بالطائرات والمدافع رد فلاديمير بوتين في حلب على العملية السياسية في جنيف التي استبعدت من صنّفهم هو وبشار الأسد معارضين
بالطائرات والمدافع رد فلاديمير بوتين في حلب على العملية السياسية في جنيف التي استبعدت من صنّفهم هو وبشار الأسد معارضين، وطالب بجلوسهم الى طاولة المفاوضات مع وفد النظام. لكن بوتين ردّ ايضاً في حلب على تركيا وأوروبا وعلى حلفاء المعارضة السورية من العرب، كما ردّ في الوقت ذاته وبصوت عالٍ على باراك اوباما صارخاً: أنا صاحب القرار في الحرب السورية كما في الحل.
ينفذ بوتين في غاراته على حلب الهدف الذي وضعه النظام منذ بدايات الحرب، وهو انه لا توجد معارضة معتدلة للتفاوض معها في سورية. هناك جماعات ارهابية لا بد من القضاء عليها قبل ان يصير ممكناً التوصل الى حل سياسي. لذلك لا يرى الروسي في حلب وفي درعا وفي ريف اللاذقية وفي سائر المواقع سوى «ارهابيين»، حتى ان السفير الروسي في جنيف استغرب ان تقاطع الهيئة العليا للمفاوضات محادثات جنيف احتجاجاً على الغارات الروسية، وطالبها بأن توجه الشكر الى موسكو على حفلة القتل والتهجير التي تمارسها في سورية!
ما هي النتيجة الطبيعية للقضاء على مواقع المعارضة المعتدلة في سورية وعلى قواعد «الجيش السوري الحر» سوى أن يتحول تنظيم «داعش» الى القوة الوحيدة التي تزعم القدرة على حماية مصالح الأكثرية في سورية؟ وعندها يتحقق حلم النظام وروسيا معاً، وهما اللذان يستبعدان مواقع «داعش»من الهجمات التي يشنّانها على ما يقولان انها «جماعات ارهابية».
ثم، كيف يكون رئيس هيئة المفاوضات رياض حجاب مواطناً صالحاً عندما يقبل تعيينه رئيساً للحكومة السورية، ثم يتحول الى «راعٍ للإرهاب» عندما يقف الى جانب مواطنيه الذين يحتجّون على جرائم القتل التي ترتكبها قوات النظام؟
معركة حلب تزيل كل الشكوك حول طبيعة الدور الروسي وأهدافه. انها تلغي اي دور لنظام بشار الاسد في تقرير المرحلة المقبلة.
فالعنوان الأساسي للمفاوضين الغربيين، وربما العرب أيضاً، سيكون بعد الآن في الكرملين مع فلاديمير بوتين. في يديه ورقة الضغط على الأوروبيين من خلال مسألة اللاجئين الذين اصبحوا يشكلون أكبر هاجس لأوروبا، يهدد مشروعها الوحدوي وحدودها المفتوحة.
وفوق ذلك تساهم أزمة اللاجئين في صعود تيارات اليمين المتطرف في اوروبا، كما نشهد في المانيا وفرنسا وحتى في دول ليبرالية تقليدياً مثل الدول الاسكندنافية، وهي تيارات حليفة للقومية والفاشية الروسية التي يعدّ بوتين أفضل رموزها المعاصرة.
معركة حلب هي ايضاً عامل ضغط على تركيا من خلال دفعها الى اتخاذ موقف صعب من التدخل العسكري في سورية، فضلاً عن تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين عبر الحدود التركية، وما يشكله ذلك من عنصر قلق في الداخل التركي، واضطراب في العلاقات التركية - الاوروبية والتركية - الاطلسية، بينما تستمر المطالب الغربية بضرورة استيعاب تركيا لملايين الهاربين اليها، لتخفيف الضغط عن حدود «شينغن» الأوروبية.
لكن، أبعد من كل ذلك، من شأن التدخل الروسي أن يرسم خريطة جديدة للحرب السورية ولسورية ذاتها، هي خريطة تثبيت التقسيم.
يصعب على بوتين وعلى بشار الأسد وقاسم سليماني إخضاع كل السوريين لمشروعهم. يمكنهم السيطرة على المناطق ذات الأكثرية الشيعية، وإخراج المعارضة من المناطق والبلدات التي تقيم فيها هذه الأكثرية، كما حصل في نبل والزهراء وفي ريف اللاذقية.
لكنهم لا يستطيعون فرض نفوذهم على ابناء المناطق الاخرى، حتى لو أخرجوا قوات المعارضة منها بالقوة.
والدليل هو عشرات آلاف الهاربين من المناطق التي يزعم نظام الأسد وشركاؤه أنهم استعادوها الى سلطة الدولة السورية. لماذا يهرب هؤلاء المواطنون السوريون من هذه السلطة ويبحثون عن أي مأوى، اذا كانوا يعتبرون انها هي السلطة التي تمثلهم وتحميهم؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة