معرض "تداخلات مع جريدة": حيوات داخل الورق
في معرضه "المصري اليوم تداخلات مع جريدة" المقام في جاليري مشربية يؤسس التشكيلي هشام الزيني لحيوات "متخيلة" تنتظم من ورق الجريدة نفسها..
في معرضه "المصري اليوم تداخلات مع جريدة" المقام في جاليري مشربية (يستمر حتى 10 مارس القادم) يؤسس التشكيلي هشام الزيني لحيوات "متخيلة" تنتظم من ورق الجريدة نفسها، وعلى خلفية مانشيتات وعناوين صحفية صارخة، يحاول الزيني في هذا المعرض استخدام الكولاج لا بصفته مركزا بصريا للوحة، لكن كهامش لمتنها اللافني، مشكّلا من المفارقة/التداخل مساحة جمالية تثير أسئلة حول ماهية الفن، وطبيعة الانسياق وراء الميديا ممثلة في جريدة يومية مؤسسة ومؤثرة هي المصري اليوم.
في المرحلة التكعيبية أحدث بيكاسو بأسلوب الكولاج صدمة. الأوراق المقصوصة حولت الصور إلى أخرى أفرغت من معناها، وحلت فيها معانٍ أخرى. والصدمة يحدثها الانتقال المفاجئ من المعنى الشائع الذى بدأ منه الفنان والمعنى الآخر المتزامن معه، حيث ينتقل المشاهد عبر نقطة بين عالم وآخر عبر وسيط حسي.
عندما يتجاور شكلان منفصلان أو مجلوبان من نوعيتين مختلفتين من المواد في لوحة الكولاج على مسطح العمل الفني، ينتج الواقع الأشد قوة الذي هو العمل الفني. وذلك يعني أن الفنان قد اتبع منطق الكارثة في التعامل مع الانتقالات الشكلية... لأن عملية القص واللصق تشبه فعل الزلزال الذي يحدث تغييراً غير معروف مسبقاً؛ بل يحدث "صدعاً" على سطح العمل الفني، وينتج صيغتين: إحداهما فوق الأخرى، ويبدأ عمل الاستعارة، فيوحي الفنان بالتشبيهات ويجعل الأشياء الجامدة مؤنسنة.
لعبة الزيني الفنية في هذا المعرض هي إعادة أنسنة الإعلام، لذلك فعنوان المعرض يعود على مصر هذه الأيام، اصطدام الإنسانية مع دور الإعلام خاصة في هذا التوقيت، أليس اختيار المصري اليوم مثلا لا الصحف "القديمة" هو قصد يدل على راهنية القلق الفني؟
الصور الظلية للاعبي كرة القدم تتداخل مجازيا مع المقالات والأخبار المتعلقة بالسياسة، الاقتصاد والثقافة موضحة الاحتياج للحيوية والتغيير المستعادة بواسطة الشباب على أرض الواقع في المجتمع المصري.
24 لوحة هي قوام هذا المعرض، يحضر أحيانا "لوجو" المصري اليوم في خلفية التكوين الفني الذي انفصلت علاقته بالجريدة كمكون مادي للتكوين، ليؤكد على حضور "الواقع"، وأحيانا أخرى تشع المانشيتات كمركز داخل تكوين حرقت حوافه وخرجت رؤوس بشرية من المحرقة المجازية، وفي كل الأحوال نتساءل: هل المادة الخام للعمل هنا هو الواقع ممثلا في الجريدة، أم في مخيال الفنان عن هذا الواقع؟
قد يكون هاجس الزيني فنيا هو خليط من الاثنين، فإذا كانت الحياة هي ذلك التفاعل الخلاب المتطور النامي بين الكائن ومحيطه فإن الحياة لا تعدو أكثر من ذلك السيل من المواقف التي تتطلب بشكل أو بآخر تدخلا إيجابيا من قبل الكائن من أجل بقائه.
سيتوقف زوار المعرض أمام عالم اللوحات المستفيدة من اليومي.. فنانون كثر اعتمدت أعمالهم على عالم الأشياء، يخلقون منها عوالم بديلة، ويشحنونها بهمومهم وأسئلتهم الفنية.. عناصر شكلت كوناً موازياً تعتمد جماليته على حس الهشاشة فوق توازنات مرهفة وآيلة للانهدام في أية لحظة... أما عن أجساد الزيني "المقصوصة" بلا ملامح كما لو كانت خيالا، في مواجهة الحضور الأعلى أثرا للكلمات بما هي أجساد الوجود الإعلامي.
من الناحية الشكلية، انشغل الزيني بالالتقاط البصري لعلامات ومفاتيح هذا الواقع التي تمكّن من قراءته وانتقاد ما يدور في كواليسه، وربما سحره العابر واليومي ممثلا في جريدة، والحال أن هذا الانبهار والتعامل معها فنيا، جاء ليصنع مساحة من الارتباك في التلقي... من هذا المنطلق المفهومي يمكن التساؤل عما يعنيه انتظام الأجساد على سطور المصري اليوم في حلقة دائرية أو في تكوينات عشوائية فيما كلمات تتكرر كالتماعات مثل "ملاعب، لاعب"، هنا محاولة صهر الرياضي والسياسي واليومي داخل هذا القلق يؤطره وعي فني.
الوعي الفني في معرض الزيني هو ذلك الانعكاس المزدوج بين كون الإنسان يدرك وكونه يدرك أنه يدرك فينعكس ذلك مكونا ما يعرف بالذات التي تدخل في صراع نامٍ مع موضوعها، وهو مايحاول الزيني التعبير عنه في هواجس الواقع واستخدام الجريدة كمادة خام.
الفنان هشام الزيني ولد بالقاهرة عام 1956 لأم ألمانية وأب مصرى سوداني، نشأ في بيئة ثنائية اللغة ومتعددة الثقافات، درس العمارة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وأكمل الدراسات العليا مع البروفيسير حسن فتحى، رائد فن العمارة المصرية الأصيلة.
أقام الفنان العديد من المعارض الفنية الفردية واشترك فى العديد من المعارض الجماعية أيضاً في مصر وأوروبا حيث عاش أكثر من عشر سنوات.
aXA6IDE4LjIxOS4xOC4yMzgg جزيرة ام اند امز