الجديد الذى صرنا نراه اليوم هو استهداف النابهين المصريين عند عودتهم للوطن، خاصة لو تمت الوشاية بهم باعتبارهم معارضين سياسيين
أكن قدرا كبيرا من الأعجاب لبرنامج «مصر تستطيع» وللمجهود الذى يبذله فريق العمل ومذيعه أحمد فايق. للبرنامج الفضل فى تسليط الضوء على عدد غير قليل من المصريين الذين حققوا نجاحات مدهشة خارج الوطن.
القصة التى تتكرر فى حياة أغلبهم تدور حول عمل دءوب، وتفوق فى البحث أو الدراسة، ثم نصل إلى مرحلة صدام وعدم توافق بسبب هذا النبوغ ذاته.
ويبدأ الفرج بالخروج من مصر فى منحة، أو رحلة لمتابعة الدرس والتحصيل، ينطلق بعدها المبدع المصرى إلى آفاق بهيجة من النجاح، مصحوبة بأوسمة وأنواط وشهادات تقدير.
المصرى يستطيع، هذا أمر واضح ومعروف. إلا إن الرسالة التى ينقلها البرنامج فعلا، هى أن التفوق متاح للمجتهد، بشرط الهجرة. فهناك حرب على التفوق والنبوغ والنجاح فى مصر، ومن أراد العلا لا يكفيه سهر الليالى وإنما عليه أن يحزم حقائبه ويهرب من منظومة لا تكتفى بعدم الاكتراث أو بتجاهل النبوغ، وإنما تحاربه بضراوة.
إفعل كما فعل هؤلاء النجوم. اهرب لتحقق طموحك قبل أن نقضى عليك.
فمصر تستطيع «بس هى مش عاوزة النهاردة».
الجديد الذى صرنا نراه اليوم هو استهداف النابهين المصريين عند عودتهم للوطن، خاصة لو تمت الوشاية بهم باعتبارهم معارضين سياسيين. وبدلا من أن ينتهى بهم الحال ضيوفا على الإعلام متحدثين عن تجربتهم فى النجاح، يقضون أيامهم ولياليهم فى مصر رهن السجن أو الاحتجاز.
خذ مثلا عاطف بطرس، الأكاديمى والمحاضر فى جامعة ماربورج الألمانية والمتخصص فى الدراسات الشرق أوسطية، والأدب العربى المعاصر، وتاريخ الفكر.
وصل الرجل إلى بلده يوم الجمعة وبدلا من استقباله بالأحضان، اصطحب إلى مكتب الأمن الوطنى حيث تم استجوابه حول قناعاته السياسية.
قضى الرجل ليلة فى الحجز مع غير المرغوب فيهم، وعند كتابة هذه السطور كان قرار قد اتخذ بترحيله، ونقل إليه ضباط الأمن الوطنى شفاهة أنه لن يدخل بلده مدى الحياة.
أو تذكر إسماعيل الإسكندرانى، الصحفى والباحث المتميز، وأحد القلائل ممن درسوا وفهموا وعاشوا سيناء. قائمة الجوائز التى حصل عليها طويلة، والأماكن التى شغلها فى مؤسسات إقليمية ودولية تشهد له بالتفرد فى مجاله وخاصة عندما يتعلق الأمر بفهمه لطبيعة الجماعات المسلحة فى سيناء وتركيبة شبه الجزيرة الاجتماعية والسياسية. كان الإسكندرانى يعمل صحفيا وباحثا فى عدد من المراكز الدولية عندما قرر زيارة مصر لعيادة والدته المريضة فى شهر نوفمبر. وعندما وصل استقبل فى مطار الغردقة ومنه إلى الأمن الوطنى.
ومنذ هذا الحين يقبع إسماعيل خلف القضبان متهما بالانتماء لجماعة الإخوان التى طالما انتقدها وحذر من فكرها فى كتاباته.
ولا تنس أحمد سعيد، الجراح المصرى المتخصص فى جراحات الأوعية الدموية الذى يعمل فى مستشفيات فرانكفورت.
الطبيب الذى شارك فى ثورة 25 يناير وأسعف ثوارها ومصابيها فى العيادات الميدانية.
قرر الجراح الشاب زيارة بلده فى منتصف نوفمبر الماضى. وبعد مشاركة لدقائق معدودة فى وقفة للتذكير بأحداث شارع محمد محمود، ألقى القبض عليه فى وسط البلد بواسطة رجال المباحث. فى قسم الشرطة وطبقا لما نقلته عنه أخته، تعرض الطبيب الشاب للإهانة والانتهاك والتعذيب. وبعد تجديد حبسه احتياطيا أكثر من مرة، صدر عليه حكم أيدته محكمة الاستئناف بالسجن مدة عامين، لنثبت له ولغيره من شباب الوطن ونابغيه أن مصر فعلا.. تستطيع.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة