية مرحلة لجمع بيانات ومعلومات جديدة عن كوكب المريخ.
ونشر الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان، رئيس دولة الإمارات، تلك الصورة عبر حسابه في موقع "إكس"، وغرد قائلا :" إرسال أول صورة للمريخ بعدسة "مسبار الأمل".. بشرى خير، وفرحة جديدة.. ولحظة فارقة في تاريخنا، تدشن انضمام الإمارات إلى نخبة دول العالم المتقدمة في استكشاف الفضاء".
وقد تابع هذه الصورة الملايين في دولة الإمارات والوطن العربي والعالم بشغف، والتي ستخلد في كتب التاريخ باعتبارها أول صور يلتقطها مسبار عربي يصل إلى أبعد نقطة في الكون، وأول صورة تُلتقط لكوكب المريخ بأجهزة علمية حديثة ومبتكرة تديرها وتشغلها كفاءات وطنية إماراتية.
مهام رئيسية
انطلقت مهمة مسبار الأمل لتحقيق 3 أهداف علمية رئيسية تغطي فهم عوامل الغلاف الجوي السفلي، وفقدان الغلاف الجوي العلوي، والرابط بين الاثنين.
وتساعد هذه الأهداف في الكشف عن أسرار الغلاف الجوي المريخي وكيف يفقد غلافه إلى الفضاء، حيث يسمح المدار الفريد لـ"مسبار الأمل" للمجتمع العلمي الدولي باستكشاف التغير اليومي والموسمي للغلاف الجوي المريخي من خلال تحليل بيانات المهمة.
وعلى مدار فترة المهمة توالى كشف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل"، عن البيانات العلمية عن الغلاف الجوي للمريخ من السطح وحتى الحواف الخارجية له يومياً على دفعات.
وبعد إكمال المهمة العلمية الأساسية لجمع البيانات حول الغلاف الجوي للمريخ لمدة عام مريخي كامل - ما يعادل عامين على كوكب الأرض - تم إعلان تمديد المهمة لفهم التغيرات السنوية للغلاف الجوي المريخي لمدة سنة أرضية إضافية.
وبذلك لم تحقق المهمة أهدافها العلمية الأساسية فحسب، بل فاقت بشكل ملحوظ أهدافها العلمية الأساسية المعلنة.
فمنذ وصوله إلى مداره حول كوكب المريخ، أصدر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، 9 دفعات من البيانات، بلغ حجمها 3.3 تيرابايت عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ.
وقدم المسبار، مساهمات كبيرة للمجتمع العلمي الدولي، حيث نشر 19 ورقة علمية وبحثية جديدة في مجلّات علمية عالمية ومرموقة، كما نجح في تحقيق إنجازات تاريخية، الأمر الذي ساهم في تحقيق اكتشافات علمية جديدة ومتفردة منها:
-تقديم صور جديدة وأكثر شمولية لقمر المريخ الأصغر والأقل شهرة "ديموس".
-التقاط أول صورة شاملة لظاهرة الشفق المنفصل في الغلاف الجوي للمريخ أثناء الليل باستخدام الأشعة فوق البنفسجية البعيدة
- قدم معلومات هي الأولى من نوعها حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في أوقات مختلفة
- أرسل صور بركان "أوليمبوس مؤنس" الذي يعد أكبر بركان في المجموعة الشمسية.
- تسجيل ملاحظات فريدة حول العواصف الغبارية المريخية وطريقة تطورها وانتشارها في مساحات شاسعة من الكوكب.
إنجازات غير مسبوقة
ويتزامن مرور 4 أعوام على إطلاق المسبار إلى الفضاء مع توالي الإنجازات العلمية التي يحققها المسبار عبر إرساله بيانات ومعلومات قيمة وغير مسبوقة عن الكوكب الأحمر تنفيذاً لمهمته العلمية.
وأعلن مشروع مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، فبراير/شباط الماضي عن سلسلة من الاستكشافات الجديدة والمتفردة المستمدة من القياسات الأولى للغلاف الجوي للمريخ على مدار عام مريخي كامل.
وشارك الفريق العلمي لـ"مسبار الأمل"، في الذكرى السنوية الثالثة لوصول المسبار إلى مداره فبراير/ شباط، مجموعة من الصور المتميزة، بما في ذلك رسم متحرك يوضح تغيرات انبعاثات الأكسجين على مدار أكثر من عام مريخي، التي اُلتقطت بواسطة المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية.
وأبرزت لقطات مقياس طيفي بالأشعة فوق البنفسجية، التغيرات في مستويات الأكسجين خلال عام مريخي مع اقتراب الكوكب من الشمس، وهو ما لم تسبق مشاهدته بهذا الشكل قبل هذه المهمة.
بالإضافة إلى ذلك، عرض الفريق العلمي صورًا من المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء(EMIRS) والتي تظهر خرائط عالمية يومية للغبار والجليد على مدار عام مريخي كامل، ما يسهل عملية التحليل والفهم العميق للتباين اليومي لهذه العناصر.
وفي ختام هذه السلسلة، قدم الفريق العلمي صورًا من كاميرا الاستكشاف الرقمية (EXI) تبين التغيرات البصرية للكوكب، خلال سلسلة من 12 صورة التقطت خلال عام مريخي كامل، وتعكس آثار التغييرات الموسمية على المريخ.
وبتلك الإنجازات، نجح مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" في تعزيز مكانة الإمارات في المجتمع العلمي العالمي كدولة منتجة للمعرفة، عبر توفيره معلومات لم يصل إليها الإنسان من قبل حول مناخ وطقس والغلاف الجوي للمريخ ، وإجابته على العديد من الأسئلة التي حيرت العلماء حول أسرار تحول المريخ إلى كوكب جاف وقاسي المناخ، كما هو حاله حالياً رغم وجود آثار لمياه على سطحه.
وتماشياً مع تعهدها بالنهوض بتكنولوجيا الفضاء لخدمة البشرية، شاركت دولة الإمارات تلك المعلومات والبيانات العلمية غير المسبوقة مع أكثر من 200 مؤسسة علمية ومركز أبحاث حول العالم بشكل مجاني، الأمر الذي عزز من مكانة الإمارات كدولة منفتحة على التعاون والشراكة مع مختلف دول العالم لما فيه خير وتقدم الإنسانية.
وتتويجا لتلك الجهود، منحت الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية، فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل"، جائزة لوريلز للإنجاز الجماعي لعام 2023، وذلك خلال الدورة الرابعة والسبعين للمؤتمر الدولي للملاحة الفضائية IAC-2023 في العاصمة الأذربيجانية باكو، تقديرا لجهودهم ومساهمتهم في إثراء المجتمع العلمي الدولي بالكثير من البيانات المهمة والدقيقة عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ التي ساهمت في رسم خريطة شاملة للغلاف الجوي، إلى جانب الكشف عن ملاحظات غير مسبوقة عن قمره الأصغر "ديموس".