سعى روسيا إلى تكريس وجودها العسكري في سوريا للمحاولة من التهرب من الضغوط الغربية
تسعى روسيا إلى تبني سياسة "الانخراط العسكري المفتوح" في سوريا، وهو ما يبدو جليًّا في الكشف عن الاتفاق الذي تم توقيعه مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في أغسطس 2015، والذي يقضي بتكريس الوجود العسكري الروسي لفترة زمنية غير محددة داخل سوريا.
وربما لا ينفصل ذلك عن الجهود التي تبذلها موسكو من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية تتوافق مع مصالحها في المقام الأول، لا سيما بعد الضغوط التي تعرضت لها من قبل الدول الغربية، بسبب الخلاف حول الأزمة الأوكرانية.
وقد انعكس ذلك في اعتراضها على قائمة وفد المعارضة الذي سيتفاوض مع النظام السوري في جنيف. ويبدو أن هذا التحول الملحوظ في الموقف الروسي يرتبط بمجموعة من المتغيرات الخاصة برفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وبداية تحسن العلاقات الإيرانية- الأمريكية، وتلميح تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى إمكانية استخدام الخيار العسكري في التعامل مع تطورات الأزمة السورية في حل فشل جهود التسوية.
وأشار تقرير للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية إلى مجموعة من المؤشرات التي تكشف عن رغبة روسيا في إضفاء شرعية على وجودها في سوريا، وتتمثل في ثلاثة مؤشرات رئيسة:
الأول هو تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 26 يناير 2016، على أن استجابة روسيا لطلب سوريا بمواجهة الإرهاب ساعد في تغيير الوضع في سوريا، مشيرًا إلى أن روسيا لا تتدخل في تقرير مصير مستقبل سوريا عبر رفض الضغط على بشار الأسد للتنحي، بما يوحي بأن روسيا تسعى إلى توجيه رسالة إلى القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، بأنها لن تتراجع عن تدخلها العسكري في الصراع، ولن تُجري، على الأقل في المدى القريب، أي تغيير ملحوظ تجاه مسألة تنحي الأسد، والتي تمثل الخلاف الأهم الذي ما زال يفرض عقبات عديدة أمام تسوية الأزمة.
وقد حرص الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في هذا السياق على تأكيد أن "من السابق لأوانه الحديث عما إذا كانت موسكو ستمنح حق اللجوء للرئيس السوري بشار الأسد".
ويتمثل المحور الثاني في محاولة التدخل في تحديد قائمة المعارضة، والتي تبدي موسكو تحفظات عديدة بشأنها، نتيجة عدم توجيه دعوات لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن روسيا سلمت للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لائحة أخرى تضم 16 اسمًا، وما زالت قائمة التفاوض تلقي بظلالها على الخلافات الجوهرية، سواء من جانب روسيا أو من قبل بعض القوى الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها تركيا، التي تُصر على عدم حضور ممثلين من حزب الاتحاد الديمقراطي.
ويتحدث الثالث عن الكشف عن اتفاق تم توقيعه بين روسيا ونظام الأسد في أغسطس 2015؛ حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن روسيا سعت من خلال هذا الاتفاق إلى تكريس وجودها العسكري داخل سوريا، بهدف منع تغيير توازنات القوى لصالح المعارضة، وتعزيز الموقع التفاوضي للنظام خلال المرحلة القادمة والحصول على مكاسب سياسية عديدة خلال عملية التفاوض.
إن التكلفة البشرية والعسكرية للتدخل الروسي لا تمثل، على الأرجح، مشكلة كبيرة بالنسبة لموسكو، حسب رؤية بعض الاتجاهات، التي اعتبرت أن الخسائر في صفوف القوات الروسية ما زالت ضعيفة بدرجة كبيرة، وأن الإنفاق العسكري على الحملة يتراوح ما بين مليار إلى 2 مليار دولار سنويًّا في الوقت الذي تصل فيه الموازنة العسكرية الروسية إلى 54 مليار دولار سنويًّا.
ومن دون شك، فإن تلك التكلفة تبدو مقبولة لدى موسكو في ظل التداعيات الإيجابية التي ترى دوائر سياسية عديدة في روسيا أنها تمخضت عن التدخل العسكري الروسي، على غرار اتساع نطاق النفوذ الروسي في المنطقة، خاصةً بعد الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الدور.
وبوجود مؤشرات عديدة تكشف عن اتجاه تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى البحث في استخدام الخيار العسكري للتدخل في سوريا في حالة ما إذا فشلت المفاوضات القادمة في الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، أكد نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الاحتمال خلال زيارته لتركيا، في 23 يناير 2016، حيث صرح أن "الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا تستعدان لحل عسكري ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا حال فشل اتفاق سلام خلال الاجتماع القادم في جنيف".
و في النهاية، تكشف هذه التحركات في مجملها عن أن روسيا لم تكن تسعى من خلال رفع مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري إلى إنقاذ نظام الأسد فحسب، رغم أهمية ذلك بالنسبة إلى مصالحها، وإنما أيضًا، وربما يكون ذلك هو الأهم، التحول إلى شريك إقليمي ودولي رئيسي، انطلاقًا من منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الضغوط التي تعرضت لها من قبل الدول الغربية، بسبب الخلاف حول الأزمة الأوكرانية.