تراجع أسعار النفط يُهدد تحويلات العاملين في الخارج لـ 3 دول عربية
مصر في مُقدمة الدول المُتضررة بعد تراجع التحويلات 8.5% خلال الربع المالي الأول
يواجه عدد من الاقتصاديات العربية مخاطر تراجع تحويلات العاملين في الخارج، والتي تُشكل الآن أهم مصدر لموارد النقد الأجنبي بها
يواجه عدد من الاقتصاديات العربية مخاطر تراجع تحويلات العاملين في الخارج، والتي تُشكل الآن أهم مصدر لموارد النقد الأجنبي بها، وذلك على خلفية تداعيات تراجع أسعار النفط على النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.
ويُصنف الخليج العربي مصادر تحويلات العاملين الأجانب على مستوى العالم، فيرصد تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي أن منطقة الخليج شهدت خلال العام 2014 قيام قرابة 29 مليون عامل أجنبي بتحويل أموال تُقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار إلى بلدانهم الأم.
وهناك 4 اقتصاديات عربية تعتمد بشكلٍ رئيسي على تحويلات العاملين في الخليج في تدبير احتياجاتها من العملات الأجنبية هي مصر ولُبنان والأردن واليمن، وبدأ يواجه بعضها تراجعًا حقيقيًا في حصيلة التحويلات، فيما أبدت القيادات المصرفية في بُلدان أخرى تخوفها من تأثير تراجع أسعار النفط سلبًا على قيمة تحويلات مواطنيها.
يقول هاني جنينة رئيس قطاع البحوث الاقتصادية ببنك الاستثمار فاروس، إن تحويلات العاملين في الخارج اكتسبت أهمية مُتزايدة على مدار السنوات الخمس الماضية بسبب تسجيلها نموًّا قويًّا، وتعويض التراجع الحاد في مصادر الموارد الأجنبية الأخرى في بعض الدول العربية مثل مصر واليمن ولُبنان نتيجة الاضطرابات السياسية التي ضربت هذه الاقتصاديات.
ويُضيف، إن البنوك المركزية في هذه البُلدان بدأت مُنذ فترة في رصد المُتغيرات المُحتمل وقوعها على قيمة تحويلات مواطنيها العاملين في منطقة الخليج.
ويوضح أن هُناك مخاوف من تأثير انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 30 دولارًا للبرميل على تباطئ وتيرة النمو وطرح المشروعات الجديدة في بُلدان الخليج، ما يؤثر على فرص العمل للعاملين بها، فضلًا عن ارتفاع تكلفة المعيشة مع رفع بعض الدول الخليجية أسعار الخدمات وتحديدًا البنزين للسيطرة على عجز الموازنة.
توقعات بانخفاض تحويلات مصر بواقع 10% خلال 2016
وانتقالًا إلى الدول التي ستُعاني تحويلات مواطنيها في الخارج من المُتغيرات الاقتصادية التي تشهدها منطقة الخليج، فتأتي مصر على رأس قائمة هذه الدول.
فقد كشف البنك المركزي عن تراجع تحويلات العاملين بواقع 400 مليون دولار، ما يُعادل 8.5% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2015-2016 لتسجل 4.3 مليار دولار مقابل 4.7 مليار دولار مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
"هناك توقعات بأن تتراجع حصيلة تحويلات المصريين بالخارج في حدود 10% خلال العام المالي الحالي، وهذا ناتج عن عدة أسباب، منها تأثُر أعمال المواطنين في الخارج بتباطئ النمو الخليجي بسبب تراجع أسعار النفط، وكذلك ظهور سوق سوداء بين المصريين مؤخرًا في تركيا وبعض الدول العربية لبيع الدولار للشركات المصرية" حسب رئيس قسم البحوث الاقتصادية ببنك الاستثمار فاروس.
ويُضيف، هناك سببًا آخر هامًا يتمثل في تراجع حجم التحويلات التي كانت تذهب لبناء المنازل على الأراضي الزراعية بعد انتشارها على مدار 3 سنوات وتحديدًا منذ 2011 حتى 2014.
ويؤكد جنينة أن تراجع تحويلات العاملين في الخارج تُشكل خطورة كبيرة على رصيد البلاد من الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، الذي يُقدر الآن بنحو 16 مليار دولار، نظرًا لأنه كان أحد المصادر القليلة التي سجلت ارتفاعًا منذ 2011 وسط تراجع حصيلة مصادر النقد الأجنبي الأخرى مثل السياحة والصادرات.
وبلغت تحويلات المصريين بالخارج 19.3 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي لتأتي في المرتبة الثانية من مصادر النقد الأجنبى، بعد حصيلة الصادرات.
وتشير الإحصائيات إلى وجود نحو 8 ملايين مصري يعملون في الخارج، يتواجد 70% منهم في دول الخليج، بينهم 50% في السعودية، و20% في باقى الدول الخليجية، مقابل 30% في أوروبا ودول أمريكا الشمالية.
ويُشير جنينة إلى أن الخطورة الحقيقية لتراجع تحويلات المصريين من الخارج تكمن في كيفية تدبير الموارد اللازمة من العملات الأجنبية لشراء واردات البلاد التي تتجاوز 60 مليار دولار سنويًّا، خاصةً أن الميزان التجاري شهد خلال الربع الأول من العام المالي الحالي عجزًا بنحو 10 مليارات دولار.
والمُلفت في الأمر أن ميزان المدفوعات - وهو ما يقيس التدفقات الأجنبية التي تستقبلها البلاد مقابل الخارج منها - قد بدأ في تسجيل عجز خلال الربع الأول من 2015- 2016 بنحو 3.7 مليار دولار بعد أن حقق فائضًا بقيمة 400 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
من جانبه يوضح هيثم عبدالفتاح رئيس قطاع الخزانة ببنك التنمية الصناعية والعمال، أن تأثير تراجع أسعار النفط سيكون محدودًا على تحويلات العاملين بالخارج، نظرًا لأن معظمهم يعمل في مجالات خدمية بعيدًا عن مشروعات النفط مثل التعليم والصحة والمحاسبة.
ويتابع عبدالفتاح: إنه يُمكن الحديث عن تراجع معدلات توفير فُرص عمل جديدة للوافدين للدول الخليجية، ولكن في الجهة المُقابلة ستظل البلاد تحظى بمُساعدات خليجية تُدعم مواردها من النقد الأجنبي.
وشهدت مصر دعمًا كبيرًا من دول الخليج منذ العام 2013، كان آخرها استقبال ودائع تقدر بـ 6 مليارات دولار بعد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، فضلًا عن الاتفاق مؤخرًا مع السعودية على قروض بقيمة 3 مليارات جنيه، والتي تعتزم ضخ استثمارات بنحو 30 مليار ريال وتأمين احتياجات مصر النفطية خلال السنوات الخمس القادمة.
تحويلات اليمن في خطر
فيما تواجه عدن مخاطر حقيقة في الحفاظ على حجم تحويلات العاملين في الخارج، ولكن ليس بسبب تراجع أسعار النفط حيث يرتبط الأمر بالحرب الدائرة على أراضيها الآن.
وقد حذر صندوق النقد الدولي من المخاطر التي ستنجم عن النزاع المُسلح الذي يُهدد الوضع الاقتصادي في اليمن، ومصادر التدفقات الأجنبية اللازمة لتأمين الواردات اللازمة للبلاد من الأغذية والأدوية.
وتحظى تحويلات المغتربين بأهمية خاصة للاقتصاد اليمني، فبحسب المرصد الاقتصادي للدراسات في اليمن فإن التحويلات تُمثل المصدر الأول لموارد النقد الأجنبي في الوقت الحالي، وأي تراجع سيفاقم أزمات اليمنيين المعيشية.
ويبلغ عدد المغتربين اليمنيين في الخارج نحو 3.9 ملايين مواطن، وبحسب البيانات الصادرة عن المصرف المركزي اليمني فإن قيمة التحويلات بلغت 3.3 مليار دولار في 2014.
ولكن وفقًا لتصريحات لخبراء اقتصاديين فإن هذه القيمة مُهددة بالتراجع الملحوظ بسبب الحرب القائمة، بالتزامن مع توقف الإنتاج بالعديد من حقول النفط.
مصرف لُبنان يتخوف من التراجع
وتُطال التهديدات تحويلات المغتربين إلى لُبنان، فقد أعلن حاكم المصرف اللُبناني رياض سلامة صراحةً أن استمرار تراجع أسعار النفط يُهدد بالتأثير سلبًا على قيمة تحويلات اللُبنانيين في الخارج.
ورغم تخوف المصرف اللُبناني إلا أن العام 2014 الذي بدأت خلاله أسعار النفط في الهبوط، قد شهد ارتفاع قيمة التحويلات المُتدفقة إلى لُبنان بنسبة 13.2% مُسجلة 8.9 مليار دولار مقابل 7.9 مليار دولار في 2013 بحسب بيانات البنك الدولي.
ولكن جمعية مصارف لُبنان لفتت إلى أن هناك جانب من التحويلات يخُص اللاجئيين السوريين حيث يُعاد تحويل جزء من هذه الأموال من لُبنان إلى سوريا.
وتلعب التحويلات بشكل عام دورًا مُهما في تأمين الاحتياجات المالية للبلاد لتمويل وارداتها من الخارج، خاصةً أن العجز التجاري سجل 10.4 مليار دولار في العام 2014، مع العلم بأن حصيلة الصادرات غطت 16.21% من الواردات فقط.
نمو التحويلات للأردن رغم تحذيرات النقد الدولي
في بداية العام الماضي حذر صندوق النقد الدولي من تباطئ تدفقات تحويلات العاملين في الخارج لبعض البُلدان، ومنها الأردن بسبب تراجع سعر النفط، وأكد الصندوق أن التحويلات تُشكل أحد ركائز الاقتصاد الأردني في ظل تمثيلها 7.5% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للأردن أي كل ما يتم إنتاجه داخل البلاد.
ورهن صندوق النقد تراجع التحويلات باتخاذ دول الخليج قرارات تخُص الأوضاع المالية أو فرض ضريبة خاصة على تحويلات العاملين الأجانب.
ومع ذلك كشفت البيانات الأولية للبنك المركزي الأردني عن ارتفاع إجمالي تحويلات العاملين خلال أول عشرة أشهر من العام 2015 بنسبة 1.9% لتُسجل 3.495 مليار دولار مقارنة مع 3.431 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2014.
ويُعتبر ذلك استكمالًا للنمو السنوي الذي سجلته تحويلات المغتربين بالخارج خلال 2014، حين ارتفعت بنسبة 2.6% لتبلغ الحصيلة 3.7 مليار دولار.