الكل تآمر على معنى يناير: المراهقة الثورية والنظام القديم والإخوان المسلمون وأصبح الاحتفال بالثورة مصدر خوف ورعب
حين ترغب السلطة السياسية فى تصفية حساباتها مع نظام سبقها أو إنجاز حققه الشعب المصرى لم تختم عليه «بختم النسر» قبولا، فإنها تقلل من قيمته وتستخف منه وأحياناً كثيرة تشوهه.
حدث فى تاريخ مصر المعاصر تصفية النظم الجديدة حساباتها مع النظم القديمة، صحيح أن هذه «التصفية» كانت مشروعة فى حالة النظام الجمهورى الذى أنشئ عقب ثورة يوليو فى مواجهة النظام الملكى، فهى قطيعة طبيعية نتيجة التحول الجذرى الذى أصاب المجتمع والنظام السياسى، أما ما عدا ذلك فإن معارك التغيير فى مصر كلها هى معارك بالنقاط وليس بالضربة القاضية والتحول فيها يتم بشكل تدريجى.
وإذا كان مفهوماً أن تكره ثورة يوليو النظام الملكى فلم يكن مفهوماً أن تكره ثورة 1919، لأن الأولى تمثل النظام الذى قامت ثورة يوليو ضده، فى حين أن الثانية تمثل ثورة شعب قامت يوليو من أجله.
وتكرر الحال حتى مع إنجازات الشعب المصرى، فحين أراد الرئيس السادات أن يغير توجه مصر من الاشتراكية إلى الرأسمالية، لم يكتف بانتقاد التوجهات الاقتصادية لنظام عبدالناصر إنما شنت حملة شاملة على تجربته، وسمح للإخوان أن يقوموا بدور رئيسى فى هذه الحملة، وتحول القرار التاريخى العظيم بتأميم قناة السويس إلى خطأ، وانتصار السويس السياسى وصمود الشعب والجيش البطولى إلى هزيمة، وأهيل التراب على كل شىء ولم يكتف فقط بانتقاد السلبيات.
وجاء عصر مبارك وبقيت البلاد 30 عاماً بلا روح ولا قيمه عليا، صحيح حدث فيها بعض التقدم الاقتصادى وكان هناك تحسن فى البنية التحتية حتى نهاية عقد التسعينيات، ولكن لم يعرف الكثيرون هوية النظام ولا رسالته، وما إذا كان مع ثورة يوليو أو ضدها، ومع ثورة 1919 أو ضدها، ومع الملكية أو الجمهورية (فى ظل مشروع التوريث) أو مع الاثنين، وشهدنا فى عصر مبارك من أحبوا تاريخ الوفد والباشوات «الشيك» وكرهوا فى نفس الوقت وطنيته وليبراليته.
وجاءت ثورة يناير وتصورنا أننا دمجنا ما مثلته يناير فى مسارنا السياسى، وأصبحت لدى نظامنا السياسى قيم عليا فى الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة، بصرف النظر عن ممارسات بعض من حملوا اسم الثورة وبعض من حاولوا اختطافها، فإنما ستبقى دلالتها الكبرى فى تاريخنا أن هناك شعبا خرج بالملايين من أجل إسقاط نظام مستبد وفاسد، وأن المطلوب لم يكن استمرار الثورة فى الشوارع إنما تحويل رسالتها إلى نظام سياسى جديد قادر على البناء والتقدم.
والحقيقة أن ما جرى كان العكس تماما، فالكل تآمر على معنى يناير: المراهقة الثورية والنظام القديم والإخوان المسلمون (الثعالب السبع بتعبير د. عمار على حسن) وأصبح الاحتفال بالثورة مصدر خوف ورعب. وتبارى البعض فى اجتزاء معناها العام ورسالتها الكلية إلى جزئيات صغيرة وتفاصيل تافهة، فربما يكون هناك 100 أو ألف متآمر، وهناك يقيناً تنظيم كامل اسمه الإخوان المسلمين أراد اختطاف «الثورة من أجل السلطة» لحسابه الخاص، ولكن هناك ملايين من المصريين نزلوا من أجل التغيير والبناء ولا يريد البعض أن يراهم.
احتفال أى بلد بذكرى ثورته هو دليل استقرار وعلامة صحة ويعنى أيضا توافق معظم أطياف المجتمع وقواه السياسية على القيم العليا التى عبرت عنها هذه الثورة حتى لو اختلفوا فيما بينهم على مفهوم الثورة وفى برامجهم ورؤيتهم السياسية، فستبقى يناير مثل ثورة 1919 وثورة يوليو علامة فاصلة فى تاريخ مصر المعاصر شاء من شاء وأبى من أبى.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة