متى ستتعلم كل من الصين والولايات المتحدة كيفية التعامل مع بعضهما على قدم المساواة وبطريقة تضمن تبادل المنفعة بينهما
متى ستتعلم كل من الصين والولايات المتحدة كيفية التعامل مع بعضهما على قدم المساواة وبطريقة تضمن تبادل المنفعة بينهما والتي تعد العامل الأساسي لنوع جديد من العلاقات بين الدول الكبرى للسيطرة على العالم اقتصادياً، عسكرياً، معرفياً وثقافياً، فالتحديات المقبلة ستتمركز حول من يملك شبكات طرق النقل السريعة بين القارات ومن ذلك المنطلق أطلق مشروع طريق الحرير الجديد (NSR) كمبادرة من واشنطن، تم عرضها وتقديمها للعالم آنذاك من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون في عام 2011 بهدف تعزيز التعاون التجاري وفرض النفوذ السياسي والعسكري.
واستراتيجية طريق الحرير الجديد كانت أحد الجوانب الرئيسية لخطة الولايات المتحدة لتعزيز الاستقرار في آسيا الوسطى بعد رحيل القوات الأمريكية وقوات الناتو من أفغانستان وتعزيز التجارة بين أفغانستان وجيرانها والتجارة بين الشمال والجنوب وربط الهند وباكستان عبر أفغانستان إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا من آسيا الوسطى.
وفي المقابل أعلنت بكين أن مشروع طريق حرير الحزام الاقتصادي (SREB) في عام 2013 بالتزامن مع "طريق الحرير البحري (MSR) كجزء من حزام واحد لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الشرق والغرب وتحقيق الاستقرار في آسيا الوسطى عن طريق تطوير أدوات لبناء السوق الإقليمية المشتركة والحفاظ على حركة وانسيابية سير السلع والاستثمارات والخدمات ناهيك عن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين مما يحقق التكامل الأوراسي وتنمية سيبيريا الشرقية والشرق الأقصى الروسي والاستثمار الصيني في مشاريع الطاقة الروسية، وخط قطار سريع بين البلدين ولا ننسى سعي البلدين المشترك نحو دول البريكس لمحاصرة الدولار الأمريكي وإنشاء مناطق تبادل تجاري حر.
ومن جهة أخرى مشروع خط أنابيب باكاكستنا مع ربط إيران، قطعت شوط كبير خاصة من الجانب الإيراني من المشروع وبعد الانتهاء منه بعد تمويل صيني للجزء الباكستاني من المشروع سوف يتم نقل الغاز الإيراني إلى الصين عن طريق البحر أو طريق خط الأنابيب الجديد، وفي نفس السياق تستثمر الصين في أفغانستان في مجال اكتشاف الطاقة والمعادن والبنية التحتية للدولة بصورة كبيرة وكل ذلك لجعل أفغانستان مستعدة لتكون ضمن منظومة طريق الحرير الجديد وليس حجر عثرة للمشروع.
فالصين تنتشر في كل أرجاء المعمورة بسرعة فائقة ولا تلتفت للخلف، ومن الأمثلة على ذلك قامت الصين بالتوقيع مع كازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم، لإيجاد الطرق السريعة ذات الجودة الدولية والسكك الحديدية مما سيجذب كبار المستثمرين الدوليين ويزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية وخاصة المشاريع الصينية، وخاصة أنه من خلال كازاخستان تمر 250،000 حاوية نقل سنوياً قادمةً من الصين إلى الاتحاد الأوروبي كما أبرمت الصين اتفاقية ثنائية ومذكرات تفاهم بينها وبين قازاخستان لتحسين مناخ الاستثمار وحجم الاستثمارات بين البلدين.
فهناك حاجة ماسة للجانب الأمريكي وفق قراءتي لتغيير سياستها في منطقة آسيا الوسطى من نهج موجه نحو الأمن إلى نهج موجه نحو الاقتصاد والتنمية المستدامة والتمكين المعرفي لإرساء أسس للتعاون الإقليمي الدولي، وخلق المرونة السياسية، وفتح بوابة الاستثمارات للمؤسسات الأمريكية بطريق تلاقي قبول من تلك الدول عطفاً على التاريخ الأمريكي الإمبريالي في العالم ووجود الشكوك دائما من نوايا الجانب الأمريكي وعسكرة الصراعات في، فتلك الدول في حاجة إلى تنويع التجارة، والاستثمار في النقل، وفي قطاعات التعدين والطاقة وهي فرص غير مسبوقة تاريخياً لجمهوريات آسيا الوسطى لتصبح لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي ومن يعمل معها في تلك النقلة سيكون شريك في ذلك الاقتصاد وينطبق الحال على الدول الواقعة على مسار طريق الحرير القديم، وخاصة دول آسيا الوسطى غير الساحلية.
ومن جهتها تعد خطة الصين لبناء خطوط السكك الحديدية بمقاييس موحدة على طول طريق الحرير الجديد من شأنه أن يخفض الوقت اللازم لنقل البضائع وزيادة القدرة التنافسية أمام بدائل الشحن البحري وشبكة طريق الحرير في العصر الحديث لن يعزز فقط التجارة والبنية التحتية والاستثمار ورأس المال والناس بل الأمن والاستقرار السياسي وزيادة فرص الحصول على الغذاء والطاقة، وتقليل الاعتماد على الاحتكار الاقتصادي والمالي وتحسين تمثيل الدول النامية في الشؤون العالمية.
كما تسعى الصين تطوير الممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار هو مثال نموذجي وفي الوقت نفسه إيران وروسيا تعملان على تطوير ممر النقل من الخليج العربي وخليج عمان إلى بحر قزوين ونهر الفولغا وسيتم ربط أذربيجان إلى جزء من ممر قزوين في حين أن الهند تخطط لاستخدام الموانئ جنوب إيران لتحسين قدرتها على الوصول إلى روسيا وآسيا الوسطى وهو مجرد خدوش على السطح من التخطيط والشبكات المقترحة ذات النطاق الجغرافي الهائل.
فالحزام على الأرض يمر عبر قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، يربط بين الصين وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا في الشمال، ويربط بين الصين والخليج العربي وبحر الأبيض المتوسط عبر آسيا الوسطى والمحيط الهندي في الجنوب يبدأ الطريق البحري من ساحل الصين إلى أوروبا عبر بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي في طريق واحد وإلى جنوب المحيط الهادئ في الآخر .
بكين قادمة وخلق الأزمات الاقتصادية والسياسية لإبطاء ذلك ليس سوى فقاعات المتضرر منه الاقتصاد العالمي ككل، فيجب على الولايات المتحدة أن ترحب بصعود الصين والدول الناشئة كونه أمرا لا مفر منه بعد أن فشلت واشنطن في تقديم رؤية عالمية، ولكن ذلك كله لا يعني أنه ليس لديها متسع من الوقت لتضمن أن الصين لن تكتب وحدها قواعد الاقتصاد العالمي في العقد القادم، ولكي تنجح أمريكا في الاستمرار ضمن دائرة الصدارة يجب أن تبادر بتشكيل ثنائي هيمنة مشترك ينظم هذه المرة ولا يسيطر على العالم والكعكة الاقتصادية الكبيرة للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة