فى أسبوع واحد، تصدرت نشرات الأخبار الأمريكية تطورات الأحداث فى قصتين بطل كل منهما فتى صغير، الفارق بين حظوظهما له دلالات بالغة العمق
فى أسبوع واحد، تصدرت نشرات الأخبار الأمريكية تطورات الأحداث فى قصتين بطل كل منهما فتى صغير، لكن الفارق بين حظوظهما له دلالات بالغة العمق. القصة الأولى للفتى الأسود، تامير رايس، اثنى عشر عاما، الذى كان يلهو فى نوفمبر 2014 بلعبة على شكل مسدس فى إحدى الحدائق العامة، فتلقت شرطة كليفلاند بلاغا بأن شخصا «على ما يبدو فتى صغير» يمسك بمسدس «يحتمل أن يكون لعبة ويحركه بيديه للمارة». فأطلق شرطى الرصاص على الفتى بعد وصوله للحديقة بثوان معدودة فأرداه قتيلا. أما القصة الثانية فهى للفتى الأبيض إيثان كاوتش (16 عاما) الذى خرج مع أصدقائه فى 2013 يشرب الخمر ويلهو، ثم قاد سيارته مع أصدقائه وهو مخمور فدهس أربعة كانوا يسعفون شخصا على قارعة الطريق، فقتلهم جميعا وأصيب اثنان من أصدقائه كانوا معه بالسيارة إصابات بالغة.
وفى الأسبوع الأخير من ديسمبر المنصرم كانت هناك تطورات فى القصتين. فقد أصدر المحلّفون فى قضية تامير رايس حكمهم بالامتناع عن إدانة قاتل الطفل. وكان موقف النيابة هو الأكثر دلالة فى القصة كلها. فالنائب العام بالمقاطعة، وهو أبيض بالمناسبة، كان قد قدم تقارير أدت بالمحلفين لتلك النتيجة، بل عقد مؤتمرا صحفيا وضع فيه اللوم على الفتى الضحية. فالفتى تامير، الذى كان ضخم البنيان، بالنسبة لسنه، «بدا رجلا، يمثل تهديدا» وفق رواية النائب العام، ثم إنه تلقى تحذيرا من أن لعبه بالمسدس الدمية قد يشكل خطرا عليه. وكأن ضخامة بنيانه مبرر لقتله بل كأن الأطفال عادة ما يلتزمون حين تحذرهم من خطر قد يتعرضون له!.
أما الفتى الأبيض إيثان كاوتش، فقد اُستخدم فى الدفاع عنه أنه يعانى من «الآفلوانزا» وهو تعبير أمريكى مستمد من كلمة «آفلوانت» الإنجليزية، أى ثرى، ويستخدم لوصف نمط الحياة غير المسؤول لبعض المراهقين نتيجة ثراء أهلهم. أكثر من ذلك، فقد جاء فى الدفاع عن الفتى أنه عانى أيضا من «والدين أهدرا وظيفتيهما بشدة» حيث منحاه «كل شىء دون أن يعلّماه تحمل مسؤولية تصرفاته»! وقد انتهى الأمر بالفتى كاوتش إلى حكم بالوضع تحت المراقبة اليومية من جانب الشرطة لمدة عشر سنوات، وهو الحكم الذى مثل صدمة مدوية لأسر ضحاياه الأربع. إلا أن تلك ليست نهاية القصة. فالفتى اختفى فجأة منذ فترة، أى هرب من رقابة الشرطة والتى كانت تتضمن حرمانه من شرب الخمر فى سنه الصغيرة تلك. ثم ظهر فيديو على الإنترنت يظهر فيه الفتى وهو يشرب الخمر، بما مثل تحديا للشرطة، مما أثار ضجة ظلت عدة أيام حتى تم العثور عليه فى المكسيك التى هرب لها مع أمه، بعد أن غيّر ملامحه. لكن ما اتضح بعد ذلك هو أن أقصى عقوبة يمكن أن يحصل عليها الفتى هى السجن أربعة أشهر، حتى إذا حوكم كبالغ لا كمراهق لأن المحكمة ستكون ملزمة بالحكم الأول.
والمؤكد أن الفتى إيثان سيظل يعانى بقية عمره ليس بسبب الحكم المخفف، وإنما لأن والديه علماه أنه «فوق البشر»، كما ذكرت التقارير الصحفية. أما تامير رايس، فكانت معاناته الحقيقية، خلال عمره القصير للغاية، تأتى من زملائه فى المدرسة الذين كانوا يستهزئون به لأنه يأتى كل يوم بالقميص المهترئ نفسه الملىء بالبقع، فأقنع أحد أصدقائه بأن يعطيه هاتفه المحمول مقابل أن يلعب قليلا بمسدسه اللعبة، لعله يبدو قويًّا أمام الأطفال الذين يستهزئون به.
*ينشر المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة