كعكة الأقمار الاصطناعية.. صراع شرس في الفضاء بين اقتصادات العالم
حجمه يقترب من نصف تريليون دولار في 2024
يكشف الارتفاع الهائل في عدد الأقمار الاصطناعية عن اقتصاد ضخم ينمو بسرعة الصاروخ، ليصبح في المستقبل القريب لاعبًا فاعلاً في الاقتصاد العالمي ومحركًا قويًا للصراعات الدولية في الفضاء.
وقد شهد اليوم، إطلاق أول قمر اصطناعي تركي محلي الصنع، كما يوافق اليوم أيضًا إطلاق أول قمر صناعي للاتصالات في العالم باسم "تلستار 1" والذي كان ينقل البرامج التلفزيونية بين أوروبا والولايات المتحدة، تحديدًا في ٩ يوليو عام 1962.
وقد انطلق أول قمر اصطناعي إلى الفضاء بقيادة الاتحاد السوفييتي، وذلك على مدار الأرض المنخفض في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1957 في إطار برنامج الفضاء السوفييتي، حيث كان "سبوتنك 1" بمثابة طفرة في صناعة الفضاء في ذلك الوقت، وعلى مدار عقود مضت تطورت تلك الصناعة بقوة،
نمو هائل في عدد الأقمار الاصطناعية
في عام 2021، كان هناك أكثر من 3,372 قمرًا صناعيًا عاملًا في الفضاء، مقارنة بـ1,738 قمرًا في عام 2016، مما يعكس نموًا بنسبة 94% خلال خمس سنوات فقط.
كما تكشف إحصائية أخرى أنه في عام 2022، كان هناك ما يقدر بنحو 6905 أقمارًا صناعية نشطة تدور حول الأرض، بزيادة قدرها 2105 أقمار صناعية نشطة مقارنة بـ2021، يأتي ذلك في ظل توقعات بأن يتم إطلاق حوالي 20 ألف قمر صناعي جديد بحلول نهاية العقد - وهي توقعات أكثر تحفظًا مقارنة بالتوقعات الأخرى عالية الارتفاع.
- «النينيو» تلون أكثر الصحاري جفافًا بالبنفسجي
- زيادة صادمة في الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الدول النامية.. ما السبب؟
وتقول شركة Quilty Space، وهي شركة أبحاث واستشارات، إن هناك "مؤشرات إيجابية للنمو المستدام داخل القاعدة الصناعية الفضائية، خاصة بالنظر إلى الزخم المستمر في أسواق الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، والتي تشكل حوالي 85٪ من إجمالي الطلب على الأقمار الصناعية في العالم".
سوق عالمي واعد
الطفرة الكبيرة التي تشهدها أعداد الأقمار الصناعية، تخلق سوقا واعدة، حيث بلغت قيمة السوق العالمي لخدمات الأقمار الاصطناعية حوالي 271 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن تصل إلى 508 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.4%. وفقا لتقديرات شركة "كواليتي سبيس".
ولإضفاء الواقعية على توقعات الطلب على الأقمار الصناعية، ركز تحليل كواليتي على مشاريع الأقمار الصناعية الممولة التي من المرجح أن تستمر. ومن الأمثلة على ذلك شركة E-Space، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال إنترنت الأشياء، ولديها حاليًا 443 ألف طلب للأقمار الصناعية المستقبلية دون وجود أدلة كثيرة على قدرتها على نشر تلك الأقمار الصناعية على نطاق واسع بحلول عام 2030.
وبالمقارنة، توقعت منظمات أخرى أرقاما أكبر بكثير. فقد توقع مكتب المحاسبة الحكومية بالولايات المتحدة في تقرير له العام الماضي إطلاق حوالي 58 ألف قمر صناعي بحلول عام 2030. وتتوقع "يوروكونسلت| إطلاق حوالي 1700 قمر صناعي في المتوسط سنويًا بحلول عام 2030.
وفي الإطار ذاته يشهد سوق الأقمار الاصطناعية الصغيرة نموًا متسارعًا، حيث تم إطلاق أكثر من 1,200 قمرًا صناعيًا صغيرًا في عام 2021 وحده، مقارنة بـ292 قمرًا في عام 2018.
مخاوف التوسع
يُعرف المدار الثابت بالنسبة للأرض (GEO) أيضًا باسم "المدار المتزامن مع الأرض"، ويقع على ارتفاع 35,786 كيلومترًا (22,236 ميلًا) فوق خط استواء الأرض.
وسيتبع القمر الصناعي الموجود هناك نفس النقطة على سطح الأرض أثناء تحركه حول الكوكب بنفس الفترة التي تستغرقها الأرض في الدوران. يوجد حاليا 552 قمرا صناعيا هناك. غالبًا ما يتم وضع أقمار الاتصالات والتنبؤ بالطقس في المدار المستقر بالنسبة إلى الأرض.
ثم أن هناك مدار أرضي متوسط (MEO)، وهي منطقة واسعة تمتد من 2000 كيلومتر (1243 ميلًا) حتى GEO. ويعد هذا موقعًا رئيسيًا لمجموعات الأقمار الصناعية للملاحة مثل نظام تحديد المواقع العالمي وGalileo وGLONASS وBeiDou. ويوجد حاليًا 199 قمرًا صناعيًا في هذا المدار، لكن بعض مزودي خدمة الإنترنت الفضائي يفكرون في الانتقال إليه.
والسبب في ذلك هو أن المدار الأرضي المنخفض (LEO) أصبح مزدحمًا. يوجد حاليًا 8,110 قمرًا صناعيًا في المدار الأرضي المنخفض، منها 6,050 قمرًا صناعيًا تابعة لكوكبة Starlink الضخمة التابعة لشركة SpaceX. ويهدف المشروع من شركة إيلون ماسك إلى مضاعفة عدده الحالي ليصل إلى ما يقرب من 12 ألف قمر صناعي. ويمكن توسيعه أكثر ليصل إلى 34400 قمرًا صناعيًا.
هناك مخاوف كثيرة بشأن نشر هذا العدد الكبير من الأقمار الصناعية، خاصة في المدار الأرضي المنخفض. نتيجة ما يسمى بالتلوث الضوئي، ومصدر القلق الآخر هو الزيادة الهائلة في النفايات الفضائية. الفضاء كبير بالتأكيد، ولكن المدارات المثيرة للاهتمام والقيمة هي جزء صغير من ذلك. تحتاج الأقمار الصناعية إلى إعادة ضبط مداراتها في كثير من الأحيان، وكل هذه الحركات تؤدي إلى عبور بعضها المسارات. ولكن ماذا يحدث عندما تتوقف الأقمار الصناعية عن العمل؟ هناك ما يقرب من 3000 قمر من هذا القبيل! ستستمر مداراتها في التغير ولكن لن نتمكن من التحكم فيها.
استثمارات القطاع الخاص
أظهرت البيانات الحديثة أن عام 2022 شهد 178 مهمة فضائية، منها 90 مهمة أجراها القطاع الخاص في بعض الدول، حيث سيطرت شركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك على الحصة الأكبر من مهمات القطاع الخاص عبر قيامها بـ61 مهمة فضائية خلال 2022.
أما المركز الثاني فقد جاءت شركة أقل شهرة، وهي شركة British OneWeb Satellites، وهي شركة يقع مقرها الرئيسي في لندن، كما أن حكومة المملكة المتحدة من بين مستثمريها، وتوفر خدمات الإنترنت عالية السرعة للحكومات والشركات والمجتمعات.
ولكن مثل العديد من مشغلي الأقمار الصناعية الآخرين، تعتمد OneWeb على SpaceX لإطلاق أقمارها الصناعية.
وعلى الرغم من هيمنة ستارلينك على الصناعة، فمن المتوقع أن تواجه الشركة منافسة شديدة في السنوات المقبلة. حيث يخطط مشروع Kuiper التابع لشركة Amazon لنشر 3236 قمرًا صناعيًا بحلول عام 2029 للتنافس مع شبكة SpaceX. ومن المتوقع إطلاق أول أسطولها خلال 2024.
الحكومات
بعد الشركات الخاصة الكبرى، تمتلك الحكومات أيضًا جزءًا كبيرًا من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض. وتظل الولايات المتحدة هي الرائدة في إجمالي الأقمار الصناعية، عند إضافة تلك المملوكة لكل من الشركات والوكالات الحكومية معًا. وبلغ الإنفاق الأمريكي على برامج الفضاء 62 مليار دولار في عام 2022، أي خمسة أضعاف الإنفاق الصيني التي تحل في المرتبة الثانية.
ومع ذلك، قامت الصين بتسريع برنامجها الفضائي على مدى السنوات العشرين الماضية ولديها حاليا أكبر عدد من الأقمار الصناعية في المدار التابع مباشرة للوكالات الحكومية. ويتم استخدام معظمها لمراقبة الأرض والاتصالات والدفاع وتطوير التكنولوجيا
اقتصادات الأقمار الصناعية
تعتبر صناعة الأقمار الصناعية جزءا من الدائرة الأشمل لاقتصاد الفضاء والذي يقدر حجمه الآن بنحو 469 مليار دولار، وبحسب توقعات "بنك أوف أمريكا" فإن صناعة الفضاء ستحقق نمواً هائلا، يفوق 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2030، في حين رأت منظمة Space Foundation الأمريكية، أن حجم "اقتصاد الفضاء" بلغ 469 مليار دولار في بداية 2022، مسجلاً أسرع نمو منذ عام 2014، حيث تعود أغلبية النشاط الاستثماري في صناعة الفضاء، إلى الإنفاق التجاري المدني والإنفاق العسكري والإنفاق الحكومي، ويبلغ حجم اقتصاد الفضاء العالمي حاليا 447 مليار دولار، وفقا لتقديرات ماكينزي.
ويمتلئ الغلاف الجوي للأرض بأكثر من 11 ألف جسم تم إطلاقه منذ بدء غزو البشر للعالم الخارجي، حيث تهيمن الولايات المتحدة الأمريكية على استثمارات الفضاء، بامتلاكها لأكثر من 50% من هذه الأجسام، أي ما يزيد على 5500 جسم، لتحل بعدها روسيا بـ3600 جسم، ثم الصين بـ731 فبريطانيا بـ515 واليابان بـ300 جسم.
وفي عام 2020، تجاوزت الاستثمارات الخاصة في شركات تكنولوجيا الفضاء 8.9 مليار دولار، مع استثمارات كبيرة موجهة نحو تطوير وإطلاق الأقمار الاصطناعية.
وتُقدر قيمة السوق العالمي لخدمات تمديد عمر الأقمار الاصطناعية بأكثر من 2 مليار دولار بحلول عام 2030، مع تزايد الاهتمام بتطوير تقنيات جديدة لخدمة وإصلاح الأقمار الاصطناعية في المدار. كما بلغت قيمة السوق العالمي لخدمات المراقبة الأرضية باستخدام الأقمار الاصطناعية حوالي 3.2 مليار دولار في عام 2020، مع توقعات بزيادة الطلب على هذه الخدمات في مجالات مثل الأمن القومي، إدارة الموارد الطبيعية، والتخطيط الحضري.
التكلفة المنخفضة للإطلاق
بفضل شركات مثل SpaceX، انخفضت تكلفة إطلاق الأقمار الاصطناعية بشكل كبير، حيث بلغت تكلفة إطلاق قمر صناعي بوزن 200 كجم إلى مدار أرضي منخفض حوالي 1 مليون دولار فقط في عام 2021، مقارنة بـ60 مليون دولار قبل عشر سنوات.
وتستثمر شركات مثل SpaceX (Starlink) وAmazon (Project Kuiper) مليارات الدولارات في إطلاق مجموعات كبيرة من الأقمار الاصطناعية لتوفير خدمة الإنترنت العالمية، مع خطط لإطلاق عشرات الآلاف من الأقمار في العقد القادم.
خدمات المناخ والاستشعار عن بعد
تُقدر قيمة السوق العالمي لخدمات الاستشعار عن بعد باستخدام الأقمار الاصطناعية في الزراعة بأكثر من 5.3 مليار دولار في عام 2020، مع توقعات بزيادة الطلب على هذه الخدمات لتحسين إنتاجية المحاصيل وكفاءة الري. وتُسهم الأقمار الاصطناعية في مراقبة وتقييم تأثيرات تغير المناخ، حيث يتم استخدام أكثر من 120 قمرًا صناعيًا لمراقبة البيئة والمناخ حاليًا.
هذه الأرقام تسلط الضوء على النمو السريع والتنوع الكبير في اقتصاد الأقمار الاصطناعية، مما يعكس أهمية هذا القطاع في الاقتصاد العالمي والابتكار التكنولوجي.