«فصل جديد» هو التعبير المفتاحيّ اليوم، الذي يتشدّق به الإيرانيّون، ويسايرهم فيه الأميركيّون، لوصف علاقة طهران الجديدة بالغرب
«فصل جديد» هو التعبير المفتاحيّ اليوم، الذي يتشدّق به الإيرانيّون، ويسايرهم فيه الأميركيّون، لوصف علاقة طهران الجديدة بالغرب، وبالولايات المتّحدة تحديداً.
وكمثل الوعود الافتتاحيّة الكبرى، يترافق التطبيل لـ «الفصل الجديد» مع تعهّدات يستدعي تصديقها محو الذاكرة وإحراق الأرشيف معاً.
وإلاّ كيف يستقيم التعامل مع إعلان إيران أنّها مكرّسة لمكافحة الإرهاب؟!
لكنّ «الفصل الجديد» هذا لا يحتاج إلى منجّمين كي يلاحظوا أنّ فصولاً أخرى لا تقلّ جدّةً سترافقه وتكمّله.
فهناك فصل جديد ثانٍ هو العلاقة الروسيّة – السوريّة، في موازاة الدور الإيرانيّ المتصاعد وبمواكبته. هكذا يتبدّى بعد نشر الاتّفاق المبرم بين البلدين أنّ موسكو فرضت انتداباً محكماً على دمشق صارت بعده تنازلات عبد الناصر لموسكو أو تنازلات شاه إيران لواشنطن أقرب إلى التشدّد الوطنيّ.
وهناك فصل جديد ثالث يمكن أن نسمّيه تسلّح المنطقة حتّى الأسنان، بل سباق في تسلّحها يستنزف الموارد المتضائلة أصلاً، خصوصاً مع التراجع المتعاظم الذي يضرب سعر السلعة النفطيّة.
وما تفعله حرب اليمن، في هذا الإطار، إنّما هو إشارة إلى وجهة قد تشقّ طريقها إلى معظم البلدان، جاعلة الهدوء توتّراً والتوتّرات حروباً.
وهناك فصل جديد رابع يُكتب معظمه في العراق من دون أن يقتصر عليه، وهو أنّ الأطراف السنّيّة الراديكاليّة، ستغدو أكثر سنّيّة وأكثر راديكاليّة.
ذاك أنّ شعوراً متنامياً بالمظلوميّة سيعزّزه ما تسمّيه تلك القوى أحلافاً شيطانيّة بين «غرب صليبيّ» و «إيران فارسيّة». وفي سياق كهذا ستندفع جماعات أهليّة متعاظمة إلى تفهّم «داعش» و «النصرة» وأضرابهما، إن لم يكن التطابق معها.
وهناك فصل جديد خامس مؤدّاه أنّ القضيّة الكرديّة ستزداد، في العراق وسوريّة وتركيّا، حضوراً وتوكيداً، وإن كانت الوجهة التي ستسلكها في كلّ بلد عرضة للتضارب مع وجهتها في بلد آخر. وفي المقابل ستزداد القضيّة الفلسطينيّة غياباً وضموراً يوازيهما مزيد من الارتياح الإسرائيليّ إلى الحاضر والمستقبل، كما إلى الحدود والنموذج.
وهناك فصل جديد سادس اسمه موقع الغرب، وأميركا تحديداً، في خريطة الكراهيّة العربيّة. ذاك أنّ روسيا وإيران انتزعتا، أقلّه عند أكثريّات شعوبنا، الصفات الاستعماريّة والإمبرياليّة من الغرب الذي احتكرها طويلاً.
وهذا من دون أن يخفّف الكراهيّة للغرب يجعلها نقمةً على عدم التدخّل، بعدما كانت نقمة على التدخّل. فـ «مؤامرة» الحضور الروسيّ – الإيرانيّ اليوم تتكامل مع «مؤامرة» الاحتجاب الغربيّ والأميركيّ والتخلّي عن المنطقة تالياً.
وهناك فصل جديد سابع عنوانه أنّ جبهة الممانعة والمقاومة ستجد نفسها معنيّة بإعادة اختراع ذاتها وتعريفها.
فهي برهنت أنّ تعلّقها بإيران يبلغ الحدّ الذي يجعلها تتقبّل أميركا وتطوي نزاعها مع إمبرياليّتها «الشيطانيّة».
وهي في حبّها إيران (وروسيا) إنما تقلّد المجتمعات الزراعيّة القديمة في حبّها الشمس، سواء أضاءت أو أحرقت، وفي اعتبارها أنّ المكان الذي تشرق منه مصدر الحياة فيما المكان الذي تغيب فيه مصدر الموت والأفول.
أمّا الممانع الذي يأبى العمل بهذا المبدأ فتتكفّل إيران ضبطه على الصراط المستقيم الجديد.
أمّا الجامع بين الفصول هذه فأنّها تعلن التغليب الصريح والكامل للطائفيّ والإثنيّ والأهليّ في عمومه على الوطنيّ والقوميّ والإيديولوجيّ في عمومه. وهذا بذاته يتوّج التراجع البادئ قبل ما يقارب القرن.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة