نعتمد على العالم الخارجى أكثر مما نرغب، سواء لجذب السياحة أو لتشجيع الاستثمارات الأجنبية. كيف يرانا الخارج بعد سنوات من الربيع العربي
نعتمد على العالم الخارجى أكثر مما نرغب، سواء لجذب السياحة أو لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
كيف يرانا هذا الخارج بعد خمس سنوات من الربيع العربي؟
فترة إجازة نصف السنة هى الفرصة المنشودة للتحرر من بعض المهام والأعباء اليومية، وخاصة إمكانية السفر والترحال.
السفر ـ خاصة خارج المنطقة العربية ـ يعطى الفرصة للابتعاد عن التفاصيل حتى الغرق فيها وأن تقوم بدلا من ذلك بنظرة طائر يحاول اكتشاف نمط الأحداث بدلا من تفاصيلها.
هناك ميزة أخرى فى السفر للخارج، فهو يتيح رؤية «آخرين» أى بمعنى (مختلفين أو أجانب)، والمناقشة معهم، لكى يرى كيف هم ينظرون لنفس المشاكل ولكن بطريقة مختلفة، وبالتالى يصبح السفر فرصة للخروج من قوقعة ذاتية والاندماج فى حوار مع الآخرين وحتى مع نفسك.
فى هذا الحوار مع الآخرين، أوروبيين أو أمريكيين أو كنديين، لاحظت الاهتمام بثلاثة موضوعات فيما يتعلق بأحوال منطقتنا.
قبل تفصيل هذه الموضوعات الثلاث كانت مقدمة الحوار والنقاش تبدأ دائما بتقييم الموقف بعد خمس سنوات من الربيع العربي.
فى هذا الصدد، أتذكر جيدا مكالمة تليفونية من زميل بريطانى فى منتصف فبراير 2011، فقد لفت نظره أن بعض المتظاهرين فى ميدان التحرير كانوا يقومون بكنسه ومحاولة تنظيفه غداة إعلان مبارك تنازله عن الرياسة وقبل أن يتوجهوا لمنازلهم يعد نيل أهم مطالبهم. يعرف هذا الزميل الكثير عن مصر بل أقام فيها فترات، ولذلك شعر بالغبطة من هذا السلوك من جانب متظاهرى ميدان التحرير وأفهمنى أن هذه الصورة هى فى ذلك الوقت تجوب مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة. واختتم مكالمته التليفونية بأننى يجب أن أفتخر بهؤلاء الشباب المصريين وبمصريتى فقصصت عليه مقولة مصطفى كامل الشهيرة: «لو لم أكن مصريا، لوددت أن أكون مصريا».
أما الآن وبعد خمس سنوات تقريبا، ما هى نظرة الخارج وما هى الموضوعات الثلاثة التى تسيطر على اهتماماتهم .
1 ـ كارثة الإرهاب: فنحن نتذكر أن فرنسا بالذات بدأت 2015 بالهجوم الإرهابى فى شهر يناير على مجلة شارلى إبدو. وبالرغم من تحفظات بعض الفرنسيين وحتى الأوروبيين على هذه المجلة بسبب مغالاتها فى الإصرار على حرية التعبير ونشر صور الأنبياء مع بعض التعليقات الساخرة، إلا أن الهجوم الدامى على مقرها وقتل سبعة من فريقها تم تفسيره على أنه إرهاب دام ضد حرية التعبير، وبالتالى انطلقت المظاهرات فى الشوارع الفرنسية وبعض المدن الأوروبية تحت شعار «كلنا شارلي»، وكأن هجوم يناير هذا لايكفي، فقد أنهت فرنسا 2015 بهجوم دام آخر فى أحياء باريس كان أشد عنفا ودموية وترك ما لا يقل عن 130 قتيلا وعددا أكبر من الجرحي.
النتيجة أن المواطن الأوروبى يشعر الآن بالخوف فى الشارع، وحتى يرى الزائر الآن وجود أفراد الجيش بصورة متكاثرة وفى وضع قتالى بمدرعاتهم وأسلحتهم فى حالة إستعداد للاستخدام الفوري.
2 ـ اللاجئون: تدفق هؤلاء اللاجئين فاق التوقعات، خاصة بهذه الأعداد الكبيرة.
التقديرات الأولية تقول إنهم يقتربون من المليون، معظمهم من سوريا والعراق، ولكن من بلاد عربية أخرى وكذلك من إفريقيا.
بمعنى آخر أنهم يختلفون عن معظم الأوروبيون فى لون البشرة وبالطبع فى الكثير من معايير السلوك والقيم.
فى البداية إنقسمت أوروبا بعض الشىء تجاه هذه الأعداد الضخمة، ولكن كان معظمهم متعاون ومرحب، وكانت المشكلة الأساسية هى الإدارة: أى كيفية إستقبال هذه الأعداد الهائلة ومحاولة إطعامهم وإسكانهم فى مثل هذا الوقت القصير.
التساؤلات التى واجهتها وحتى تعبيرات وجه السائلين تبين أن الوضع فى حالة تغير الآن فبدلا من تحمس البداية، هناك الآن تردد فى المساعدة وفتح الأبواب، بل لا يتردد الآن البعض فى إعلان المعارضة لاستقبال اللاجئين وحتى إعادة الكثير منهم.
ويثير البعض أيضا الناحية الأمنية، بمعنى تسرب بعض الإرهابيين فى صورة لاجئين لتهديد المجتمع الغربى من الداخل، أوضح صورة لهذا الرأى المرشح الرئاسى عن الحزب الجمهورى رونالد ترامب، وتم تتويج هذه الآراء المعارضة ـ وحتى العدائية ـ بأخبار عن عمليات تحرش ليلة رأس السنة فى مدن أوروبية مثل كولون الألمانية وزيوريخ السويسرية من جانب أفراد «ذوى ملامح شمال إفريقية»، أى من عرب المغرب، وذلك للتأكيد على التهديد الثقافى للهوية الغربية والقيم فى مجتمعاتها.
3 ـ مصير المنطقة الشرق الأوسطية وأين تتجه: كان من أهم نتائج الأحداث الإرهابية وتدفق اللاجئين انتشار الشعور فى الشارع الغربى وليس فقط بين الجماعات المتعلمة ـ أنه لايمكن تجاهل ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط، حيث الآن يرى رجل الشارع أن ما يحدث فى هذه المنطقة من حروب أهلية وأزمات اقتصادية واجتماعية لها ـ تأثير شبه مباشر عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي.
فمن الناحية الإيجابية يرى رجل الشارع انخفاض أسعار البترول، وبالرغم من تذكيزه أن سعر البرميل إنخفض الآن بنحو 70% مقارنة بما كان عليه منذ عامين، وأنه يستفيد فقط من نصف هذا التخفيض بسبب استحواذ حكومته على هذا الفارق الكبير عن طريق الضرائب، إلا أنه لايزال يشعر بالسرور الكبير، وبالطبع يتمنى استمرار انخفاض أسعار البترول.
وفى هذا الصدد يأتى خاصة فى الشمال الأمريكى إلى موضوع الأزمة الأخيرة بين السعودية وإيران.
فى الحقيقة ليس هناك محاباة كبيرة لأى منهما.. هناك نوع من خيبة الأمل فيما وصلت إليه الثورة الإيرانية بعد الشعور بالحماس فى البداية تجاه نمط من الإسلام الثوري. هناك تساؤلات أيضا عن الحياة فى السعودية وأسباب منع المرأة من قيادة السيارة، أو ممارسة الجلد العام، حتى ولو كانت الإدانة بناء على محاكمات عادلة، نفس الاعتراض تقريبا على استمرار أحكام الإعدام بهذه الكثرة بل يذهب البعض ليربط بين هذا الإعدام المتكاثر وسلوك داعش وكما ذكرنى طالب سابق، بأن عدد الذين أعدموا فى طهران فى 2015 وصل إلى 700 فرد، كما لا يفهم البعض تحويل الخلافات المذهبية إلى قتال وشبه حرب بين دولتين كبيرتين.
بعد خمس سنوات من الربيع العربي، وبالرغم من التعاطف الموجود تجاه الرغبة فى التغيير فى الشارع العربي، إلا أن النظرة الغربية حاليا تتسم بالكثير من خيبة الأمل، وحتى تجاهل المنطقة إلا فيما يخصهم، فلم يسألنى الكثيرون مثلا عن مصير الصراع الإسرائيلى الفلسطيني؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة