علاقة الإخوان المسلمين بإيران: تنسيق أمني وسياسي ودعم مالي
يعززها صمت الجماعة عن الاعتداء على سفارة السعودية بطهران
صمت الإخوان المسلمين عن الاعتداء على سفارة السعودية بطهران يكشف عن العلاقة بين نظام الملالي والجماعة، والتي تعمّقت منذ ثورة الخميني.
يكشف صمت "جماعة الإخوان المسلمين" عن الاعتداء وحرق السفارة السعودية في طهران وقم، والتهجم على المملكة، عن العلاقة الوثيقة التي تربط نظام الملالي بـ"الإخوان"، وهي علاقة تعمّقت منذ ثورة الخميني التي قام "الإخوان" بتهنئته بنجاح الثورة عبر استئجار طائرة خاصة ضمّت قيادات الجماعة من عدة دول.
وفي أدبيات "الإخوان" يُنظر إلى إيران وتشيّعها على نحو "متساهل" بسبب منهج "الجماعة" القائم على "إحسان الظن بالمسلمين وعدم التدقيق على خلفياتهم العقدية، خاصة إذا كانوا في صراع مع القوى المعتدية على الأمة الإسلامية".
وكان المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين عمر التلمساني، كتب مقالاً في العدد 105 من مجلة "الدعوة" في يوليو (تموز) 1985 بعنوان ( شيعة وسنّة) قال فيه: إنّ" التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن (...) وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين".
وفي تنظيره لمفهوم "الإسلام الشامل"، يقول زعيم حركة النهضة التونسية، المحسوب على الإخوان راشد الغنوشي في كتاب "الحركة الإسلامية والتحديث": إنّ المفهوم يستهدف "إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران".
ويتفق مع طرح "الإخوان" في تونس، ما قدمه الزعيم الإخواني اللبناني والأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان، فتحي يكن، عندما ذكر بأن مدارس الصحوة الإسلامية "تنحصر في ثلاث: مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب، ومدرسة الإمام الخميني".
احتفاء إيراني بالإخوان
وكان علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأعلى للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، أكد في ندوة عن "الحوزة الدينية والصحوة الإسلامية" عقدت في مدينة مشهد الإيرانية "أنّ الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية".
ويؤكد حفاوة ولايتي بـ"الإخوان" ما صرّح به القيادي السابق في جماعة الإخوان في مصر الدكتور ثروت الخرباوي، الذي كشف عن علاقات سرية طويلة وممتدة بين مؤسس الجماعة حسن البنا وقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، "وذلك في إطار من الروابط التي جمعت الرجلين بالمخابرات الغربية".
وأضاف، في تصريحات لمراسل"العين" في القاهرة، أنّ ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً في 1938 شهدت زيارة "سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني" الذي أصبح، بعد ذلك، الإمام "آية الله الخميني" مفجر الثورة الإيرانية، مقر جماعة الإخوان في مصر، حيث عقد لقاءً خاصًّا مع المرشد الأول للجماعة حسن البنا.
وكان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد زار مصر بدعوة من المعزول محمد مرسي للمشاركة في مؤتمر إسلامي، وخطب في جامع الأزهر الشريف، وهو ما يعد، في نظر الخرباوي، دليلاً آخر على قوة العلاقة بين الجانبين، كما أن زيارة مرسي لطهران عام 2012 للمشاركة في مؤتمر "دول عدم الانحياز" كأول رئيس مصري يزورها بعد 34 عاماً دليلٌ آخر على الصلة الوثيقة بين الطرفين.
حسن البنا والخميني
وتمثلت هذه العُرى الوثقى بين الإخوان وإيران بما جمع بين حسن البنا، وتقي القمي، وآية الله كاشاني، ونواب صفوي، وآية الله الخميني؛ أبطال غزو الشيعة للعالم السني، وهي علاقات سرية، كما يصفها الخرباوي: "لا يعرف عنها الكثيرون شيئاً، إلا قيادات الإخوان أنفسهم وليس قاعدة الجماعة"، مشيراً إلى أن "حسن البنا اقترب من الشيعة بشكل كبير، وهو ما أثار غضبة علماء السنة، حتى إنّ أقرب المقربين منه اتهموه بخيانة عقيدته مقابل دراهم معدودة".
ويعكس هذا الاتهام تبايناً داخل جماعة الإخوان، فيما خصّ التقارب المفرط مع إيران، إذ ثمة جناحان داخل الجماعة للتعامل مع إيران، أولهما: جناح "يوسف ندا" الذي يقدم نفسه بأنه مفوّض العلاقات الخارجية للجماعة، وهو صاحب صلة مباشرة ووثيقة مع الإيرانيين والشيعة، حيث زار طهران عدة مرات، وله علاقة وثيقة بالطوائف الشيعية والإخوان في إيران .
أما الجناح الثاني فيقوده "محمود غزلان" وهو جناح أقرب إلى السلفية وأفكارها، وهو يقف ضد أي علاقة للإخوان بإيران بل يعارضها ويجرّمها، وفق ما صرّح به لمراسل "العين" في القاهرة، القيادي السابق في جماعة الإخوان خالد الزعفراني.
الإخوان ومنهج الشيعة
وتزدحم المحطات التاريخية بالشواهد التي تؤكد الصلة العضوية بين فكر الملالي وولاية الفقيه، وفكر "الإخوان"، فالأخيرون لا يهتمون، بحسب دراسة ماجستير إيرانية أعدّها الباحث الإيراني عباس خامه يار،"بشخص الحاكم ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلى بها، ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام"، وهو ما أكده التلمساني: "لا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم"، شريطة أن يحكم بالشريعة، وإذا فعل الحاكم ذلك، فإنّ الإخوان سيكونون له عوناً وسنداً، وهو ما يتطابق مع ما أفاد به الخرباوي بأنّ "جماعة الإخوان تعتبر أنّ منهجها متفق مع منهج الشيعة، وهنا مكمن الخطر".
ويرى الباحث والأكاديمي المتخصص بالدراسات الدينية د. يوسف ربابعة في تصريح لموقع "العين"؛ أنّ علاقة الإخوان المسلمين مع إيران بدأت عام 1979، في أعقاب إعلان إيران دولة إسلامية، تطبّق الإسلام وتتخذه دستورا لحكمها، "وهو ما كان ينادي به الإخوان المسلمون في دعوتهم لإعادة الحكم الإسلامي للأنظمة السياسية في البلاد العربية والإسلامية، وكان من أهم نقاط التقارب بعد ذلك الحرب العراقية الإيرانية، فقد كان موقف الإخوان إلى جانب الجمهورية الإسلامية، بوصفها صاحبة الحق في نشر الإسلام وفتح البلدان، وذلك انتصار لله والمؤمنين به، مقابل الكفار والطواغيت، لتحقيق العدل والحق في الأرض، وعمارتها على وفق منهج الله ورسوله".
حزب الله وحماس
ورغم اختلاف المذهب، كما يلاحظ ربابعة، فقد تعمقت علاقة الإخوان بإيران "بعد الدعم الذي قدمته إيران للمقاومة الإسلامية المتمثلة في حماس، ثم ما أحرزه حزب الله في جنوب لبنان ضد إسرائيل، حيث حصل تعاون كبير بين حزب الله وحماس على مستوى التنسيق والتخطيط والدعم اللوجستي والمواقف السياسية، وكانت نقطة انتصار حزب الله في كثير من محطات صراعه مع إسرائيل مصدراً للفخر والاعتزاز من حماس والمقاومة الإسلامية، وأدى ذلك إلى تقارب أكبر بين حماس وإيران، وكانت آخر محطات التقارب بعد فوز الإخوان في مصر، حيث كانت إيران تدعم هذا التوجه وتشجعه بوصفه حالة إسلامية قد تكون معبراً لدخولها للمنطقة وتقوية نفوذها".
ودعمت طهران حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين حظيتا برعاية لوجيستية ومالية وتسليحية وحتى عقائدية.
وساهم هذا الدعم في الانقلاب الذي قامت به "حماس" في غزة ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وسحب الورقة الفلسطينية من يد مصر، كما حرّضت تلك الفصائل على السعودية، وأعاقت الجهود الحثيثة للمصالحة الفلسطينية التي تقدمت بها الرياض.
وقد شكر زعيم "حماس" خالد مشعل، إيران على دعمها، مؤكداً، في تصريح نقله التلفزيون الإيراني الرسمي، أن "شعب غزة لطالما قدّر الدعم السياسي والروحي الذي تقدمه له إيران زعماء وشعباً".
زيارات سرية في عهد مرسي
وتحتفظ الذاكرة القريبة بتصريح مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف الذي تناقلته وسائل الأنباء والمحللين، في معرض تعليقه على كشف السلطات الأمنية المصرية لما عرف بـ "خلية حزب الله" آنذاك قال عاكف: "من حق مصر أن تشكر حزب الله، لا أن تحقق معه" معتبراً أنّ "من حق إيران أن تفعل أي شيء"!.
وإذا كان ذلك حدث في زمن حسني مبارك، فقد ظلت طهران تلعب بالورقة المصرية، وتعمل على تصدير الثورة إلى القاهرة، إذ وجدت في "انتخاب" محمد مرسي فرصة سانحة للتمكين بمعناه الأمني، وهو الذي يشرف عليه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية كشفت عن زيارة قام بها سليماني إلى القاهرة لمدة يومين للتباحث مع مسؤولين كبار قريبين من مرسي، بعد أن "طلبت الحكومة الإسلامية في مصر سرًّا المساعدة من إيران لتعزيز قبضتها على السلطة"، وتزامنت تلك الزيارة مع لقاء أجراه مدير المخابرات الإيرانية مع مستشار مرسي، عصام حداد في الثامن من يناير (كانون ثان) 2013.
وذكرت مصادر إعلامية أنّ المتحدث الرسمي باسم مرسي، ياسر علي، أنكر انعقاد ذلك اللقاء، إلا أنّ جريدة "المصري اليوم" نشرت تقريراً عن مصدر أمني رفيع أفاد بأن اللقاء قد تم بالفعل.
وينتشر الإخوان المسلمون في دول عديدة من العالم، ومن بينها إيران التي للإخوان فيها "جماعة نشطة يترأسها عبدالرحمن بيراني، وعلاقتها ممتازة بالنظام الإيراني"، بحسب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان، الذي أضاف في تصريحات لمراسل"العين": "بعد قيام ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 سمحت السلطات الإيرانية للإخوان الإيرانيين بالاحتفال في أحد أشهر ميادين طهران، رافعين شعار رابعة، ومندّدين بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي".
العلاقة بين الجماعة وإيران ممتدة من أيام مرشدها الأول حسن البنا، الذي أثار وسيدَ قطب إعجاب المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي لم يكتف، كما يقول بالإعجاب فقط، "بل قام بترجمة كتابين إلى الفارسية من كتب سيد قطب".