منظمة التعاون الإسلامي ينتظر منها أن تتخذ قراراً مماثلاً، لأن إيران انتهكت، ولا تزال تنتهك، ميثاق منظمة التعاون الإسلامي
الإدانة القوية التي أصدرها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية في شأن الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، والوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية وتأييدها، والتنديد بالسياسة التي تتبعها إيران في التدخل في شؤون المنطقة والإضرار بأمنها، هي نجاح كبير حققته الديبلوماسية السعودية، من شأنه أن يعزز العمل العربي المشترك في هذه المرحلة الحرجة، ويواجه التمدّد الإيراني الرهيب في العالم العربي، بما يمثّله من تهديدات للأمن القومي العربي، وللأمن والسلم والاستقرار في مجموع دول العالم الإسلامي.
ولعل الموقف الحازم الذي اتخذه مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، أن يكون حافزاً لمنظمة التعاون الإسلامي لاتخاذ الموقف المنتظر منها في أسرع وقت، استناداً إلى ميثاق المنظمة الذي ينصّ في الفقرتين الخامسة والثالثة عشرة من الديباجة، على «احترام السيادة الوطنية لجميع الدول الأعضاء واستقلالها ووحدة أراضيها وصونها والدفاع عنها»، و «احترام تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء»، كما ورد في الفقرتين الرابعة والخامسة من الفصل الأول الخاص بالأهداف والمبادئ من الميثاق: «تتعهد جميع الدول الأعضاء باحترام السيادة الوطنية والاستقلال ووحدة الأراضي لكل منها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين»، و «تتعهد جميع الدول الأعضاء بأن تساهم في صون السلم والأمن الدوليين والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. وذلك وفقاً لهذا الميثاق وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».
إن ذلك هو تماماً الإجراء الواجب اتخاذه للتعامل مع إيران بما يقتضيه ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، وطبقاً لمقتضيات ميثاق الأمم المتحدة التي استند إليها البيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في خصوص إدانة الاعتداء على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في إيران، وتحميل الدولة الإيرانية مسؤولية عدم حمايتها البعثتين. فبالتحرك على صعيد منظمة التعاون الإسلامي، ستكون الحلقة الديبلوماسية قد اكتملت، وتم تجريم إيران طبقاًَ للقوانين الدولية على المستوى الإقليمي وعلى الصعيد الدولي.
وإذا كان مجلس التعاون وجامعة الدول العربية قد قاما بالواجب المنوط بهما، فإن منظمة التعاون الإسلامي ينتظر منها أن تتخذ قراراً مماثلاً، لأن إيران انتهكت، ولا تزال تنتهك، ميثاق منظمة التعاون الإسلامي التي هي عضو مؤسس فيها، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في عضويتها في المنظمة، وفيما يتفرع عنها من منظمات تعمل في إطارها. فالمسألة في عمقها وبطبيعتها، تتطلب الحزم في اتخاذ القرار السياسي الواضح والصريح الذي يلتزم ميثاق المنظمة، بحكم أن الممارسات التي تقوم بها إيران في العالم الإسلامي، وليس فحسب في العالم العربي، تمسّ السيادة الوطنية للدول الأعضاء، وتعدّ تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لهذه الدول التي تشترك معها في العضوية في منظمة التعاون الإسلامي، وتخلّ بقواعد الأمن والسلم الدوليين.
لقد أصبح واضحاً أن إيران تتدخل في شكل سافر في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وأنها تفرض وصايتها على ثلاث دول عربية هي العراق وسورية ولبنان، وعلى ميليشيات الحوثيين في اليمن المتمردة على الحكومة الشرعية. وتأكد كذلك، أن إيران تعبث بالأمن القومي لدول الخليج العربي، خصوصاً في البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت، وتحتل ثلاث جزر من دولة الإمارات العربية المتحدة. هذا فضلاً عن الأعمال الإرهابية والممارسات التخريبية التي تمارسها طهران في كل من باكستان وأفغانستان ودول أفريقية تسرّبت إليها إيران بنفوذها، وتعمل على الإضرار بأمنها واستقرارها وبنسيجها المجتمعي، من خلال نشرها مذهبها وفرضه بالتحايل والتضليل واضطهاد أهل السنة من الأصول العربية والكردية والفارسية في إيران نفسها، وبثّ الفتنة الطائفية التي تسعى من ورائها إلى زعزعة الاستقرار وقلب الأنظمة والتحريض على التمرد والعصيان وحمل السلاح في وجه السلطات. وتلك هي السياسة الطائفية الإرهابية التدميرية التي تمارسها إيران، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في مجموع دول العالم الإسلامي، وهي الدول السبع والخمسون الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
ولهذا، فإن القرار المنتظر من منظمة التعاون الإسلامي في شأن سياسات إيران التخريبية العدوانية، وفي شأن عضويتها في المنظمة، سيكون الأساس الذي سيستند إليه مجلس الأمن، في أي مناقشة لهذه الحالة المهدّدة للأمن والسلم الدوليين، حيث أن المنتظم الدولي بات ينظر إلى إيران باعتبارها دولة غير طبيعية مارقة عن المجتمع الدولي وخارجة عن القوانين الدولية.
لقد حان الوقت للتعامل بكل حزم ووضوح، لمواجهة مَن يخالف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، فهذا زمن المواجهة الحازمة مع الأخطار التي تتهدد الأمن والسلم في العالم الإسلامي، والقسم الأكبر من هذه الأخطار مصدرُه السياسة العدوانية الاستفزازية الإرهابية التخريبية التي تمارسها إيران في دول العالم الإسلامي، خدمةً لمطامعها العنصرية وأوهامها الطائفية. وإن أي تأخير في اتخاذ هذا القرار الحاسم الحازم المنتظر من منظمة التعاون الإسلامي، سيضيع فرصاً كثيرة، وسيطيل من مرحلة الهيمنة الإيرانية على الأوضاع في منطقتنا على وجه الخصوص، ما ستكون له عواقب وخيمة وتداعيات خطيرة وانعكاسات تضرّ بالمصالح العليا لدول العالم الإسلامي جميعاً.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة