5 سنوات على الثورة .. وتونس تحاول التمسك بـ"الاستثناء"
السبسي: لا وريث لي وكل تونسي هو من أبنائي
وسط مشاعر مختلطة ما بين الخيبة والاعتزاز، أحيت تونس، اليوم الخميس، الذكرى الخامسة لسقوط نظام زين العابدين بن علي.
وسط مشاعر مختلطة ما بين الخيبة والاعتزاز، أحيت تونس، اليوم الخميس، الذكرى الخامسة لسقوط نظام زين العابدين بن علي، ما فتح أمام البلاد صفحة جديدة من الحرية، ولكن من غير أن تنجح إلى اليوم في التغلب على الصعوبات الكبرى التي تواجهها لتظل البلد الاستثناء في الربيع العربي.
وفي 14 تموز/يوليو 2011، بعد شهر من التظاهرات التي واجهها النظام بقمع دموي، أحدث الرجل الذي كان يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 23 عامًا، مفاجأة كبرى بفراره إلى السعودية، مثيرًا صدمة عمَّت العالم العربي وأطلقت سلسلة الثورات فيه.
وفي صباح اليوم نفسه، كان متظاهرون قد تحدوا الخوف، فتجمعوا في جادة بورقيبة بوسط تونس، على مقربة من وزارة الداخلية التي كانت تثير الرهبة، هاتفين للدكتاتور "ارحل".
وتجري على هذه الجادة التي تحمل قيمة رمزية كبرى التجمعات في الذكرى الخامسة لسقوط بن علي، منها في أجواء احتفالية كالتجمع الذي ينظمه حزب النهضة الإسلامي، وأخرى ذات طابع احتجاجي كالتجمع الذي دعت إليه مجموعة من الحقوقيين تطالب بإصلاح القانون حول المخدرات المعروف بـ"القانون 52" لاتهامه بالتسبب بهدم حياة العديد من الشبان.
حصيلة متباينة:
وبعد خمس سنوات على سقوط نظام بن علي، بات بوسع التونسيين أخيرًا التعبير عن رأيهم بحرية، وهو أحد مكاسب الثورة الرئيسية.
إلا أن الذكرى تحل هذه السنة في ظل وضع قاتم؛ حيث لا تزال البلاد تعاني من تفشي البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي، وهي الظروف ذاتها التي لعبت دورًا حاسمًا في الثورة التي أطلقها البائع الجوال محمد البوعزيزي حين أضرم النار في نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 احتجاجًا على ظروفه المعيشية.
وشهدت البلاد سلسلة من الاعتداءات الجهادية الدامية منذ 2010 وقتل في السنوات الأخيرة عشرات الشرطيين والعسكريين والسياح الأجانب. وتعيش تونس اليوم في ظل حالة الطوارئ.
وكتبت صحيفة "لو كوتيديان" الخميس: إن "حصيلة ثورة الحرية والكرامة والحق في العمل تبقى بصورة إجمالية متفاوتة" فيما أبدت صحيفة "لا بريس" خشيتها من عودة البلاد إلى "خانة البدايات، خانة الغموض والخوف".
ورأت صحيفة "المغرب" أنه "مهما يكن من أمر، فنحن نحيي اليوم حدثًا مؤسسًا لواقع ومستقبل تونس لعقود وربما لقرون مقبلة".
أما صحيفة "لو تان" فدعت إلى "إعطاء الأمل لجميع الذين خابت آمالهم" محذرة بأن "خطاب جلد الذات يقضي على المعنويات وعلى المستقبل".
عيش كريم للجميع:
بالمقارنة مع الاضطرابات التي تعم دول "الربيع العربي" الأخرى، مثل النزاع في سوريا والفوضى في ليبيا والحرب في اليمن، تبدو تونس مستقرة.
ونظم هذا البلد في 2011 و2014 انتخابات حرة أجمع الكل على وصفها بالشفافة، وأقر دستورًا جديدًا، وتلقى جائزة نوبل للسلام عام 2015 مكافأة لـ"الحوار الوطني" الذي قادته لجنة رباعية في وقت كانت تونس تشهد صراعًا بين الأحزاب السياسية.
وأكد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، اليوم الخميس، أنه منذ الإعلان عن انتخابه رئيسًا للجمهورية استقال من منصبه في حزب نداء تونس، طبقًا للدستور، مشيرًا إلى أنه قانونيًّا يحجر عليه أي منصب في أي حزب، ولكن لا يمنع من التدخل للقيام بدور وطني حال وجود أي إشكال في إشارة منه إلى التدخل في فض إشكاليات حزب نداء تونس.
وأضاف: "لا وريث لي وكل تونسي هو من أبنائي .. فلا توريث لبورقيبة ولا للباجي قائد السبسي أو لغيره".
وأفاد -في كلمة ألقاها خلال موكب نظم في قصر قرطاج بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة 17 ديسمبر 14 يناير- بأنه سيعقد مؤتمرًا وطنيًّا حول الشباب في الربيع القادم، لوضع الاستراتيجيات والآليات لإدماجهم في بلدهم.
وقال قائد السبسي: "يجب وقاية الشباب من الرياح التي تعصف بقواربهم في البحر، ومن اليأس الذي يعرضهم إلى التلاعب بعقولهم وغسل أدمغتهم، والإلقاء بهم في ساحات المعارك، أين يتعلمون فنون الموت والإجرام عوضًا عن الإقبال على الحياة والمساهمة في بناء تونس الجديدة".
وأعلن عن قراره تشكيل لجنة من المختصين لمراجعة النصوص القانونية، وفي مقدمتها المجلة الجزائية، حتى تنسجم مع الروح التحررية التي ميزت الدستور الجديد، إلى جانب إلغاء كل القوانين القسرية التي لم تعد تتلاءم مع العصر.
وأوصى بالتفكير في آليات فعالة لمقاومة جميع أشكال العنصرية والتمييز على أساس المذهب والعرق ولون البشرة، لا سيما أن تونس تحيي يوم 23 يناير الجاري الذكرى 170 لإلغاء الرق والعبودية.
استحقاقات الثورة:
وقال رئيس الوزراء الحبيب الصيد في بيان: "نفاخر بالاستثناء التونسي الذي أبهر العالم"، مؤكدًا أن تونس "قطعت نهائيًّا بدون رجعة مع التسلط والاستبداد".
وتابع: "إننا نعمل جاهدين على تجسيم مختلف استحقاقات الثورة، وخاصة تأمين مقومات العيش الكريم"، مشددًا من جهة أخرى على أن "كسب الحرب على الإرهاب واقتلاعه من جذوره شرط أساسي للتفرغ لخوض غمار التنمية ورفع التحديات القائمة في مختلف المجالات".
وأجرى الصيد مؤخرًا تعديلًا وزاريًّا واسعًا كان قد تعهد به إثر اعتداء انتحاري جديد وقع في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وتبناه تنظيم داعش.
كما شهدت تونس اعتداءين عنيفين استهدف أحدهما متحف باردو في تونس في آذار/مارس فيما استهدف الثاني فندقًا في سوسة (جنوب) في حزيران/يونيو، فأوقعا 60 قتيلًا وشكلا ضربة شديدة للقطاع السياحي.
وتسجل تقلبات تعيد تشكيل الساحة السياسية في تونس منذ أن خرجت إلى العلن صراعات داخلية في صفوف حزب نداء تونس الذي أسسه قائد السبسي في 2012.