روسيا تهدف للتمدد في سوريا والحرب تهدد اقتصادها
روسيا تواصل تدخلها في سوريا وعينها على زيادة تمددها الإقليمي في المنطقة، غير أن الاقتصاد يشكل عامل ضغط عليها
يحمل المشهد السوري لناحية تدخل روسيا في صد الهجمات عن النظام السوري في طياته مشهدين، وأقله عاملين ساعدا روسيا على التمدد في سورية وهما : أولًا "أوروبا المرتعدة من الإرهاب، وترزح تحت وطأة الهجرة التي لا تعرف كيف تتعامل معها، وأمريكا التي لا تملك استراتيجية ناجحة أو مقنعة في محاربة «داعش»".
هذان العاملان شكّلا التقاطع المثالي لتدخُّل روسيا آخر سبتمبر/أيلول الماضي في الحرب القائمة في سورية، بحسب سفير لبنان الأسبق في واشنطن الدكتور رياض طبارة، وبحسب طبارة فإن السبب المعلن كان مساندة النظام ومحاربة الإرهاب وعلى رأسه تنظيم «داعش». مساندة النظام؛ لأن سقوطه قد يحرم روسيا من موطئ القدم الأخير لها في البحر المتوسط، ومحاربة التنظيم لطمأنة أوروبا المرتعدة وأمريكا المترددة، لذلك لم يلق هذا التدخُّل أية مقاومة من هذه الدول، لا شك في أن الهدف الرئيسي للتدخل الروسي، أقلّه حتى اليوم، هو تثبيت موطئ القدم في سورية والتأكد من استدامته.
ويتحدث طبارة عن الإشارة الأولى لهذا التمدد، وهي القواعد المستحدثة في منطقة الساحل السوري. فبالإضافة إلى توسيع القاعدة البحرية في طرطوس، هناك قاعدتان جديدتان هما في طور البناء شمال اللاذقية، إضافة إلى قاعدة شعيرات قرب حمص التي شارفت على الاكتمال، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي صرّح الجنرال أندريه كارتوبولوف، نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، لجريدة «كومولسكايا برافدا»، أن القيادة تدرس إنشاء «قاعدة تشمل مكونات بحرية وجوية وأرضية.
الإشارة الثانية هي الاتفاق بين الحكومتين الروسية والسورية الموقّع في 26 أغسطس/ آب الماضي الذي يؤمّن الوجود إلى أجل غير مسمى للقوات المسلحة الروسية في سورية وحريتها واستقلاليتها الكاملة، كما يمنع الدولة السورية من الدخول إلى المواقع العسكرية الروسية المستحدثة إلا بإذن من المسؤولين الروس.
أضف إلى هاتين الإشارتين أن القصف الروسي حتى اليوم يتركز على منطقة واحدة ما بين حمص والحدود التركية شمالاً، حيث لا وجود واسعًا لتنظيم «داعش»، وهو نادرًا ما يشمل معاقل التنظيم في محافظة الرقة أو شرقها، هناك أيضاً تقارير من مصادر عدة ذات صدقية بأن بعض هذه الضربات الجوية يستهدف مدنيين، ما كثف الهجرة إلى خارج هذه المنطقة، ويعتبر الكثيرون أن هدف القصف واستهدافاته هو السيطرة الكاملة على المنطقة الممتدة من جنوب دمشق مرورًا بالحدود اللبنانية، وصعودًا إلى الشمال في محاذاة نهر العاصي لتشمل حمص وحماة حتى الحدود التركية.
إن تحقيق السيطرة على هذه المنطقة سيكون له ميزتان أســــاسيتان: من جهة تعزيز القوة التفاوضية الروسية مع الغرب بخصوص الحل النهائي، ومن جهة أخرى إجبار الغرب على الانضمام إلى روسيا في ائتلاف لمحاربة «داعش»، إذ لن يكون هناك وجود فاعل على الأرض سوى لروسيا والنظام من جهة، و«داعش» وأخواته من جهة أخرى.
وأيًّا يكون الهدف، فمن الواضح أن على روسيا أن تحققه بسرعة، السبب الرئيسي هو أن الاقتصاد الروسي يئن اليوم تحت وزرين متزامنين: العقوبات الاقتصادية الغربية وانخفاض سعر النفط، فعندما بدأت العقوبات الاقتصادية في مارس/آذار وأبريل/ نيسان 2014، كان سعر برميل النفط نحو 100 دولار.
ولكن، بعد شهرين انهارت الأسعار فانخفض سعر البرميل بسرعة ليصل اليوم إلى 28 دولارًا.
فقطاع النفط، يشكل ما بين 15 و20 % من الناتج المحلي الروسي وأكثر من 50 % من موازنة الدولة و70 % تقريبًا من الصادرات الروسية، ونتيجة لكل ذلك انخفض سعر صرف الروبل من نحو 35 روبلًا للدولار في أوائل علم 2014 إلى أكثر من 80 للدولار.
ويشير طبارة الى أن الرئيس بوتين يحسب حساب ما حصل في الثمانينات في عهد الرئيس رونالد ريغان، عندما انهارت أسعار النفط بسبب سياسة ريغان الاقتصادية والمالية، انخفض سعر برميل النفط من 85 دولارًا عام 1981 عند تسلُّم ريغان الرئاسة إلى 28 دولارًا عند انتهاء عهده بعد 8 سنوات، ما أوصل الخزينة الروسية إلى حافة الإفلاس، وما ساعد بالتالي على انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وعندما أكمل سعر النفط انخفاضه ووصل عام 1998 إلى حدود الـ16 دولارًا، اضطرت روسيا للتخلف عن سداد الديون الداخلية والخارجية. معظم الخبراء في سوق النفط اليوم يعتقدون أن سعر برميل النفط سيكمل تراجعه، وبعض منهم ينتظر أن يصل خلال هذا العام إلى 20 دولارًا أو أقل، خصوصًا بعد أن دخلت إيران سوق النفط بقوة بعد رفع العقوبات ذات الصلة عنها؛ لذا فإن إطالة الحرب يضاعف الخطر على التدخل الروسي.
وفي الختام تساءل طبارة عما سيحصل خلال هذا العام الحرج؟ هل ستتمكن روسيا من تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة، أم أن حربها ستطول إلى أن تتغلب الاعتبارات الاقتصادية فتنسحب عند ذلك؟