الشعبويون يتقدمون على حساب البراجماتيين... السياسيون التقليديون، الذين لديهم إدراك واضح للطريقة التي ينبغي أن يعمل بها العالم..
الانتخاب المفاجئ لجيريمي كوربين، كزعيم للمعارضة في المملكة المتحدة، والصعود الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، أدلة على وجود تغيير كبير في طبيعة السياسة في كلا البلدين.
الشعبويون يتقدمون على حساب البراجماتيين... السياسيون التقليديون، الذين لديهم إدراك واضح للطريقة التي ينبغي أن يعمل بها العالم، بغض النظر عن العملية، يهيمنون على قنوات السياسية الغربية. الناخبون المحبطون في الديمقراطيات القديمة لديهم قليل من الثقة في السياسيين بوجه عام، لكن أولئك الذين تبدو مبادؤهم خالية من المنطق، والذين يمكن أن ينظر إليه على أنهم صادقين، بينما البعض الآخر انتهازيون، يجتذبون الدعم من أولئك الذين يختارون مواصلة العمل.
في الماضي قيل إن السياسة "فن الممكن"، وأنا أزعم أن السياسيين مثل دونالد ترامب يقدمون "فن المستحيل". منع المسلمين من دخول أمريكا، وبناء جدران ضخمة على طول الحدود مع المكسيك، وإبطال حق المواطنة بالولادة.. ثلاثة أمثلة فقط على أفكار تنفصل عن أي إدراك للواقع أو التفكير السياسي الجاد. لكن ترامب اكتشف أنه كلما كان صاخبا واحتل العناوين الرئيسية، كلما زادت شعبيته.
انتقاله من عالم المشاهير إلى عالم السياسة يبدو أنه ليس له حدود. ترامب نفسه أقر بهذا مؤخرا، وقال إنه يمكنه أن يقف في الجادة الخامسة في نيويورك "ويطلق النار على شخص"، ولن يخسر ناخبيه. فكيف وصلت الأمور إلى هذا؟ كيف وجد الساسة الجادون، ذوو الخبرة والسجل الحافل، والأفكار السياسية المدروسة والمجربة، أنفسهم عاجزين عن تخطي "ترامبات" هذا العالم؟ وهل صعود الشعبوية سوف لن ينتهي أبدا؟
التحذير الأول الذي يجدر قوله، هو أن ترامب لم يفز بشيء بعد، وصورة المسيطر على وسائل الإعلام، لا تقود بالضرورة إلى النجاح الانتخابي. واستطلاعات الرأي التي تشير إلى أن ترامب يتقدم، لاسيما في أوساط الناخبين الشباب، الذين جذبتهم لامبالاتهم في الأساس إلى خطابه، لا تعني أنه سوف ينهي الرحلة إلى صناديق الاقتراع في الواقع.
صعود ترامب يستوجب دراسة غضب الناخبين الذين، في عصر العولمة، يشعرون بعجز متزايد عن السيطرة على حياتهم. هذه هي الطبيعة المترابطة للسياسة والاقتصاد في العالم، أن الأزمة المالية في الصين يمكن أن تعني خسارة فرص عمل في قطاع صناعة الصلب في ولاية إنديانا الأمريكية، وأن صعود داعش في سوريا، يبدو كأنه يمثل تهديد لرجل يشاهد الأخبار في ولاية تكساس.
في هذا العالم المعولم، الواقع الحقيقي، هو أن الدول القومية، لا تمارس السلطة والنفوذ كما فعلت في السابق، لأن السلطة قد انتقلت إلى التكتلات التجارية، والشركات الضخمة متعددة الجنسيات، والتحالفات الدفاعية أكثر أو أقل، فيما يتعلق بتمركز السلطة في المدن، والمناطق وبشكل متزايد لدى الأفراد الذين يشعرون أنهم ينبغي أن يكون لديهم ممثل سياسي، يعكس وجهات نظرهم، مثلما يمتلكون زوجا من الأحذية ملائما لهم.
الساسة البراجماتيون يدركون هذه المعضلة، ويعملون في إطار الواقع الذي أوجدته. وترامب بدلا من ذلك يحشد ضدها، ويعقد العزم، وهو ما يظهر جليا في تعهده بـ"جعل أمريكا بلدا عظيما مجددا". بالطبع ترامب ليس مسافرا عبر الزمن، وبينما يمكنه حشد الحنين لأمريكا التي كانت، لا يمكنه إلغاء الحاضر، أو جعل البلاد "تنعزل" عن العولمة.
إلا أن الحقيقة المرة، هي أنه حتى يتم اختبار مثل هذا الخطاب مع تغير الحكومة، وحتى تستطيع الشخصيات التي تشبه ترامب الاستيلاء على السلطة، وأن تضطر لممارستها فعلا بدلا من الحشد ضدها، سيواصل الشعبويون استغلال استياء أولئك المحبطين بشأن ما إذا كانوا يلائمون في عالم اليوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة