لبنان.. أي سيناريوهات تنتظر بعد اتفاق عون- جعجع
"العين" تقدم تحليلًا لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في لبنان بعد اتخاذ زعيم الكتائب اللبنانية خطوته التاريخية بزيارة خصمه اللدود.
أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بعد طول دراسة وتفكير ومناقشات ومداولات في الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية على حسب قوله، في خطوة قال، إنها "تحمل الأمل بالخروج ممّا نحن فيه إلى وضعٍ أكثر أمانًا واستقرارًا وحياةً طبيعية".
وأوضح، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع عون في معراب، أن ما عزز اقتناعه بهذه الخطوة، هو التطور الإيجابي في العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لا سيما من خلال ورقة إعلان النيات التي وقعت في حزيران من العام 2015، وما تضمنته مقدمة الورقة من حرص على تنقية الذاكرة والتطلع نحو مستقبل يسوده التعاون السياسي أو التنافس الشريف، وما تضمّنته الورقة ككل من مجموعة نقاط رئيسية، أبرزها:
أولًا، تأكيد الإيمان بلبنان وطنًا نهائيًّا سيدًا حرًا، وبالعيش المشترك وبالمبادئ التأسيسية الواردة في مقدمة الدستور.
ثانيًا، الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف، واحترام أحكام الدستور من دون انتقائية، وبعيدًا من الاعتبارات السياسية والتفسيرات الخاطئة.
ثالثًا، اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع المرتبطة بالقضايا الإقليمية والدولية.
رابعًا، تعزيز مؤسسات الدولة وثقافة الاحتكام إلى القانون، وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف أيًّا كانت الهواجس والاحتقانات.
خامسًا، دعم الجيش معنويًّا وماديًّا وتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع مختلف الحالات الأمنية على الأراضي اللبنانية كافة، بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية.
سادسًا، ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي، وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول، ولا سيما العربية منها، مما يحصن الوضع الداخلي اللبناني سياسيًّا وأمنيًّا، ويساعد على استقرار الأوضاع، وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوة، والتمسك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002.
سابعًا، ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقرًّا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين.
ثامنًا، احترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
تاسعًا، العمل على تنفيذ القرارات التي تم التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني.
عاشرًا، ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل، بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكل المدخل الأساسي لإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة.
وتابع جعجع بقوله، "بناء على ما تقدم من نقاط تشكّل نواة مهمة لبرنامج رئاسي، وانطلاقًا من هذا الإطار السياسي الواضح الذي دفعنا إلى تبنّي هذا الترشيح، أدعو القوى الحليفة في 14 آذار وثورة الأرز، إلى تبني ترشيح العماد عون، لا سيما أنّ الإطار المذكور يترجم في نواح عدة عناوين مهمة من مشروع 14 آذار، ويتلاءم معها على خلفية الواقعية السياسية واعتماد أفضل الخيارات المتاحة". بعدها، ألقى عون كلمة قال فيها: "أود أن أشكر القوات اللبنانية التي اتخذت قرار دعمي في الانتخابات الرئاسية بتوجيه من رئيسها الدكتور سمير جعجع"، وأضاف أن "كل ما أتى على ذكره رئيس القوات لا شك أنه في ضميرنا وكتابنا، ولن ننسى ما قاتلنا من أجله في سبيل سيادة واستمرار ودوام هذا الوطن في التاريخ".
وتابع: "سنسعى لجعل وطننا وطنًا نموذجيًا لأولادنا وأحفادنا، إذ يجب الخروج من الماضي لبناء المستقبل ولكن من دون أن ننساه كي لا نكرره". وأكد "أن الورقة السوداء انتهى دورها ويجب حرقها ولنضع كل ذلك في ذاكرتنا فقط"، و أمل عون أن تتم عملية انتخاب رئيس الجمهورية بخير في المستقبل القريب، ونحن نعد أن نكون غطاءً لجميع اللبنانيين باعتبار أنهم لم ولن يتعاملوا بكيدية مع أحد حتى في صلب مرحلة الخصومة، على حسب قوله.
والجدير بالذكر أن التيار الوطني الحر، الذي يعرف أيضًا بالتيار العوني، هو حزب سياسي لبناني رئيسه جبران باسيل، هو تيار سياسي واسع التمثيل، منتشر في كل قرية في لبنان، وينادي بدولة مدنية تقوم على أساس احترام مختلف الأفراد فيها، كان هدفهم منذ البدئ وقف النزاعات الحاصلة بين الطوائف اللبنانية وتحرير لبنان من الهيمنة السورية السياسية والعسكرية، بدأ عملهم يقتصر على المظاهرات الشعبية والتطوع في الجيش وشكلوا ما يسمى أنصار الجيش.
في حين أن القوات اللبنانية هي حزب سياسي أسسه بشير الجميّل سنة 1976 لكي تكون الذراع العسكري للجبهة اللبنانية، كانت إحدى أهم الأطراف المتصارعة أثناء الحرب وخاضت معارك عديدة ضد ميليشيات الحركة الوطنية اللبنانية والمنظمات الفلسطينية، كما أنها دخلت في صراعات خاطفة مع ميليشيات يمينية أخرى كانت حليفة لها، ويرأس الهيئة التنفيذية للقوات حاليًا سمير جعجع، وللقوات 8 مقاعد في المجلس النيابي، شاركت القوات في حكومة فؤاد السنيورة الأولى عبر وزير السياحة جوزيف سركيس، وشاركت في حكومة فؤاد السنيورة الثانية عبر وزير البيئة أنطوان كرم إضافة لوزير العدل إبراهيم نجار المحسوب عليها، كما شاركت بحكومة الرئيس سعد الدين الحريري عبر وزير العدل إبراهيم نجار ووزير الثقافة سليم وردة.
يقول تقرير لمعهد كارنجي أن العامل الداخلي في لبنان يتمثل في مجموعة من الخلافات بين الطوائف والمذاهب والأحزاب والشخصيات السياسية، و التالي يلخص أبرز ثلاث خلافات كانت على الساحة.
يتمثل الخلاف الأول، وهو قانوني أو دستوري، بإصرار الغالبية النيابية على ممارسة دورها في مجلسي النواب و الوزراء، في حين ترفض الأقلية هذا المنطق رغم توافقه مع لبنان الديمقراطي البرلماني، باعتباره خارجًا على الميثاق الوطني ومقدمة الدستور، خاصة بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية من الحكومة الحالية، وتصر على (ديمقراطية توافقية) تمثل كل الأطراف في المجلسين، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات النيابية.
أما الخلاف الثاني فهو طائفي ومذهبي يتخذ من القانون والخلاف حوله غطاءً يخفي حقيقة أن ما يحرك الأطراف هو مصالحهم الطائفية والمذهبية وليس الوطنية، وجوهر الخلاف هو إصرار "حزب الله"، بسبب تاريخه المجيد في الصراع مع إسرائيل، إما على المحافظة على الدولة التي أقامها داخل الدولة اللبنانية أو على السيطرة على الدولة اللبنانية ولعب الدور الأول رغم حرصه على المحافظة على سائر أدوار الأطراف الأخرى شكليًا، وهو يستند لتحقيق ذلك على الأكثرية العددية للشيعة في لبنان، وعلى قوته العسكرية وعلى تسليحه وعلاقاته الخارجية، مقابل غياب ذلك عند الطوائف الأخرى، وهذا أمر يرفضه الأطراف الآخرون ويحاولون الحيال دون تحقيقه بتجميع الصفوف أولًا، وبالاستعانة مثل "حزب الله" بجهات خارجية، وإفهامه أن محاولته فرض مواقفه بالقوة لن تنجح إلا في وضع البلاد على طريق الدمار.
أما الخلاف الثالث فهو خارجي بحت، ينعكس على الداخل بقوة، فالشرق الأوسط يشهد مواجهة حادة وشرسة بين إيران وسوريا من جهة وبين الولايات المتحدة وغالبية المجتمع الدولي والعربي من جهة أخرى حول قضايا كثيرة، منها النظام في إيران وسلاحها النووي، ورفضها دولة إسرائيل، وضلوعها في الإرهاب ماضيًا وحاضرًا في العراق، ومنها ضلوع النظام السوري في الإرهاب داخل العراق ضد أمريكا ومحاولته ضرب الاستقرار في لبنان للسيطرة عليه مجددًا، ومنها إمداد الفلسطينيين الإرهابيين في نظر أمريكا وإسرائيل بكل أنواع الدعم.
ويضيف التقرير كان لبنان ساحة مثالية لهذا الخلاف في ظل وجود ذراع أمنية وعسكرية وسياسية ومذهبية لبنانية لإيران، ووجود حلفاء لسوريا لن يكون لديهم دورًا سياسيًّا في لبنان مستقبلًا إذا ما تكرّس استقلاله بعيدًا عن التدخلات السورية، ووجود أطراف أخرى لا تقل أهمية ترفض تحويل لبنان إلى ساحة لإيران وسوريا وترفض سيطرة حلفائهما على الوضع، كما في ظل وجود مجتمع دولي بقيادة أميركا يدعم مواجهي المحور السوري ـ الإيراني وحلفائه اللبنانيين لمنع هؤلاء من الانتصار، و إن كان قد لا يستطيع دفع حلفائه اللبنانيين إلى الفوز.
ويختتم التقرير باستنتاج أنه من الصعب انتخاب رئيس قوي بعقله وحكمته وليس "بزنده" وانفعاله واعتماده على أسلحة الآخرين، رئيس ينهي وصوله إلى القصر الرئاسي أزمة ويمنع نشوء أزمة أكبر قد تصبح مصيرية، ذلك أن ارتباط الداخل بالخارج واستحالة انفكاكهما وتعذر الحلول للمواجهات الإقليمية والدولية، يضع اللبنانيين أمام سيناريو من خمسة.
الأول: اتفاق أطراف الداخل كلهم على هدنة فقط وليس حل، وتاليًا انتخاب رئيس يدير الهدنة، تكون مهمته إبقاء الوضع الراهن مع تحسينات تجميلية، تمكن الناس من العيش، وربما تبعد شبح الفتنة الكبرى.
والثاني: تشكيل حكومة وحدة وطنية يملك فيها "حزب الله" والمعارضة ثلثًا معطلًا، تتولى حكم البلاد انتقاليًا في حال تعذر الاتفاق على رئيس "للهدنة".
والثالث: تشكيل حكومة انتقالية، ربما عسكرية، تتولى حفظ الأمن ومنع الفتنة والإعداد لانتخاب رئيس جديد.
والرابع انتخاب رئيس لمدة سنتين يوافق عليه الجميع، وينتظرون معه انتهاء المواجهات لمعرفة اتجاه لبنان.
أما الوضع الخامس فهو تعذر انتخاب رئيس بموافقة الجميع وإقدام الغالبية النيابية على انتخاب رئيس منها خلافًا للدستور، أو اكتفاؤها بالحكومة الحالية لممارسة صلاحيات الرئاسة ريثما يتم الاتفاق.
وسيدفع ذلك المعارضة المدعومة سوريًا وإيرانيًا، وفي مقدمهم الرئيس الحالي، لتأليف حكومة أخرى وربما إلى انتخاب رئيسًا جديدًا منها، وبذلك تدخل البلاد نفق التقسيم الفعلي وتنفتح الأبواب أمام الفتن وربما الحرب الأهلية.
aXA6IDMuMTM4LjY5LjM5IA==
جزيرة ام اند امز