لم يكن من اللائق خروج تلميحات من وزير الخارجية السودانى فى زيارته الأخيرة لمصر بأنه ليس صحيحا بأن هناك صواريخ تركية وإيرانية موجهة من الأراضى السودانية الى السد العالى، ولا التصريح بأن إثيوبيا تبنى سدا إثيوبيا على أراض إثيوبية لأنها أمام القانون الدولى تبنى سدا على نهر دولي مشترك تمتلكه ثلاث دول ولا تسمح القوانين الدولية بالسيادة المطلقة عليه، ثم التصريح الثالث بأن السودان مستفيدة من سد النهضة وموافقة عليه، أما الإشارة الدبلوماسية بأن السودان لن ترضى بوقوع أى أضرار على مصر وحصتها المائية فهذا ما يكرره دوما الجانب الإثيوبى شفاهة والرفض بالتعهد به كتابة عبر اتفاقية أو معاهدة لتقسيم مياه الحوض الشرقى لنهر النيل، هذا الأمر تسمح به القوانين الدولية للمياه وللأسف لم يدركه مبكرا وزير الرى المصرى حين ردد تصريحات وزير الرى الإثيوبى بأن حصة مصر من المياه لا تأتى من إثيوبيا وحدها ولكن من دول منابع النيل الأبيض أيضا ولا يمكن لإثيوبيا توقيع اتفاقية تقسيم مياه مستقلة مع مصر بعيدا عن باقى دول الحوض.
هذا القول لا يتماشى مع قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية غير الملاحية والتى تشير المادة الثالثة فى بندها الثالث النص «لدول المجرى المائى أن تعقد اتفاقا أو أكثر من اتفاق ويشار إليها بعبارة «اتفاقيات المجرى المائى» تطبق بموجبها أحكام هذه المواد وتواءم مع خصائص واستخدامات مجرى مائى معين أو جزء منه (ولاحظ عبارة أو جزء منه) وهو ما أدركه المفاوض المصرى القديم حين أبرم تفاقية عام 1929 مع دول منابع النيل الأبيض فقط ومن قبلها أيضا اتفاقية 1902 مع إثيوبيا فقط وقبلها اتفاق مصر مع الكونغو بشأن نهر السمليكى وبالتالى فليس هناك ما يمنع ابدا من توقيع اتفاقية مائية مستقلة لحصص المياه مع أى دولة أو منبع من منابع النهر سواء الشرقية أو الجنوبية.
فى نفس المادة الثالثة لقانون الأنهار الدولية من البند (1) النص «ليس فى هذه الاتفاقية ما يؤثر فى حقوق أو التزامات دولة المجرى المائى الناشئة عن اتفاقيات يكون معمولا بها بالنسبة لهذه الدولة فى اليوم الذى تصبح فيه طرفا فى هذه الاتفاقية مالم يكن هناك اتفاق على نقيض ذلك «وبما إن اتفاقيات 1902 و 1929 مازالت اتفاقيات سارية حتى اليوم ولم تقم برلمانات دول المنابع بإلغائها ولا برلمان مصر أيضا فإن أى اتفاقيات جديدة لنهر النيل مثل اتفاقية عنتيبى لا تلغى هذه الاتفاقيات التى تحفظ لمصر حق الفيتو وحق الإخطار المسبق وحق التصويت بالإجماع، ولا يمكن اعتبار أن تاريخ نهر النيل بدأ فقط منذ عام 2010 وقت توقيع اتفاقية عنتيبى.
وفى مادة 26 لقانون المياه البند (1) النص بألا يتسبب السد الجديد لدول المنابع فى حدوث أضرار ملموسة بالسدود والإنشاءات الحالية القائمة والسابقة على هذا البناء الجديد (تبذل دول المجرى المائى، كل فى إقليمها، قصارى جهودها لصيانة وحماية الإنشاءات، والمرافق والأشغال الهندسية الأخرى المتصلة بالمجرى المائى الدولى)، وبما أن السد الإثيوبى يسبب ضررا بالغا بالسد العالى السابق عليه بخمسين عاما فإنه كان ينبغى التعهد الإثيوبى أولا وقبل بناء سدها بالحفاظ على كيان وعمل كفاءة السد المصرى وألا يكون الغرض من السد الإثيوبى هو تدمير وإلغاء السد العالى فى مصر والذى لا يؤذى أحدا ولا يؤثر على موارد أى دولة أخرى لأننا نهاية النهر وليس بدايته.
ثم تأتى بعد ذلك تنبه المفاوض المصرى بعد 18 شهرا من المفاوضات الحالية والتى بدأت فى أغسطس 2014 الى أن فتحات تصريف المياه فى السنوات العجاف للنيل الأزرق بعيدا عن فتحات توليد الكهرباء غير كافية، وبعد أن وصل ارتفاع السد الخرساني إلي 70 مترا، وأصبح إجراء تغيرات جوهرية لن تقبلها إثيوبيا بسهولة بالإضافة لوضوح صالحها فى تدفق المياه عبر فتحات التوربينات لتوليد الكهرباء لتضمن شراء مصر أكبر قدر من كهرباء سدها العدوانى حتى نضمن حصتنا من المياه بعمل جميع التوربينات الستة عشر لأنه لا توجد دولة أخرى فى المنطقة لها حاجة فى مثل هذا الكم المتوقع توليده نظريا من السد الإثيوبى.
الأمر الآن يتطلب التعهد الإثيوبى كتابة بحد أدنى من المياه ينبغى صرفها سنويا أو يوميا من خلف السد تضمن لمصر حصتها الحالية من المياه دون نقصان ثم فلتبن إثيوبيا سدها بالطريقة التى تجبرها على الحفاظ على تعاقداتها مع مصر خاصة بعد خطة بناء السد ولا ترتبط بأى معاهدات أو اتفاقيات مع مصر والسودان نافيا تقديم إثيوبيا لأى تنازلات أو تعهدات لمصر بضمان حصتها من المياه.
اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسى مع وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة ووزير الرى أثلج قلوب المصريين ونحن لا نرجو إلا كل الخير للسودان ولإثيوبيا ونرجو أن يرجوا لنا الخير أيضا ويقدروا مصدرنا الوحيد للحياة وكم يمثل للأمن القومى المصرى، وأن إعادة نظر إثيوبيا فى ارتفاع السد الجانبى الركامى المساعد للسد الأسمنتى وتخفيضه الى النصف ينهى كل المسائل العالقة والشواغل المصرية وينمى التعاون الاقتصادى والعلاقات الحميمة بين شركاء النهر الخالد.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة