زيادة صادمة في الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الدول النامية.. ما السبب؟
ارتفعت انبعاثات الغازات الدفيئة من الاقتصادات النامية بشكل ملحوظ في ظل معدلاتها المتزايدة من الانبعاثات العالمية.
وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصادات النامية قد وقعت على اتفاقيات مناخية دولية، إلا أن القليل منها هو الذي أنشأ أنظمة مقايضة الانبعاثات أو فرض ضرائب على الكربون للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وذلك مع وجود مشكلة الاستفادة المجانية من غرامات الانبعاثات، من جانب بلدان لا تعمل على خفض انبعاثاتها.
ولمعالجة أزمة الاستفادة المجانية التي تستغل بها بلدان تعويضات المناخ دون العمل على حل أزمة الانبعاثات بها، اقترح الخبراء أن تستخدم الحكومات الملتزمة بمعالجة تغير المناخ العقوبات التجارية لتشجيع الدول الأخرى على المشاركة في مستويات أكبر من الحد من غازات الدفيئة، ولكن ما مدى فعالية هذا في الحد من الانبعاثات العالمية؟
يقول موقع "إيكونوفاكت"، ضمن الحقائق حول علاقة السياسات التجارية في مكافحة التغير المناخي، إن الاقتصادات النامية تلعب دورًا حاسمًا في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة والتخفيف من آثار تغير المناخ.
وعلى الرغم من أن البلدان المتقدمة مسؤولة عن الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون تاريخيا، فإن خفض الانبعاثات الحالية من البلدان النامية أصبح ذا أهمية متزايدة للحد من الآثار الناجمة عن تغير المناخ.
وفي عام 2022، كانت الدول النامية مسؤولة عن 67% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم، وهي زيادة ملحوظة من 45% في عام 1990.
في حين شهدت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفاضًا طفيفًا، ارتفعت الانبعاثات من الدول غير الأعضاء في المنظمة، والتي يُشار إليها غالبًا باسم الاقتصادات النامية، بنسبة 141%، أي ما يعادل معدل نمو سنوي قدره 2.8%.
وتشير التوقعات الحالية إلى أنه من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.
وذكر الموقع أن البلدان النامية تواجه أيضًا تكاليف أعلى بشكل غير متناسب بسبب تغير المناخ مقارنة بالدول المتقدمة.
ويمكن لجميع البلدان أن تتوقع درجة معينة من الأضرار الناجمة عن تغير المناخ بسبب انبعاثات الكربون.
ومع ذلك، فإن مدى الضرر يختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر، ومن المرجح أن تواجه بعض البلدان تكاليف أعلى بكثير نسبيًا من غيرها.
وعند النظر في تكاليف انبعاثات الكربون الخاصة بكل دولة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي، تتحمل البلدان النامية، في المتوسط، تكاليف أكبر بعشر مرات من تلك التي تواجهها البلدان المتقدمة، وفقًا للحسابات المستندة إلى تقديرات من دراسة نشرت في مجلة Nature Climate Change.
ويسلط هذا التفاوت الضوء على تزايد تعرض الدول النامية لعواقب انبعاثات الكربون.
ويعد رفع أسعار الكربون في الاقتصادات النامية أمرًا بالغ الأهمية لمكافحة تغير المناخ، حيث تفتقر هذه البلدان غالبًا إلى مبادرات تسعير الكربون.
وتحديد سعر لانبعاثات الكربون - من خلال ضريبة الكربون، أو نظام تداول الانبعاثات، أو أدوات السياسة الأخرى - يدمج تكلفة التلوث في قرارات الإنتاج ويمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في تقليل الانبعاثات.
ويشير تقرير البنك الدولي لعام 2022 حول تسعير الكربون إلى أن 23% فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية كانت خاضعة لمبادرات تسعير الكربون، وأن هذه المبادرات تم تنفيذها في المقام الأول في البلدان المتقدمة.
ونتيجة لهذا فإن تطبيق أسعار أعلى للكربون في الاقتصادات النامية يشكل ضرورة أساسية لتحقيق تخفيضات ملموسة في انبعاثات الكربون في مختلف أنحاء العالم.
وبوسع الحكومات المدركة لقضية تغير المناخ أن تستخدم السياسة التجارية كأداة لمعالجة مسألة الاستفادة المجانية من الدعم في مواجهة التغير المناخي دون القيام بدورها في الحد منه.
ويمكن استخدام التدابير الضريبية بطريقتين للحد من انبعاثات الكربون، بحسب موقع "إيكونو فاكت"، الأول يتضمن "ضرائب الكربون الحدودية"، وهي عبارة عن تعريفات جمركية مفروضة على السلع المستوردة على أساس انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي الناتجة عن الإنتاج في بلدها الأصلي.
ويستخدم النهج الثاني الضرائب الحدودية كآلية عقابية وطارئة ضمن إطار "نادي المناخ".
وهنا، تتم مكافأة البلدان التي تتبنى أسعار الكربون المناسبة بفرض ضرائب حدودية أقل أو عدم فرض ضرائب على الإطلاق، في حين تواجه البلدان غير المتعاونة، المتبعة لسياسة الانتفاع المجاني، عقوبات ضريبية حدودية.
ومن الناحية العملية، غالبا ما تمزج سياسات المناخ التي تتضمن تدابير ضريبية حدودية بين عناصر كلا النهجين.
وتُعَد آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تم إطلاقها في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مثالا رئيسيا على ذلك.
ويفرض قانون CBAM ضرائب على محتوى الكربون في الواردات على حدود الاتحاد الأوروبي، مثل النهج الأول، ومع ذلك، فهو يتضمن أيضاً عنصراً طارئاً أقرب إلى النهج الثاني، وهو إعفاء البلدان المصدرة التي تنفذ تدابير كافية لخفض الكربون.
ويوضح تقرير "إيكونو فاكت"، إن مدى قدرة ضرائب الكربون الحدودية التي تفرضها البلدان الفردية على تقليل الانبعاثات العالمية محدود إلى حد ما.
وإن ضرائب الكربون المفروضة على السلع التي يتم المتاجرة بها من غير الممكن أن تكون بنفس فعالية تسعير الكربون داخل البلد.
وترجع معظم انبعاثات الكربون العالمية إلى السلع غير المتداولة، والتي لا يمكن إخضاعها للضرائب الحدودية.
والخدمات، بما في ذلك البناء، وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل، تمثل 47٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن الإنتاج، وفقا لتقديرات التقرير.
ومن ناحية أخرى، فإن الصناعات الإلكترونية والآلات والمنسوجات والمركبات التي تتمتع بنسب عالية من التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي، تمثل مجتمعة 6% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن الإنتاج.
يشار أيضا إلى أن الضرائب الحدودية غير الطارئة على الكربون، والتي يتم تطبيقها باستخدام خطوط التعريفة الجمركية القياسية غير قادرة على تحديد شركات محددة ذات انبعاثات عالية.
على سبيل المثال، يتم تقديم رمز المنتج المتوسط المكون من 6 أرقام للنظام المنسق (HS) من قبل أكثر من 18 شركة تصدير في كل بلد، بعد تعديل حجم الصادرات، وفقًا لقاعدة بيانات ديناميكيات المصدرين التابعة للبنك الدولي.
علاوة على ذلك، فإن أعلى 25% من الخطوط التعريفية المكونة من 6 أرقام يتم تقديمها من قبل أكثر من 50 شركة تصدير في كل بلد.
وتشير توقعات الخبراء لدى "إيكونو فاكت"، إلى أن ضرائب الكربون الحدودية غير المشروطة قادرة على تحقيق خفض لا يتجاوز 1.2% من الانبعاثات العالمية، وهو ما يعادل 3.2% فقط من التخفيض المطلوب بنسبة 37.6% لمعالجة مشكلة الانتفاع المجاني بفعالية.
أيضا وفقاً لتوقعات الخبراء القائمين على هذا التحليل، فإن نموذج "نادي المناخ"، الذي يضم مجموعة من البلدان التي تتمتع بقوة سوقية كبيرة وتعمل معاً لاستخدام العقوبات الحدودية كأداة للحد من الانبعاثات العالمية، قد يكون فعالاً للغاية.
وفي نموذج نادي المناخ، الذي اقترحه ويليام نوردهاوس، تقوم مجموعة من الأعضاء المؤسسين بتأسيس نادي المناخ والاستفادة من العقوبات التجارية الجماعية الطارئة لتشجيع مشاركة الحكومات المترددة في تطبيق السياسات اللازمة للحد من الانبعاثات.
وللانضمام إلى النادي، يتعين على البلدان أن تلتزم بتلبية هدف محدد لسعر الكربون المحلي، والذي يغطي القطاعات القابلة للتداول وغير القابلة للتداول.
ويكشف تحليلنا أن مثل هذا النادي الافتراضي للمناخ الذي أطلقه تحالف من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين قادر على تحقيق 69% من خفض الانبعاثات الذي يمكن تحقيقه في ظل تسعير الكربون الأمثل عالميا، في حين يضمن المشاركة العالمية ودعم التجارة الحرة.
ومع ذلك، فإن فعالية النادي ستنخفض إلى 45% إذا لم تكن الصين جزءًا من الائتلاف المؤسس وإلى 33% إذا كان الاتحاد الأوروبي هو العضو المؤسس الوحيد.
وعلى هذا فإن نجاح نادي المناخ يعتمد على تحالف الأعضاء المؤسسين الذين يتمتعون بقوة سوقية كبيرة واختيار هدف مناسب لسعر الكربون وكبير بالقدر الكافي لتحقيق خفض الانبعاثات ولكنه ليس كبيراً إلى الحد الذي قد يثبط العضوية.
ويشير "إيكونو فاكت"، إلى أن إن نجاح الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة من منظمة التجارة العالمية في تنظيم التجارة الحرة في النصف الثاني من القرن العشرين يمكن أن يكون بمثابة نموذج لتنفيذ نهج أكثر شمولية يربط التجارة الحرة بالعمل المناخي.
ونجحت الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة ومنظمة التجارة العالمية في تعزيز التجارة الحرة من خلال عملية استمرت لعدة عقود، مع آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية التي تسمح بالانتقام كوسيلة لردع عدم التعاون وإنفاذ أحكام التجارة الحرة باعتبارها منفعة عامة عالمية.
ويحمل نموذج نادي المناخ أوجه تشابه مع هيكل منظمة التجارة العالمية ويمكن أن يتبع مسارا مماثلا، ويتجلى كعملية تدريجية تسعى فيها البلدان إلى العضوية ثم تتخذ إجراءات مناخية كأعضاء.
ويتمثل الاختلاف الرئيسي مقارنة باتفاقية GATT/WTO في التركيز على ربط السياسة التجارية بسياسة المناخ، مما يجعل فوائد التجارة الحرة مشروطة ليس فقط بالمعاملة بالمثل ولكن أيضًا بالعمل المناخي المناسب.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMjkg جزيرة ام اند امز