خطاب الاتحاد الذى ألقاه الرئيس الأمريكى فى مستهل عامه الأخير فى الحكم هو الأكثر وضوحا، فى تقديرى، فى رسم معالم مذهب أوباما
«خطاب الاتحاد» الذى ألقاه الرئيس الأمريكى فى مستهل عامه الأخير فى الحكم هو الأكثر وضوحًا، فى تقديرى، فى رسم معالم «مذهب أوباما». فطوال الأعوام الماضية، ظل الباحثون يفتّشون عما يمكن أن يسموه «مذهب» أوباما كما اعتادوا بالنسبة للرؤساء الأمريكيين السابقين، واختلفوا كثيرا حول طبيعة ذلك المذهب، بل حول وجوده أصلا. لكن ما قاله أوباما فى خطابه الأخير كان يحدد، بشكل أكثر وضوحا من أى وقت مضى، ملامح سياسته الدولية عموما والتى لم تختلف فى جوهرها عن الطابع الإمبراطورى للسياسة الأمريكية لسابقيه ولكن دون ضجيج سابقيه، والاعتماد على استراتيجية تقوم على تجنب التورط البرى والاعتماد بدلا منه على متغيرين أولهما الضربات الجوية من خلال تكثيف الاعتماد على الطائرات بدون طيار، وثانيهما الحرب بالوكالة سواء عبر بناء تحالفات دولية أو من خلال الدعم السرى لتقوم دول أو جيوش أخرى بالقتال البرى بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوباما لم يخفِ الطابع الإمبراطورى لسياسة بلاده الخارجية، فهو بعد أن أعلن بفخر أن «الولايات المتحدة الأمريكية هى الدولة الأقوى على وجه الأرض»، قال فى خطابه إن الإنفاق العسكرى لبلاده يفوق إنفاق الدول الثمانى التى تليها فى الترتيب مجتمعة. وأضاف أنه لا يوجد مكان لا يمكن أن تصل له يد بلاده، وبينما أعلن أن السياسة الخارجية الأمريكية لابد أن يكون فى مركزها محاربة القاعدة وداعش، أكد أنها لا تقف عند ذلك الحد.
لكن مذهب أوباما يبدأ بالكيفية التى ترى بها إدارته طبيعة الخطر الذى يواجه الولايات المتحدة، فالرئيس الأمريكى اعتبر أن الإرهاب يمثل «تهديدا مباشرا لشعبنا» ولكنه لا يمثل «تهديدا وجوديا» للولايات المتحدة، ولا يعتبر جهود مكافحته بمثابة «حرب عالمية ثالثة». وبناء على هذا المنظور يبنى أوباما استراتيجيته الدولية التى وصفها بأنها منهج «أكثر ذكاء» وهى عبارة عن «استراتيجية صبورة ومنضبطة تستخدم كل عناصر القوة» الأمريكية، التى هى على «استعداد للعمل منفردة إذا لزم الأمر لحماية الأمريكيين». ثم ذكر أوباما محورى استراتيجيته، فذكر مرتين فى الخطاب أنه استخدم «عشرة آلاف ضربة جوية» على مواقع داعش، للقضاء على قياداتها وأسلحتها وتدمير حقول النفط التابعة لها، فضلا عن معسكرات تدريبها. أما المحور الثانى، أى الحرب بالوكالة، فقد ذكره بقوله «ولكن فيما يتعلق بالقضايا التى هى مثار قلق دولى فإننا نعبئ العالم ليعمل معنا ونضمن أن تشارك الدول الأخرى» بثقلها.
والواضح أن تلك الاستراتيجية مبنية على رؤية أوباما للدروس المستفادة من غزو العراق واحتلاله، فهو اعتبر أن زعامة أمريكا فى القرن الحادى والعشرين «ليست اختيارا بين أن نتجاهل العالم، باستثناء انخراطنا فيه حين نقتل الإرهابيين، وبين احتلال أى مجتمع ينهار وإعادة بنائه». وهو قال صراحة إن درس العراق وفيتنام هو أن احتلال الدول وإعادة بنائها معناه «خسارة فى الأرواح والأموال» لأمريكا. ومن هنا، يبدو أن الضربات الجوية بالطائرات بدون طيار التى تعنى خسائر بشرية فادحة ولكن لغير الأمريكيين، والحرب بالوكالة التى قد تعنى أموالًا طائلة تنفقها الولايات المتحدة تظل بالنسبة للرئيس الأمريكى استراتيجية «أكثر ذكاء» ببساطة لأنه لا خسائر بشرية لأمريكا، ولأن الاقتصاد الأمريكى كما ذكر فى بداية خطابه «هو الأقوى فى العالم».
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة