ليتفينينكو .. "صندوق أسود" لبوتين قتله كوب شاي مشع
ألقى تحقيق بريطاني خلص إلى أن مقتل الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو، ربما كان بموافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بظلاله على العلاقات الروسية البريطانية، وتصدرت أخبار قضيته العناوين الرئيسية للصحف العالمية.
لكن من هو ألكسندر ليتفينينكو الذي انشق عن المخابرات الروسية وتعاون مع نظيرتها البريطانية، وكشف أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي خطط لسلسلة من التفجيرات في روسيا عام 1999، أسفرت عن مقتل المئات، وأدت إلى غزو روسيا للشيشان؟
ولد ليتفينينكو في مدينة فورونيج الروسية عام 1962، وبعد أن تخرج من مدرسة "نالتشيك" الثانوية في عام 1980، التحق بالقوات الخاصة التابعة لوزارة الشؤون الداخلية الروسية. وتم انتدابه إلى المخابرات الروسية في عام 1986 ليعمل في قسم مكافحة التجسس، ثم أصبح ضابط عمليات وخدم في الاستخبارات العسكرية المضادة حتى عام 1991.
تمت ترقيته ليتفينينكو في عام 1997، إلى قسم التحليلات ومكافحة الجماعات الإجرامية، برتبة ضابط تنفيذي بارز ونائب رئيس القسم السابع، حيث اكتشف أن عناك علاقة بين رؤساء الجهاز وعدد من زعماء الجريمة المنظمة. وبعد عدة محاولات فاشلة للقاء مسؤولي مكافحة الفساد، استنتج ليتفينينكو أن النظام بأكمله كان فاسدًا.
وفي عام 1998، ظهر ليتفينينكو برفقة أربعة ضباط آخرين في مؤتمر صحفي لوكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء، حيث أُمروا بقتل الضابط السابق في الاستخبارات الروسية ميخائيل تريباشكين، الذي كان حاضرًا في المؤتمر الصحفي، وخطف شقيق رجل أعمال.
وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي، فصل ليتفينينكو من جهاز المخابرات ولم يسمح له بمغادرة روسيا، حيث صرح بوتين بإنه أمر شخصيًّا بإقالته، قائلًا: "أنا الذي أمرت بفصل ليتفينينكو، وحل وحدته، ضباط المخابرات لا ينبغي أن يعقدوا المؤتمرات الصحفية. هذه ليست وظائفهم".
في انتهاك للأمر بعدم مغادرة موسكو، سافر ليتفينينكو وعائلته في أكتوبر 2000 عبر أوكرانيا إلى تركيا، حيث تقدم بطلب لجوء في سفارة الولايات المتحدة بأنقرة، قوبل بالرفض على أساس أن المعلومات بحوزته دون جدوى، وأن وجوده على الأراضي الأمريكية قد يتسبب في إثارة مشكلات لواشنطن.
اشترى ليتفينينكو تذاكر طيران لرحلة إسطنبول - لندن - موسكو، وكرر محاولة اللجوء السياسي في مطار هيثرو بلندن في 1 نوفمبر عام 2000، فمنحته السلطات البريطانية حق اللجوء السياسي في 14 مايو 2001، ليس لعلمه بشأن المسائل الاستخباراتية، وفقًا ليتفينينكو، وإنما لأسباب إنسانية، وفي أكتوبر عام 2006 حصل على الجنسية البريطانية.
بعد عامين من وصوله إلى لندن، جنَّدت الاستخبارات البريطانية "إم آي 6" ليتفينينكو، وأصبح عميلًا يتقاضى نحو 2000 إسترليني شهريًّا، ويقال إن رئيس الجهاز جون سكارليت، أشرف شخصيًّا على انضمامه.
كشف ليتفينينكو العديد من القضايا الحساسة لأجهزة المخابرات الروسية، من أهمها تورط الجهاز في عدة عمليات أعطت ذريعة لبوتين لشن حرب ثانية ضد الشيشان عام 1999، بعد إلصاق التهم بالشيشانيين، أبرزها واقعة إطلاق نار في برلمان أرمينيا، أسفرت عن مقتل رئيس وزرائها السابق، فاسكين سركيسيان، و7 نواب، وتفجيرات المجمعات السكنية في مختلف أنحاء روسيا، وعدد من أزمات الرهائن.
لكن أبرز الملفات التي كشف عنها الجاسوس المنشق هو تورط المخابرات المباشر في دعم وتسليح وتمويل عدد من الجماعات لتنفيذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم، وأن كل عمل من أعمال الإرهاب التي تمت خلال الستينيات والسبعينيات قد نفذت تحت رقابة الصارمة لجهاز مخابرات الاتحاد السوفييتي في ذلك الحين.
وزعم ليتفينينكو أن أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، تلقى تدريبًا لمدة نصف عام على يد جهاز الاستخبارات الروسي في داغستان عام 1997، انتقل بعده إلى أفغانستان، والتقى -بناءً على توصية من المخابرات الروسية- زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، أسامة بن لادن، وأصبح يخطط الضربات المباشرة للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي كتابه "عصابة من وبيانكا"، زعم العميل الراحل، أن فلاديمير بوتين كان يشارك خلال الفترة التي قضاها في الاستخبارات شخصيًّا في حماية تهريب المخدرات من أفغانستان بمساعدة عبد الرشيد دوستم الذي كان قائدًا عسكريًّا في أفغانستان آنذاك.
في 1 نوفمبر 2006، مرض ليتفينينكو فجأة وأدخل المستشفى، وتم تشخيص إصابته في وقت لاحق بالتسمم بسبب ابتلاع مادة "بولونيوم 210" المشعة، بعد أن أثبتت وكالة حماية الصحة وجود كميات كبيرة من ذلك العنصر النادر شديد السمية في جسده، وتوفي في 23 نوفمبر 2006.
وأكدت زوجته مارينا ليتفينينكو التي اتهمت موسكو بـ"تدبير عملية اغتياله"، أنه اعتنق الاسلام قبل وفاته، حيث تمت الصلاة عليه من قبل إمام مسلم، ودفن في مقبرة "هاي جيت" للمسلمين، خلافًا لرغبتها حيث أرادت مراسم دفن غير طائفية.