"أطفال الكرتونة".. ظاهرة تؤرّق لبنان في الصغر والكبر
أمام مسجد أو كنيسة أو حتى بالقرب من مكبّ للنفايات، موضوعا في كرتونة بالعراء، فقط لأنه جاء إلى هذه الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية.
"أطفال الكرتونة" ظاهرة باتت تبرز في لبنان خلال الآونة الأخيرة، والمقصود بها ظاهرة إلقاء الأطفال الرضع في الشوارع، فيما يعرف باللقطاء.
وخلال العام 2015 سجلت قوى الأمن الداخلي العثور على 13 طفلا لقيطا، أمام مساجد أو كنائس أو مؤسسات اجتماعية أو حتى بالقرب من مكبّ للنفايات، موضوعين في كرتونة بالعراء، فقط لأنهم جاؤوا إلى هذه الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية، وبغير رضا الأب والأم. ولكن على صعيد الأرقام هناك من يقول إن الأرقام تزيد عن ذلك بكثير، لأن كل الحالات لا تصل إلى أجهزة الأمن، لتسجيلها.
عند العثور على طفل ملقى في مكان ما يجب إبلاغ القوى الأمنية لتسجيل إفادة بالحادثة، يشار فيها إلى العلامات الفارقة التي تميّزه، ينقل بعدها إلى أحد المستشفيات لمعاينته وإصدار إفادة طبية له. بعدها يسلم إلى مؤسسة ترعاه، أما إذا أراد أن يتكفله شخص فعليه إبلاغ النيابة العامة للحصول على غطاء قانوني. وعلى من يتكفل بالطفل سواء أكانت مؤسسة أم شخصاً إصدار هوية له، على أن يسجل تحت اسم أم وأب وعائلة مستعارة. هذه بإيجاز الآلية التي تتبع عند العثور على طفل حديث الولادة ملقى في الشارع. ولكن الدولة اللبنانية لا تزال تضع كلمة "مستعار" أمام اسم الطفل "اللقيط" في الدوائر الرسمية، الأمر الذي أثار غضب عدد من الجمعيات المدنية، التي اعتبرت أن الأمر فيه نوع من التمييز، ويظهر أن الطفل من علاقة غير شرعية.
وتشير رئيسة جمعية قرى الأطفال، فيفيان زيدان، إلى أن عدد "اللقطاء" الذين دخلوا المؤسسة في السنتين الأخيرتين ارتفع كثيراً، مرجعة ذلك إلى "الأوضاع الأمنية والاقتصادية"، ومع ذلك ترفض المؤسسة تبني أي طفل خارجها، فتقول: "نأخذ توكيلا برعاية الأولاد ويستمرون تحت رعايتنا حتى يبلغوا سنّ الخامسة والعشرين، أي حتى التخرج والعمل، ومن يرِد أن يكفلهم بإمكانه تقديم المال إلى المؤسسة".
في حين أن مؤسسة دار الأيتام الاسلامية التي تعنى كذلك بمثل هذه الحالات تسمح بكفالة الطفل خارج المؤسسة بشروط، حيث شرحت رئيسة الدار، سمر الحريري، أن أهم الشروط الواجب توافرها وجود زوج وزوجة، "فما ينقص الطفل هو جو العائلة الذي نحرص على تأمينه داخل الميتم، ونقف إلى جانبهم حتى انتهائهم من تحصيل علمهم والحصول على وظيفة وشق طريقهم في الحياة". ومن الشروط الأخرى لكفالة طفل من دار الأيتام الإسلامية "ضرورة تأمين عيشة لائقة وجو سليم له مع استمرار الدار بزيارته بين الحين والآخر".
وتضيف الحريري: "الحقيقة في أحيان كثيرة تكون مؤلمة، وتكون قاتلة أحيانا حين يعلم اللقيط بحقيقة وضعه، وأنه نُبذ من أهله عند خروجه إلى الحياة. لذا يتم إبلاغه بالحقيقة تدريجيا. وهناك عدد كبير من الأولاد عندما يكبرون يصرّون على معرفة أهلهم فتبدأ رحلة بحثهم، كما قد يحصل العكس فيبدأ الأهل رحلة البحث عمن تخلوا عنه. لكنهم يفهمون وضعهم مع الوقت، عندما يكتشفون عدم وجود عائلة تأتي لتصطحبهم كل نهار سبت على عكس زملائهم في الميتم، البعض يتقبل وضعه، والبعض الآخر يرفضه فيتحول إلى شخص متشائم وعدواني".
ويقول مدير عام الأوقاف الإسلامية في لبنان، الشيخ هشام خليفة: "فكرة أو مبدأ التبني بغض النظر عن الصفة من أساسيات الإسلام، أي ما يسمى الكفالة أو الولاية أو التولي، فالإسلام يرفض التبني في وجهة واحدة فقط، وهي أن يعطى اسم هذا الإنسان إلى العائلة المتبناة، نحن نركز على بقاء اسم عائلته غير اسم العائلة التي تكفلت به، الأمر الثاني المحظور شرعاً هو ألا يصبح من العائلة بكل المعطيات الشرعية التي تعطيه حقوقا شرعية كالابن الحقيقي، مثلاً إذا كان ممنوعاً على الأخ أن يتزوج أخته، فالإسلام في حال كفالته لا يعطيه هذا المنع، كما لا يحق له أن يرث، وما عدا هذان الأمرين فإن الإسلام يحض على الكفالة، والرسول يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة". واستطرد أن "الكفالة للقيط واليتيم والفقير أمر شرعي ومطلوب وفيه ثواب كبير".
وفي حين جرت العادة في العالم العربي على تزويج اللقيط من لقيطة، يتم تجنب هذا الأمر في لبنان، لأن أولادهما سيكونون «لقطاء اجتماعياً»، فلا يكون لهم أهل ولا أقارب، وتظل المؤسسة هي مرجعهم، بينما الهدف هو دمجهم في المجتمع. وتجدر الإشارة إلى أن كل زيجات اللقيط من اللقيطة انتهت إلى الطلاق لأنه في مؤسسة الزواج هذه لن يكون هناك سوى شخصين من دون عائلة.
لينا (35 عاما) لقيطة عاشت وترعرعت في كنف دار الأيتام الإسلامية في بيروت. تشعر بالخوف والقلق من المجتمع الذي تعيش فيه، فهي تخشى أن تسمي نفسها لقيطة أو حتى تعترف بذلك أمام الناس بل تدعي أنها فقدت والديها منذ كانت صغيرة، وتعيش في منزل مستقل برفقة فتاة لها نفس ظروفها وتدعيان كلاهما أمام الناس أنهما شقيقتان.
بعد أن أنهت لينا تعليمها في المؤسسة انتقلت للعمل في حضانة الأطفال بالمؤسسة نفسها. وتقول: "أتمنى أن أعيش كأية فتاة تذهب إلى عملها وتعود إلى منزلها لتجد والدها ووالدتها ينتظرانها، وللأسف حرمت من هذا الشعور، لكن الحمد لله، بمرور السنوات أرى نفسي أتخلص من هذه المشكلة".
لينا لا ترغب بلقاء والديها، لكنها لا تكن لهما الكراهية لأنها على حد قولها لا تستطيع كراهية شخص لا تعرف عنه شيئا، وتجهله. لكنها تقول: "المعاناة تكبر في المجتمع أمام الناس الذين يكثرون من طرح الأسئلة لمعرفة من أنا ومن هم أهلي".
أما سامي (18 عاما) فقد شبّ في مركز الأيتام ويتلقى علومه في مجال الخدمات الفندقية في أحد المعاهد. لا يخفي سامي حقده على أهله الذين تخلوا عنه وتركوه، فهم لا يعنون له شيئا" على الإطلاق، لذلك لا يبدو مستعدا لتقبل أهله في حال عثر عليهم بعد أن تركوه 18 عاما".
الدمعة محبوسة في مقلتي سامي، والمشكلة التي واجهها سامي تكمن في خروجه إلى المجتمع، مما أثر سلبا "على دراسته لدرجة أنه يخبر رفاقه أنه يعيش في إحدى المناطق اللبنانية بمفرده بعد وفاة والديه، خوفا "من كشف أمره، فيدخل اجتماعيا في خانة "لقيط".
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز