تثار، هذه الأيام، قضية الإعلام.. أزمة.. مصيبة... إلى آخر هذه الألفاظ التى مهما اختلف شكلها، فالمضمون واحد. وما الحل؟
تثار، هذه الأيام، قضية الإعلام.. أزمة.. مصيبة... إلى آخر هذه الألفاظ التى مهما اختلف شكلها، فالمضمون واحد. وما الحل؟ وزارة، أم هيئة مستقلة، أم قطاع خاص حر تماما عن أى شىء آخر سوى مصلحته؟
وهو موضوع مهم لدوره فى تشكيل الرأى العام، وهو الحامل للثقافة.
هو سلطة رابعة لا تقل أهمية عن السلطات الثلاث الأولى، التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ولكل حل مميزاته وعيوبه. الإعلام كقطاع عام يكون فى يد الدولة توجهه كيفما تشاء.
وتمنع المعارضة.
دوره تبرير نظامها السياسى وخياراته الاجتماعية. لا يمر بأزمات مالية نظرا لتدعيم الدولة له. والإعلام الخاص يكون فى يد رجال الأعمال يوجهونه طبقا لمصالحهم الخاصة. فلا توجد مصلحة وطنية عامة.
غايته الربح فهو شركة اقتصادية تخضع للمكسب والخسارة.
وقد نشأت الصحافة فى مصر فى القرن التاسع عشر على أيدى المهاجرين الشوام. ليست كمهنة بل كرسالة. فقد كانت الحامل للنهضة العلمية والفكرية والأدبية والثقافية.
يكتب فيها المحدثون والمجددون والمصلحون. وكانت صحافة وطنية تحمل رسالة الحرية والاستقلال. كانت صحافة وطنية ذات رسالة سياسية، بل حزبية لدرجة أن تاريخ الصحافة هو تاريخ الأدب وتاريخ السياسة وتاريخ الفكر أى تاريخ الثقافة وتاريخ الفن.
لا يُكتب موضوع فيها إلا وله هدف.
وهو ما يسمى بلغة اليوم صحافة ملتزمة، صحافة ذات قضية، تحمل رسالة.
أما اليوم، فالصحافة مهنة إخبارية. ورواية الخبر بطرق متعددة بحيث يتغير معناه طبقا لقصد المخبر. وهى صحافة الإعلانات أى صحافة تجارية بحجة إيجاد مصدر للتمويل.
وصفحات الرأى فيها طائرة فى الهواء لا تهدف إلى شىء. تحمل معلومات مستقلة من الإنترنت أو من عرض الكتب، وغالبها أجنبية. كلام أسود لملء الفراغ الأبيض.
تعرض مشاكل العالم مثل العالم ذى القطب الواحد، صراع الحضارات أو حوارها، ثورة المعلومات، التكنولوجيا الجديدة. والحجة وضع المجتمع خارج محليته كى يصير عالميا.
فالصحافة مهنة دون أن يكون لها رسالة. لا شأن لها بالواقع المأزوم الذى يبحث عمن يعبر عنه ويدافع عن قضاياه. لا خطورة منها ولا حق فيها.
لم يدخل كتابها السجون والمعتقلات بل اعتلوا المناصب العليا فى الإعلام، رؤساء تحرير أو وزراء إعلام. لا يتعرضون للواقع أو مشاكله.
ولا ينقدون أى عيب فى أى نظام سياسى بالرغم من مطالبتهم باستعمال المنهج النقدى كما يستعمله علماء الاجتماع.
كلام بلا أسنان وفصل غير قاطع. تخلق مدرسة وظيفية مهمتها وضع الكتّاب فى المناصب وارتقاؤهم شيئا فشيئا حتى يصبحوا أيديولوجيى النظام السياسى. الرزق قليل فى الظاهر، مجرد مرتب شهرى.
وفى الباطن كبير فى صور أخرى. صورهم تملأ الصفحات وقنوات الفضاء. فهم مفكرو العصر والمطلعون على حوادثه باستثناء عصرهم وحوادثه، نقد النظام أو رفض الاعتقال أو نقد غلو الأسعار أو كشف التفاوت الطبقى الشديد بين الأغنياء والفقراء أو التحالف مع القوى الكبرى أو جعل العدو الرئيسى للبلاد هو الإرهاب، وليس إسرائيل.
وتباع هذه الكتابات لأكثر من صحيفة محلية وإقليمية، بل دولية. ويسير الصحفى مرفوع الرأس باعتباره إحدى قامات الإعلام وإعلام الصحافة. وبدلا من أن تكون الصحافة مرآة للواقع تكشف عنه تصبح غطاء له تمنع من رؤيته. وتتبدل الأغطية والموضوعات، كما هى لم تتغير.
ويطمئن الصحفى على نفسه من الاعتقال.
فهو عضو فى نقابة الصحفيين. ويُترك له السعى وراء المنصب الأعلى بشرط أن يقول ما لا يعتقد، وأن يعتقد ما لا يقول حتى أصبح المقال الصحفى فى الأغلب نموذجا للازدواجية. الغاية منه الشهرة والكسب والمنصب الأعلى. هدفه تبرير النظام وليس نقده أو الدفاع عن المصلحة الخاصة لفئة معينة. يتغير إذا ما تغير النظام. واستقى المواطن أخبار وطنه من الصحافة الأجنبية. تحولت صحافة الرأى إلى صحافة الخبر، وصحافة الخبر إلى صحافة الرياضة، وصحافة الرياضة إلى صحافة الإعلانات.
كانت النتيجة أن كسدت الصحف، وقل توزيعها بما فى ذلك الصحف اليسارية التى عادة ما تكون نسب توزيعها من أعلى النسب. ويبحث عن المال. والمال المدفوع له ثمن وهو طاعة رأى صاحب المال. فيضيع استقلال الصحافة. وتتحول إلى تجارة. وتصبح مجرد مهنة بعد أن كانت رسالة.
فكيف تعود الصحافة مثلما نشأت، رسالة وليس مجرد مهنة، وقد تطورت آليات الطباعة ولم تعد هناك مشاكل طباعة أو توزيع؟ وكيف يستطيع الصحفى أن يكون صاحب رسالة وليس فقط صاحب مهنة؟ الصحفيون هم النخبة الواعية فى المجتمع القادرة على حمايته والمساهمة فى تقدمه. الصحفى هو الوعى الجماعى المتحرك فى صيغة شخص.
يعبر عن رسالة ومسؤولية وطموح.
يبدأ بالتعبير عن مسؤوليته، عن البيئة المحلية واصفا ظروفها، ومقدار مخاطرها. ما العمل إذا ما هبطت أسعار النفط ولم يعد الخليج قادرا على استيعاب كل هذه العمالة العربية والآسيوية؟ هذا هو الحاضر الزاهر، فما بال المستقبل المقلق؟ ولقد تكشف البيئة الطائفية المذهبية العرقية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن فى الحاضر، فماذا عن المستقبل؟ وماذا عن الدول الصامدة حتى الآن والمحافظة على وحدتها ضد مخاطر التفتيت، مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب والجزائر؟ كيف يمكن حمايتها من مخاطر التفتيت والتجزئة أو التجميع بالقوة والاستبداد من ناحية أخرى؟ إن الصحفى هو القادر على استباق الأحداث ورؤية المخاطر المحاطة بالخليج قبل الوطن العربى حتى لا يفاجأ الخليج بامتداد الثورة العربية إليه، فيندم الصحفى على تخليه عن واجبه، وأن الأحداث قد سبقته. فلا خوف من تحليل الحاضر والكشف عن مكوناته بقصد الحفاظ عليه همسا. فالزلزال لا يعطى علامات بقدومه. والصحفى قادر بما أوتى لديه من قدرة على التحليل وصدق النوايا أن ينذر بما قد يقع فى المستقبل. هو كالنبى يتنبأ بالمستقبل وينذر به، ولكن من يستمع؟
الخطورة فى أن يتآكل الوطن العربى من الأطراف، وأن تعود الأطراف محاولة كسب المركز.
فقد تغيرت الموازين.
والكل يطمع فى سايكس بيكو جديدة تعبر عن التوازن الإقليمى والاقتصادى والعسكرى الجديد. وقد تطمح القوى الكبرى جعل إسرائيل هى مركز الشرق الأوسط الجديد بدلا من مصر التى فرطت فى العقود الأخيرة فى مسؤوليتها التاريخية تجاه أشقائها العرب.
الكل ينتظر صلاح الدين الجديد أو محمد على الجديد أو عبدالناصر يبعث من جديد. وقد تشتد الأزمة والانتظار يطول.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة