مصر تُحيي خصخصة الشركات من جديد وسط ردود أفعال متباينة
بيان رسمي لرئاسة الجمهورية يكشف عن نية مصر طرح حصص من الشركات والبنوك الحكومية الناجحة في البورصة
تتجه مصر لإحياء برنامج الخصخصة بعد تجميد دام قرابة 11 عام، وتعتمد هذه المرة على البنك المركزي المصري بصورة رئيسية بدلاً من الاعتماد بصفة شبه كُلية على شركات قطاع الأعمال كما كان في الحقبة الممتدة من تسعينيات القرن الماضي حتى الخمسة أعوام الأولى من الألفية الثانية.
والمُلفت للانتباه أن الاعلان عن هذا التوجه جاء عبر بيان رسمي لرئاسة الجمهورية يكشف عن نية طرح حصص من الشركات والبنوك الحكومية الناجحة، عقب اجتماع عقده الرئيس عبدالفتاح السيسي مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزيري المالية والصناعة لبحث سبل إنعاش البورصة المصرية بعد موجة الهبوط الذي ضربتها منذ مطلع العام 2016.
وبحسب تصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزي لرويترز فأنه يتم دراسة طرح حصص فى بنكين بالبورصة لزيادة رأسمالهما وليس من بينهما البنك الأهلى المصرى وبنك مصر، وسيعتمد الطرح على زيادة رأسمال البنكين من خلال المستثمرين بالبورصة، ما يؤدي إلى خفض حصة مُساهمة الحكومة بنسبة 20% في كل منهما.
وتمتلك الحكومة المصرية البنك الأهلى المصرى وبنك مصر وبنك القاهرة والمصرف المتحد ونحو 50% فى البنك العربى الأفريقى ونحو 20% من أسهم بنك الإسكندرية.
وأثار التوجه نحو إحياء الخصخصة من جديد، ردود أفعال متباينة للغاية، إذ لاقت هذه الخطوة تأييد جانب من رجال الاقتصاد باعتبارها خصخصة مُتزنة قائمة على زيادة رؤوس الأموال وليس التخارج، فضلاً عن استهداف دعم سوق المال وما يترتب عليه من تشجيع تدفق استثمارات القطاع الخاص محلياً وأجنبياً.
وتعاني سوق الأوراق المالية المصرية من موجة هبوط حادة منذ العام الماضي أدت إلى فقدان المؤشر الرئيسي للسوق EGX30 قرابة 39% من رصيدها، منها 17.5% منذ مطلع العام 2016 فقط حتى الأسبوع الماضي.
في حين يرى البعض الآخر أن توجه طرح شركات حكومية لا يناسب المرحلة الحالية نظراً لأن هذه الشركات ذات أداء جيد ما يستلزم احتفاظ الدولة بها، فضلاً عن أهمية تجنب إثارة أية مشاكل عمالية بالشركات الحكومية.
ولدى مصر تجربة سلبية في مجال الخصخصة حيث شاب بعض عمليات البيع فساد في تقييمات الشركات، وذلك بناءً على أحكام قضائية أدت إلى إلغاء عمليات خصخصة عدد من الشركات وإعادة ملكيتها للدولة مثل النيل لحليج الأقطان وطنطا لحليج الأقطان والمراجل البخارية، فضلاً عن تسريح عاملين ببعض الشركات المخصخصة.
ويتزامن التوجه المصري للخصخصة، مع مُضي السعودية وهي أكبر أكبر اقتصاد عربي نحو خصخصة أصول بشركة أرامكو في خطوة تهدف إلى تنشيط دور القطاع الخاص واستقطاب استثمارات أجنبية، وهو ما يعكس توجه عام بالمنطقة نحو المزيد من التحرر الاقتصادي.
من جانبه، قال الدكتور محمد عمران رئيس البورصة المصرية لبوابة "العين" الإخبارية إن إعلان الحكومة عن طرح شركات ناجحة في البورصة خطوة هامة للغاية الآن ستساهم في دعم الاقتصاد، خاصةً أن عمليات الطرح تخضع لمعايير صارمة تركز على توفير الشفافية والنزاهة لجميع الأطراف سواء لجهة الطرح الممثلة في الحكومة أو المستثمرين.
وأوضح عمران أن طروحات البورصة تمُر بعمليات فحص مُدققة، تشمل إعداد دراسة للقيمة العادلة للشركة من خلال مستشار مالي مُستقل مقيد بسجلات الهيئة العامة للرقابة المالية على أن تعتمد الأخيرة الدراسة كشرط أساسي للموافقة على الطرح.
وأضاف أن الدولة لا تستهدف التخلص من شركات خاسرة أو تعاني من خلل في الأداء، بل تنوي طرح كيانات ناجحة حتى تستطيع استقطاب المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب ومن ثم زيادة التدفقات المالية للسوق المصرية.
واعتبر رئيس البورصة المصرية أن هذا التوجه من أفضل القرارات الاقتصادية الحكومية على مدار السنوات الماضية حيث يعكس إدراك الحكومة جيداً للدور الحيوي الذي تلعبه البورصات في جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة وتدبير التمويل اللازم لتنفيذ التوسعات الاستثمارية.
وسبق وأن قامت الحكومة المصرية بتنفيذ عدد من الطروحات الناجحة في سوق المالية، كان أخرها في عام 2005 بطرح شركات (الإسكندرية للزيوت المعدنية أموك، سيدي كرير، والمصرية للاتصالات.(
من جانبه، رحب محمود عطالله الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار سي آي كابيتال في تصريحات لـ"العين" بإعلان رئاسة الجمهورية نية طرح شركات جديدة، مؤكداً أن هذا التوجه يختلف عن المعنى المشهور لعمليات الخصخصة القائمة على بيع شركات بأكملها للمستثمرين.
وأضاف أنه بحسب تصريحات محافظ البنك المركزي فالدولة تستهدف زيادة رأسمال الشركات والبنوك لزيادة قدرتها التمويلية على التوسع وليس بيع حصة الدولة في هذه الشركات.
وتمتلك الحكومة مجموعة من الشركات الكبيرة تتركز بين قطاع النفط مثل بتروجيت وإنبي و ميدور التي أعلنت مؤخراً عن تأجيل قرار طرح أسهمها، فضلاً عن ضم قطاع المقاولات شركات حكومية كبيرة مثل المقاولون العرب، وحسن علام وكذلك امتلاك وزارة الأوقاف شركة المحمودية للمقاولات.
وأكد عطالله أن مصر في حاجة لتنفيذ برنامج خصخصة جزئية لبعض الاصول كخطوة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية الخاصة، وتحديداً في ظل حاجة البلاد إلى ضخ استثمارات أجنبية مباشرة بكثافة لتحقيق معدلات نمو تتجاوز حاجز 5% سنوياً، نظراً لأن الوضع الحالي لا يسمح بتحقيق نمو بأكثر من 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورأى عطالله حاجة البلاد إلى فتح مجالات الشراكة مع القطاع الخاص و وتنفيذ برنامج اقتصادى محدد يتضمن الاهداف الاقتصادية التى تسعى اليها الدولة وسبل تحقيق تلك الاهداف من أجل الخروج من الأزمات الاقتصادية التي تُعاني منها البلاد.
ووفقاً لتصريحات أشرف سالمان وزير الاستثمار المصري لرويترز فأنه من المتوقع أن تجذب البلاد 8 إلى 10 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة خلال السنة المالية الحالية.
وبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشرة لمصر خلال الربع الأول من العام المالي الحالي نحو 1.4 مليار دولار في الربع الأول مقابل 1.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي 2014- 2015.
فيما أبدى ممتاز السعيد عضو مجلس الإدارة في بنك الاستثمار القومي، ووزير المالية الأسبق أعتراضه على إعلان الدولة عن التوجه لطرح شركات وبنوك ناجحة في البورصة، نظراً لأن وضعها المالي جيد ولا يستدعي دخول مُساهمين جدد يحصلون على حصة من نصيب الدولة في العائدات.
وتابع السعيد لبوابة "العين" الإخبارية أن مصر لديها تجارب سيئة في مجال الخصخصة أسفرت عن دخول مصر معترك التحكيم الدولي إثر صدور أحكام قضائية ببطلان عقود بيع مجموعة من الشركات، فضلاً عن ضرورة تفادي الدخول في أي صدامات عمالية خلال هذه المرحلة الدقيقة.
وقال إنه في حالة اتخاذ الدولة قراراً نهائياً بدخول مستثمرين جدد في الشركات الحكومية، فبالطبع ستكون البورصة هي الخيار الأمثل، بدلاً من البيع إلى مستثمر استراتيجي محدد من أجل ضمان تقييم الشركات بقيمة عادلة تعكس قيمتها السوقية الحالية والعائدات المتوقعة مستقبلاً.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjg2IA== جزيرة ام اند امز