في الجدل البيزنطي بين الأطراف الفلسطينية مجتمعة مع حركة «حماس» حول معبر رفح، لا يثــيــر دهشتي أي كلام قيــل طيلة السنوات الفائــتـــة
في الجدل البيزنطي بين الأطراف الفلسطيـنــيــة مجتمعــة مع حــركة «حماس» حول معبر رفــح، لا يثــيــر دهشتي أي كلام قيــل طيلة السنوات الفائــتـــة، ومع ذلك فما قــاله مشير المصري بالذات، خرج عن كل تصور مهما كان صاحبه متشائماً. المصري في معرض تعليقه على مبادرة الفصائل الفلسطينية لحلّ مشكلة المعبر، قال حرفياً: معبر رفح هو شرف غزة!
«شرف غزة» تعبير شكلي ويعرف كل من يسمع التصريح أن المقصود بالطبع شرف حركة «حماس» التي بات واضحاً ومنذ زمن طويل، أنها لم تعد تملك ورقة تلعب بها لإطالة أمد سيطرتها على قطاع غزة الفقير والمحاصر سوى ورقة المعبر، والتي تساوم بها السلطة الفلسطينية في رام الله، وتستخدمها في الوقت ذاته في ابتزاز الدولة المصرية التي تخوض «حماس» ضدها حرباً ضروساً لا تهدأ دفاعاً عن رئيسها المخلوع محمد مرسي.
نقول ذلك في ضوء فشل كل الاقتراحات الفلسطينية والعربية لفتح المعبر المذكور، وفق آلية تشغيل تقبلها الأطراف الدولية التي لا تعترف بحركة حماس ولا حكومتها التي تدير القطاع منذ انقلابها العسكري، فكل تلك المبادرات كانت تصطدم باستمرار بعقدة إصرار قيادة حماس على «إرغام» العالم على الاعتراف بحكومتها من خلال الإصرار على أن تدير حماس وقواها الشرطية المعبر، وهو مطلب لم يتحقق ويعرف الجميع أنه لن يتحقق، بل وكل ما ترتب عليه ليس سوى استمرار المشكلة ومعها استمرار مأزق الحصار على القطاع وما يعانيه مليون ونصف المليون من الفلسطينيين نتيجة إغلاق المعبر.
هي إحدى حكايات إبريق الزيت، لكنها مع الأسف لا تستهدف ولا تستطيع تسلية أحد لا في فلسطين ولا خارجها، وكل ما تستطيع تحقيقه ليس أكثر من إطالة الحصار وتوابعه وإطالة الانقسام بين البقعتين المحتلّتين من فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد رأينا وسمعنا خلال الشهور الفائتة، كيف وافقت قيادة حماس على اتفاق تشكيل «حكومة التوافق» مع السلطة الفلسطينية، ثم عمدت مباشرة الى منع وزرائها من دخول قطاع غزة، ومن تمكّن منهم من الوصول مُنع من مغادرة الفندق، ما اضطرهم للمغادرة عائدين الى رام الله. الغريب أن قيادة حركة حماس لا تجد غضاضة في القبول باقتراح أحد المسؤولين الإسرائيليين الداعي لحل مشكلة حصار غزة من خلال إنشاء خط بحري يربط ساحل القطاع بتركيا!
ولأن «الأشياء مقمطة بنواميسها» كما قال الشيخ محيي الدين بن عربي، فمن المنطقي والبديهي ألا يتم البحث عن أزمة قطاع غزة في استمرار إغلاق المعبر ومعه استمرار إصرار حماس على إدارته، بينما يتوجب البحث عن ذلك في استمرار الحالة السياسية الشاذة التي يشكلها استمرار حماس في اختطاف القطاع الصغير واستمرار إخضاع مواطنيه لسياسات اللون الواحد. وما يفاقم المشكلة ويضاعف بؤس المواطنين الفلسطينيين هناك، أن موقف حماس وسياستها تلك يأتيان بعد سقوط دولة الإخوان المسلمين في مصر وتحويل قطاع غزة الى منصة سياسية وغير سياسية لمقاومة الحكم الجديد في مصر بهدف إسقاطه وإعادة المخلوع مرسي الى كرسي الرئاسة مجدداً.
لا تستقيم سياسة فلسطينية صائبة من دون الانطلاق من كل ما قلناه باعتباره جوهر المشكلة وليس نتائج لها، وذلك يعني مواجهة تلك السياسة بعناوين واضحة لا التباس فيها، فالحل لسيطرة حماس على غزة يبدأ من هذه النقطة بالذات. أي من خلال تحشيد موقف فلسطيني واسع على المستويين السياسي والجماهيري لإسقاط الانقلاب الحمساوي وإسقاط نتائجه وما ترتب عليه.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة