مطر تشرين يثير رائحة "نفايات لبنان" التي تفاقمت لأكثر من 100 يوم
الأزمة اللبنانية بين مطرقة التسييس وسندان الكارثة البيئية
خبراء يحذّرون من تراكم عشرات آلاف الأطنان من القمامة في لبنان إضافة إلى المخاطر الصحية الكبيرة جدًّا لممارسات حرق النفايات في الشوارع.
تجاوزت أزمة النفايات في لبنان المئة يوم، وسقط المطر التشريني الذي يهدد صحة المواطن والذي لا يقل تأثيرا عن رائحة النفايات في حد ذاتها. اليوم بات من المؤكد أننا مقبلون على أزمة أكبر بمخاطرها البيئية والصحية، وقد بدأت تطل دون خطة طوارئ، فالأمطار جرفت النفايات، وهي تنشر سمومها ومخاطرها في كل الاتجاهات، فهل ينفع رفع الصوت عاليًا من قِبل الخبراء البيئيين بعد أن وصلت الأمور إلى حد الانهيار؟
الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح حذّر في تصريح إعلامي من المخاطر المترتبة عن تراكم النفايات وتزايد كمياتها لتصبح عشرات آلاف الأطنان في المدن والعاصمة والمناطق، إضافة إلى المخاطر الصحية الكبيرة جدًّا لممارسات الحرق العشوائي للنفايات في الشوارع الذي هو حرق غير كامل لتشكيلة متنوعة من النفايات، وهي تحتوي على لائحة طويلة من المركبات، وبينها مركبات خطرة وسامة، وبالتالي فإن الانبعاثات المنطلقة من الحرق العشوائي تُنتج غازات عالية السمية والخطورة على الصحة العامة، فتسبب حالات حرجة للمواطنين تتميز بحساسية عالية على مرضى الجهاز التنفسي وحالات الربو وضيق النفس.
بكتيريا وفيروسات
وبما أننا أصبحنا على مشارف فصل الشتاء فإن المطر -من وجهة نظر قديح- سيفاقم المشكلة وسيؤدي إلى انتقال هذه النفايات مع السيول إلى مختلف شوارع العاصمة وشوارع المدن، وإلى مجاري السيول في القرى والجبال والوديان، لتنتشر انتشارا "عشوائيًّا" وتنتشر سمومها ومخاطرها في كل الاتجاهات، خصوصا ون هذه النفايات مرّ عليها أيام عديدة تحت أشعة الشمس وتحت الحرارة المرتفعة وتخمرت وازدادت أعداد البكتيريا والفيروسات، وبالتالي فنحن أمام كارثة بيئية حقيقية.
لذلك من المتوقع أن تكون المخاطر كبيرة بما أن المطر سينقل مسببات الأمراض إلى الأراضي الزراعية وتلوث المحصول الزراعي، وسوف تتسرب إلى المياه الجوفية، وأيضا سيسمح المطر بزيادة كمية عصارة النفايات التي ستختلط مع الأمطار، وبالتالي ستشكل سيولا وتنتشر في كل الاتجاهات وتلوِّث الأراضي الزراعية وتتسرب إلى المياه الجوفية وإلى الينابيع والأنهار والبحر، بالإضافة إلى تكون السيول داخل المدن التي ستؤدي إلى إقفال المجاري وانتشار النفايات بشكل عشوائي وصولا إلى بيوت الناس ومداخل المنازل، وتنقل مع الحشرات والقوارض كمسسببات مباشرة للأمراض، لتهدد السلسلة الغذائية وتهدد الأمن الصحي والأمن الغذائي.
مخاطر صحية
من جهة ثانية أكد الدكتور حسن حمادة، الإخصائي في الصحة العامة، أن "فصل الشتاء سيكون قاسيًا على اللبنانيين، خصوصا أن المكبّات العشوائية لا تزال قائمة في شوارع المدن والقرى والبلدات، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على حياة اللبنانيين وعلى صحتهم بالدرجة الأولى".
وقال: "هناك أمراض بدأت بالظهور والسبب الرئيسي هو النفايات". وأشار حمادة إلى "إمكانية ظهور أمراض تصيب الجهاز التنفسي كالالتهاب الرئوي، وأمراض تصيب الجهاز الهضمي والمسالك البولية، جراء تلوث الينابيع التي تعد مصدرا لمياه الشفة في أغلب القرى والبلدات". وأضاف: "لا يمكننا أيضا التغاضي عن الأمراض السرطانية التي تشكل النفايات حافزا لرفع معدلات المصابين بها".
"سوكلين"
كانت أزمة النفايات قد بدأت بعد أن توقفت شركة "سوكلين" عن جمع القمامة، قائلة إنها لا تجد مكانًا تلقي فيه بالقمامة التي تجمعها، بعدما انتهى عقد الشركة بإغلاق مكب القمامة في حي الناعمة، جنوبي بيروت. الأمر الذي راكم المشكلة ولم تجدِ نفعًا الحلول التي قُدمت لوضع حد للكارثة البيئية هذه التي دخلت أيضا "في نفق السياسة" على اعتبار أن العروض التي قُدمت في المناقصة من قِبل الشركات المتعهدة بإدارة النفايات تقف خلفها جهات سياسية بهدف الربح المادي وهي تشبه مبد أ "المحاصصة" الذي ينسحب على كل ما يستجد في لبنان.
غرف سوداء
وكان للحراك الشعبي الذي انطلق بتاريخ 22 آب/ أغسطس، بعد أن فاض صبر المواطن اللبناني، أثره البالغ على الساحة اللبنانية بعد أن ضم في صفوفه وللمرة الأولى لبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق والتوجهات السياسية، لكن يبدو أن "الطابور الخامس" قد اخترق هذه الجماعات وأصبحت القوى السياسية المتنازعة يكيل بعضها الاتهامات لبعض على اعتبار أنها من يقف خلف هذه الاحتجاجات التي يراد منها أخذ البلد إلى المجهول بسبب التعدي على القوى الأمنية.
من هنا، يخشى مصدر في "14 آذار" أن تؤخذ هذه التظاهرات والاحتجاجات إلى اتجاه آخر بعد أن بدأت في 22 آب/ أغسطس، و"يبدو أن هناك فريقًا كان ينوي أخذ الأمور إلى اتجاه آخر-يقول المصدر- لأن الاحتجاجات المطلبية لا تعني التعدي على قوى الأمن سواء كان الجيش أو الدَّرَك، ولا تعني التعدي على مِلكية الأفراد وإشارات السير والأملاك العامة، لذلك نخشى أن يأخذها الفريق الآخر باتجاه غير الاتجاه الصحيح الذي نؤيده، لأن مطالب الناس هي مطالب الجميع بصرف النظر عن انتمائهم الحزبي أو الطائفي أو أي اتجاه آخر".
ويشير المصدر إلى ظهور عناصر تابعة لحزب الله من خلال الإشارات التي كانت توضع على أجسادهم وعُلِّقت في أعناقهم، إضافة إلى الحدّة في التصرف والشعارات التي أُطلقت، لذا يبدو أن حزب الله كان ينوي أخذ الاحتجاجات باتجاه آخر.
في المقابل يَعتبر مصدر في "8 آذار" أن المرتكز الأساسي للاحتجاجات والذي شكل نقطة الانطلاق هو معاناة الناس وتحلُّل مؤسسات الدولة، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والمعيشية المرتبطة بالواقع اليومي للمواطن، لكن لأن الطبقة اللبنانية مركبة ولأن السياسة والسياسيين في حالة تضرر شامل من هكذا نوع من الاحتجاجات انطلقت عفوية، فمن المؤكد أن هناك أكثر من منعطف وكمين ستتعرض لها هذه الاحتجاجات التي تقدم صورة توحد المواطن في المعاناة وصورة تتوحد في طرح أهداف موحدة واحتجاجات عابرة للاصطفاف المذهبي والطائفي. ولكن بما أن هناك قوى دفع موجودة سواء كانت شعارات أو أصحاب أجندات تريد أن تدفع بهذه الاحتجاجات لتصب في مجرى تثميري معين ولأن هناك قوى سياسية على ضفتي 8 و14 آذار لديها ريبة من هذه الاحتجاجات التي يمكن أن تصب فيه، إضافة إلى وجود أجندة إقليمية تدفع ببعض القوى المحرِّكة لهذه الاحتجاجات إلى الاستثمار...
لكل هذه الاسباب المجتمعة هناك خشية من أن تسيطر السياسة في لحظة معينة والأجندات الخفية والغرف السوداء على هذا الحراك وتأخذه بغير الاتجاه الذي يريده المواطن والذي تريده الطبقة العفوية التي انطلقت منها هذه الاحتجاجات.
محارق و"ديوكسين"
وبعد أن شاع في الآونة الأخيرة معلومات عن استيراد المحارق من الخارج والتي ستتمكن من التخلص من النفايات بطريقة غير مؤذية وأقل تكلفة، فقد تبين أن هذه المحارق تُنتج مركبات عضوية خطيرة تتطاير في الجوّ (الديوكسين والفيوران) حتى وإن كانت المحارق متطورة. يضاف إلى هذه الانبعاثات السامة مخلفات الاحتراق التي تُشكّل بقايا يتوجب تخزينها وفق شروط تراعي السلامة البيئية، تحسبًا لتلوث المياه الجوفية، أو حتى الوصول إلى الغلاف الجوي عبر نشر وتطاير الجزيئات المسببة للسرطان والتي يمكن إيجادها في بعض المنتجات الزراعية والحيوانية. وقد حدث ذلك سابقًا في مدينة بيزنسون الفرنسية، حسبما أشار الكاتب فريدريك سيزار في مقالة له، حيث تزايدت حالات الإصابة بأورام سرطانية بعد تشغيل محرقة للنفايات فيها.
كذلك، ظهر معدل عالٍ من الديوكسين (dioxin) في تربة المنطقة المتضررة من آثار مخلفات الحرق، وتجدر الإشارة إلى أن المخلفات هذه تظلّ موجودة لفترة طويلة فيها.
وقد لاحظ القانون الفرنسي إجراءات دراسة تقييم الأثر البيئي في فرنسا منذ عام 1976، أمّا في لبنان، فتبلورت سنة 2002، وهي معروفة تمامًا اليوم من قِبل أصحاب المباني، إضافة إلى الاستشاريين والخبراء، وغيرهم.
وتهدف دراسة الأثر البيئي إلى تحسين تصميم المشروع وإلى ترشيد قرار الجهة الإدارية، خصوصًا في ما يتعلق بمشاريع التنمية وغيرها بغية تقييم الآثار البيئية المرافقة لأعمال التشييد.
من جهة أخرى، فإنّ القول بإمكانية إتمام دراسة الأثر البيئي لاحقًا يعني أن صناع القرار يتصرفون بشكل غير قانونيّ وبغياب أي مسؤولية، الأمر الذي من شأنه التسبب في كوارث إضافية كما رأينا في عدة حالات حول العالم تسببت بأضرار كبيرة إضافة إلى الخسائر في الأرواح، حسب ما ورد في مقالة سيزار. ومنها:
- انتشار الأمراض السرطانية على مقربة من المحارق في المدينتين الفرنسيتين "بيزنسون" و"Fos sur Mer".
- جفاف البحر الميت بسبب الاستغلال المفرط لمياه الأردن.
- الثقب في طبقة الأوزون.
- انفجار تشيرنوبيل.
- تسرب نفط إكسون فالديز (سواحل ألاسكا- 1989).
- حادثة جزيرة "ثري مايل" النووية.
- كارثة المنصة النفطية "بايبر ألفا" في بحر الشمال عام 1988.
وفي ما يخصّ أزمة النفايات الحالية، وفي حال لا يوجد حاليًّا حلّ يمكن تطبيقه فورًا، هناك فرصة تطوير من شأنها أن تؤثر على اللبنانيين بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي التنفيذ الفوري لهرم النفايات أي إدارة النفايات انطلاقًا من تخفيض إنتاجها قدر الإمكان، والفرز من المصدر في كل المنازل اللبنانية، كون ذلك مطبّقا في الدول كافة، وصولًا إلى إعادة التدوير والتسبيخ واستعادة الطاقة في نهاية السلسلة.
وأخيرًا، إن اتّبعنا جميع الخطوات لإدارة النفايات بفعالية، وكان لا بدّ من الحرق، فإنّ ذلك لا يحدث دون دراسة تأثير ذلك على الهواء والماء والتربة، وحتى موقع المحرقة نظرًا لانعكاس ذلك على السكان المجاورين الذين عليهم أيضًا تحمّل نقل النفايات من أمام أماكن سكنهم.
محافظ بيروت
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى نشاط خجول قامت به محافظة بيروت، فقد ترأس المحافظ زياد شبيب اجتماعًا في المصلحة الصحية العامة، جرى خلاله تقييم الواقع الصحي في العاصمة والمخاطر المحدقة نتيجة تعثر حل أزمة النفايات.
وكلّف شبيب المصلحة بإعداد الإرشادات اللازمة التي يجب إعطاؤها للمواطنين إزاء المخاطر الصحية المحتملة، كما أعطى تعليماته للأطباء والمراقبين الصحيين بوجوب تشديد المراقبة الصحية على كل المستويات، لا سيما على صعيد سلامة الغذاء وتكثيف أعمال الكشف اليومي على المؤسسات التي تقدم المواد الغذائية، وتزويدها بالإرشادات اللازمة واتخاذ التدابير الصارمة بحق المخالفين.
aXA6IDMuMTQzLjIzNy4xNDAg جزيرة ام اند امز