مافيا القرصنة تتحكم بالكتب.. والإفلات من العقاب بـ40 دولارا
رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد: سنتخذ إجراءات فورية
قرصنة الكتب تهدد دور النشر المصرية.. "بوابة العين" تتناول هذه الظاهرة مستطلعة آراء اتحاد الناشرين، والكُتاب، وأصحاب دور النشر
ليست بظاهرة جديدة، لكنها تزداد انتشاراً ورواجاً وكأنها أمر عادي لا يقيده قانون ولا تحده ملاحقة. قرصنة الكتب مستمرة، وتتمدد من الأرصفة والشوارع والأزقة المخفية، إلى المكتبات وشبكة الإنترنت وأخيراً.. إلى معرض القاهرة للكتاب، حيث عُرضت في سور الأزبكية، المعني أصلًا بالكتب والمطبوعات المستعملة، قبل أن يتغول ويتورط في قرصنة الكتب. هناك عُرضت بكل وضوح ومن دون أدنى خوف من قبل عارضيها، لحين مداهمتهم.
في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم إلى إصدار تشريعات قانونية صارمة لحماية حقوق الفكرية، تزداد القرصنة عن حدها في مصر، الأمر الذي تسبب في المزيد من الخسائر للكُتاب ودور النشر، ويهدد مستقبل صناعة ضخمة وحيوية مثل صناعة الكتب.
المعنيون بصناعة الكتب من دور نشر ومؤلفين يبدون انزعاجـًا واضحـًا من تلك الظاهرة، ويتهمون الأجهزة المعنية بالتقصير في مواجهة قراصنة الكتب، ما يتسبب في خسائر مالية كبيرة لدور النشر.
في هذا التحقيق، تتطرق "بوابة العين" إلى ظاهرة قرصنة الكتب مستطلعة آراء اتحاد الناشرين العرب، والكُتاب، وأصحاب دور النشر.
الكاتبة نور عبدالمجيد: من يشتري نسخـًا مزورة يدعم القرصنة
تسرد الروائية نور عبدالمجيد لـ"العين" مشكلتها مع قرصنة مؤلفاتها، مشيرة إلى أنه قبل انطلاق الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، نفدت جميع نسخ روايتي الجديدة "لاسكالا" من السوق ولم أتمكن من طبع الرواية لعرضها في معرض الكتاب، لكني فوجئت بوجود الكتاب في كل مكان في المعرض بنسخ مزيفة.
وترى نور عبدالمجيد أن مشكلة القرصنة هي مشكلة مبدأ، فالقارئ الذي يشتري نسخـًا مزيفة من الشارع وباعة الأرصفة يدعم صناعة القرصنة ولا يدرك أنه بشرائه هذه النسخ يحرم الكثير من حقوقهم بداية من دور النشر وانتهاء بالعامل البسيط المهدد بخسارة عمله بسبب تعرض دور النشر لخسائر فادحة تجعلها تستغني عنه.
لابد للقارئ أن يعرف أنه عندما لا يملك المال لشراء كتاب فإن هذا لا يسوغ له أن أسرق حقوق الآخرين، وهناك قنوات أخرى شرعية للحصول على الكتاب باستعارته أو نسخه بأسعار شعبية ويجب أن تكون هناك جهة من الجهات تتبنى طبع الكتب بأسعار شعبية، وإذا وجدت مثل هذه الجهة سأتعاون معها حتى تصل كتبي إلى كافة الفئات دون أن يجور أحد على حقي ومجهودي.
عبدالمجيد ترى أن جهود الجهات الرسمية للحد من القرصنة غير جادة، ولم يتم اتخاذ إجراءات رادعة للمقرصنين، واصفة إجراءات أجهزة الدولة المعنية بالسطحية والبسيطة والمؤقتة .
محمد رشاد: إجراءات فورية
محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب المنتخب الأسبوع الماضي، يقول لـ"العين" إن قرصنة الكتب كانت من ضمن برنامجه الانتخابي الذي سيبدأ في تطبيقه بالتواصل مع الحكومات العربية لحماية حق المؤلف والناشر، بحيث يطبق القانون على المخالفين.
رشاد أكد أنه بدأ بالفعل في اتخاذ بعض الإجراءات لإغلاق عدد من أجنحة سور الأزبكية بمعرض القاهرة للكتاب التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية وتعرض كتبـًا مزورة أو مقرصنة، مشيراً إلى العمل على إيجاد بدائل شرعية حتى تصل الكتب إلى كافة فئات الشعب، ولأن معظم الناشرين يطبعون بكميات ضئيلة تتراوح ما بين 500 و1000 نسخة وقد تصل في بعض الأحيان إلى 200 نسخة، فبالتالي يكون سعر الكتاب مرتفعـًا لوجود تكاليف ثابتة لكن كلما زادت الكمية كلما قل سعر التكلفة.
كل هذا برأي رشاد، يتطلب من الدولة أن تهتم بترسيخ عادة القراءة كنوع من التأكيد على المكتبات المدرسية الموجودة في المدارس وأن تهتم باقتناء الكتب والتوسع في إنشاء المكتبات العامة، وإذا حدث ذلك فستزيد كميات طباعة الكتب إلى 120 و150 ألف نسخة وسيهبط سعر الكتاب ويكون في متناول الجميع .
فاطمة البودي: مافيا التزوير
خسائر القرصنة نوعان بحسب فاطمة البودي مديرة دار العين للنشر: خسارة مادية سببها جهل أو "استرخاص" من قارئ يشتري نسخة مزيفة، وخسارة معنوية سببها ركاكة النسخة المقرصنة التي تعطي انطباعـًا سيئـًا عن الدار.
تؤكد البودي أن دار العين تقدمت ببلاغات وإثباتات لحالات تزوير لدى الجهات المعنية، ولكن اللافت للانتباه أن قراصنة سور الأزبكية يعرضون الكتب المزيفة على التجار الذين لا تهمهم القيم فيشترون هذه النسخ المقلدة والمزورة لبيعها في بلادهم، واصفة إياهم بالمافيا.
ما هي أكثر الكتب المقرصنة؟ تقول البودي إن أغلب روايات الدار الرائجة وخاصة الفائزة منها بجوائز، تعرضت للقرصنة، مثل "عناق عند جسر بروكلين" و"عكس الاتجاه" و"مصر ترجع للخلف"، بالرغم من أن أسعارها بشكل عام لا تزيد عن 30 جنيهـًا.
يحيى هاشم: خسائر فادحة
فجميع إصدارات الكاتب محمد الجندي الصادرة عن دار أكتب تعرضت للقرصنة! هذه الواقعة دفعت مدير الدار يحيى هاشم لأن يتقدم منذ يومين ببلاغ إلى الجهات المعنية.
يؤكد هاشم أن هذه الحادثة سببت خسائر فادحة للدار، فكتب مثل "حكايات فرغلي المستكاوي" و"لقاء مع كاتب رعب" وأيضًا رواية "جروبي" وكتاب "نهاية الجماعة" ليوسف المصري، كلها تمت قرصنتها، ويصف ذلك بالفضيحة في ظل غياب أي قانون حاسم ورادع لحل مشكلة القرصنة، فالشخص المقرصن يخرج بكفالة لا تتعدى 300 جنيه مصري (أي نحو 40 دولارًا) لا تمثل شيئـًا بجانب أرباحه التي يجنيها من القرصنة التي تتعدى مئات الآلاف من الجنيهات ولا حقوق تعود للمتضررين.
ويضيف أن ما يثير الدهشة هو أن هناك كتبـًا مقرصنة تباع بأسعار أعلى من سعر الكتاب الحقيقي، فكتاب "فرغلي المستكاوي" سعره 12 جنيهـًا في حين تباع النسخة المسروقة منه بما لا يقل عن 20 جنيهـًا، ويتوقع هاشم إغلاق عدد كبير من دور النشر المصرية أبوابها إذا لم تضع الدولة حدًا للقرصنة .
محمد البعلي: الملاحقة مكلفة!
محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر والتوزيع، يرى أن خسائر دور النشر من القرصنة صغيرة؛ لأن حجم صناعة الكتاب العربي محدود، وجميع الكتب الناجحة تتعرض للقرصنة وتباع في الشارع، مثل ديوان "زي الأفلام" للشاعر محمد ابراهيم الذي تعرض للقرصنة والتزوير منذ نزوله السوق.
ويرى أن هناك نوعين من القرصنة: قرصنة تجارية هادفة للربح وقرصنة أخرى غير هادفة للربح وهي التي تصنع لأسباب أيديولوجية أو فكرية لارتفاع سعر الكتاب وتوفيره لباقي فئات الشعب، فتتيحه مجانـًا على مواقع الإنترنت.. والتعامل الوحيد المتاح هو التعامل القانوني، فعندما نعلم بوجود مكان ما يبيع هذه الكتب المسروقة نلجأ لتقديم بلاغ ضده ونتركه للسلطات التي تتعامل معه إما بالإغلاق أو المصادرة أو فرض غرامات ..إلخ.
ولكن الكثير من دور النشر ونحن منها نفضل تجاهل الموضوع نظرًا لأن تكلفة مطاردة هؤلاء القراصنة تتجاوز عادة عوائد أسعار الكتب... كما أنها لا تثمر في النهاية سوى عن إيقاف بائع جرائد لا حول له ولا قوة.. ويرجع البعلي فشل أجهزة الدولة في حل هذه المشكلة لعدم وجود نظام فعلي يتحرك لحل المشكلة من جذورها.
aXA6IDE4LjExNi4xNC4xMiA= جزيرة ام اند امز