تشجع مؤسسات حكومية وأهلية وخاصة الشباب على إنشاء مشاريع صغيرة بدلًا من انتظار الوظائف التي لم تعد متوفرة في غزة.
قرر الفلسطيني محمود أحمد (30 عامًا) أن يتجه إلى سوق العمل بحرفته التي ورثها عن والده، بعدما فقد الأمل في الحصول على وظيفة وفق مؤهله الجامعي في أي من المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة.
توجه محمود لسوق العمل بعدما توفرت فيه شروط مؤسسة محلية تقدم قروض للشباب العاطلين عن العمل، فحصل في يناير 2015، على قرض بقيمة (5000) دولار دون أية فوائد، على أن يسدده على مدار 50 شهرًا.
أعاد محمود ترميم منجرة والده، واشترى بنصف القرض ماكنة قص الخشب بمبلع (2500) دولار، فيما النصف الآخر اشترى فيه معظم أداوت النجارة، ومع الشهر الثالث استحق موعد دفع القسط الأول من قيمة القرض، واستمر السداد في الأشهر الثلاثة المتتالية، حتى عجز في الشهر الرابع عن السداد.
قرار احتلالي يحبط المشروع
يقول محمود لبوابة "العين": لقد تراجع العمل في المنجرة بعد ستة أشهر من إنشائها، بعد منع سلطات الاحتلال إدخال " خشب الأبواب- سمكه 5 سم" بزعم استخدامه من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية في بناء الأنفاق الأرضية.
تعرض محمود بمنع هذا الخشب -المادة الرئيسة لعمله- لنكسة، حاول تجاوز آثارها السلبية، لكن السوق لم يسعفه، فجاء موعد سداد القسط الرابع ليواجه عجزًا في سداده، وتوالى العجز في توفير أقسام الأشهر اللاحقة.
أمام العجز عن سداد أقسام القرض الميسر، فكر محمود في بيع أدوات النجارة ليسدد قيمة القرض، فواجهته عقبة "بيع أدوات منجرته بخسارة حوالي ربع قيمتها الحقيقية".
بسطة سجائر وحلم المشروع الكبير
مأمون القدرة (33 عامًا) اضطر أمام ضغط الالتزام بسداد أقساط قرضه المالي، لبيع عربة "تكتك" اشتراها قبل سنتين بعد حصوله على قرض بقيمة ثمن "التكتك".
بعد أشهر من العمل أصاب "التكتك" أعطال، عجز عن توفير (150) دولار، لإصلاحها، فاضطر إلى بيع "التكتك" بنصف قيمة شرائه، وحول مشروعه إلى بيع السجائر على بسطة أمام بيته وسط مدينة خان يونس.
ويقول القدرة لبوابة "العين"، ما أربحه من وراء بيع السجائر لا يتجاوز ( 20) شيقل يوميًّا ( حوالي 5 دولارات)، ويضيف "هذا المبلغ لا يفي باحتياجات عائلتي وأطفالي الصغار".
ويفكر القدرة حاليًا لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة أن يبيع شقته السكنية "ليس أمامي إلا بيع الشقة لتوفير مبلغ مالي يساعدني في إقامة مشروع كبير".
ما بين التعليم واحتياج السوق
وبخلافهما يرفض الخريج الجامعي مهند ناجي فكرة المشاريع الصغيرة لخريجي الجامعات ويبرر ذلك بقوله: "التعليم الجامعي الفلسطيني لا يهدف في الغالب لتعليم حرف تناسب السوق".
ومنذ تخرجه قبل ثماني سنوات وهو يبحث عن عمل يناسب تخصصه التربوي "لكن دون جدوى"، ويتساءل "التربوي لم يتلق علوم عن سلوك المستهلكين والتجار والسوق".
ويشير مهند في حديثه لبوابة "العين"، إلى أن ما يراه من فشل مشاريع الكثير من زملائه يمنعه من التفكير في التوجه صوب المشاريع، "خسارة المشروع يترتب عليها تسديد قيمة القرض"، وهو ما يزيد المعاناة على الخريجين "فزيادة عن عدم قدرته على توفير مصدر دخل مطلوب منه تسديد قيمة قرض مشروعه".
تمويل عاجز بطالة كبيرة
وتقدم أكثر من عشرين مؤسسة استثمارًا وتمويلًا، فضلًا عن عشرة بنوك قروضًا لصالح مشاريع صغيرة بقيمة تتفاوت من ثلاثة آلاف دولار إلى عشرة آلاف دولار، في محاولة منها لمكافحة البطالة المتفشية بين الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
وتقدر جهات محلية ودولية نسبة البطالة في صفوف القوى العاملة في غزة بنحو (50%)، وهي نسبة مرشحة للارتفاع وفق خبراء ومسؤولين فلسطينيين.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر سمير أبو مدللة: إن هناك مائة ألف خريج جامعي ينتظرون في صفوف البطالة، مشيرًا أن الجامعات المحلية والخارجية تضخ كل سنة حوالي ثلاثين ألف خريج جديد.
الوظيفة صعبة
وقال وزير العمل الفلسطيني مأمون أبو شهلا: إن الوظيفة التي يسعى الخريج للحصول عليها "صعبة" حاليًا. موضحًا أنه ومنذ نشأة السلطة الفلسطينية عام 1994، فإن نسبة الموظفين في الحكومة هي أعلى نسبة في العالم.
وأكد أبو شهلا أن حكومته منذ تشكيلها قبل سنة ونصف السنة، بالتعاطي مع هذه المشاكل المتعلقة بالعمل وتضع الحلول العملية لها، لكنهم وخلال إجراء اتصالات مع العالم العربي لبحث تلك القضايا مع المسؤولين فيها وجدنا أن دول عربية تعاني من مشاكل بطالة كبيرة.
وقال أبو شهلا: إنه لا حلول لأزمات البطالة المتفاقمة في فلسطين إلا عبر المشاريع التشغيلية الصغيرة التي تعد مساهمًا كبيرًا في العملية الإنتاجية، وأوضح أن وزارته تعكف على وضع بنك من المشاريع وإعداد خبراء من رجال الاقتصاد لدراسة هذه المشاريع الصغيرة وتوجيه الخريج ودفعه لاختيار المشروع المناسب له، إضافة إلى إعطائه طرق عديدة لكيفية الحصول على المعدات والموارد اللازمة لمشروعة.
ووعد وزير العمل بتقديم أكثر من 50 ألف فرصة عمل الخريجين العاطلين عن العمل خلال السنوات الثلاثة القادمة، من خلال الصندوق الفلسطيني للتشغيل الذي يرأس مجلس إدارته أبو شهلا نفسه.
وأوضح أن صندوق التشغيل لم يُفعل منذ إنشائه عام 2003، وأن وزارته عادت الآن للتحرك من جديد لتفعيله، وتسعى لأن يصل رأس ماله خلال عام إلى 100 مليون دولار، ما سيؤدي إلى توفير قروض تصل إلى حد 20 ألف دولار، وتسمح بسدادها بعد مرور عامين على استلامها وبشكل تدريجي.
وشدد وزير العمل على أن هذه القروض ستعطى نتائج جيدة على صعيد القضاء على البطالة والفقر الحاصل في المجتمع الفلسطيني، وزيادة الإنتاج والتقليل من عملية الاستيراد.
فشل المشاريع
خليل شراب مسؤول إقراض في مؤسسة "ريف" للتمويل، يقول: إن مؤسسته قدمت في السنوات الثلاثة الأخيرة حوالي أربعة آلاف قرض لصالح مشاريع صغيرة، حوالي 60% من تلك المشاريع تعثر أصحابها عن سداد أقساط القروض.
وعزا تعثر تلك المشاريع وفشل أصحابها إلى أربعة أسباب، أولها قلة خبرة أصحاب المشاريع -حتى مع وجود دراسات جدوى للمشروع-، وغياب سوق التأهيل المهني، والحروب والعوامل الجوية التي تؤدي لخسارة في المشروع بنسبة 20-30%، وأهمها شدة المنافسة في السوق الغزي بين كبار التجار تحرم صغار المستثمرين من فرصة المنافسة.
وأوضح شراب لبوابة "العين"، أن المؤسسات التمويلية تكتشف فشل المشروع خلال ستة أشهر، مشيرًا أن جزء ممن تفشل مشاريعهم يلجؤوا خلال فترة تنفيذ المشروع الى تحويل ما تبقى من رأسمال المشروع الحقيقي لمشروع آخر، أملًا منهم في النهوض من جديد.
وبين أن دور المؤسسات التمويلية يتركز في التدخل بالتوجيه والإرشاد، وهناك مؤسسات "تعطي فرصة ثانية عبر تمديد فترة السماح، أو إعادة جدولة القرض، أو منح المقترض مبلغ آخر".
وأكد شراب غياب الدعم الحكومي الحقيقي لقطاع الشباب الخريجين، وغياب السياسات الاقتصادية والتمويلية الموحدة، فضلًا عن أن سوق التمويل في غزة غير منظم، والسوق غير متابع أو مراقب وفق أسس اقتصادية تحمي صغار المستثمرين، وتضمن توفير بيئة عمل أمنة للمشاريع الصغيرة الجديدة.
واستبعد شراب نجاح خطة وزير العمل لتوفير 50 ألف فرصة عمل من خلال مشاريع صندوق التشغيل، في السنوات الثلاثة المقبل، إذا لم تذلل العقبات السياسية والمالية والاقتصادية والتسويقية أمام المشاريع الجديدة.
ولفت إلى أن مؤسسات التمويل المختلفة تقدم سنويًا حوالي 15 ألف مشروع، يتعثر أكثر من نصفها في الأشهر الأولى، نتيجة لظروف السوق الصعبة في غزة.
aXA6IDMuMTQyLjU0LjEzNiA= جزيرة ام اند امز